رواية (اللحاف) للروائي أيمن ناصر صدرت عن اتحاد الكتاب العرب في دمشق هذا العام, وقد حركت الأجواء في محافظة الرقة حيث قدم مجموعة من المثقفين قراءات نقدية للرواية توقفت عند مقاطع محددة منها..وأحبَّ آخرون أن ينقلوا هذا الحراك إلى صحيفة الثورة وقدموا مقالات تحمل وجهات نظر مختلفة, لا تقل قسوة في البداية عما قرأناه في المقالات التي يناقشونها..ومن باب الحيادية تمنيت على أحد المساهمين الحصول على نسخة من الرواية, فرد قائلاً: الاتحاد يرسل لكم منشوراته فقلت لا: إنه يعاقبنا منذ عامين بعدم إرسال أي مطبوعة إلا الأسبوع الأدبي, وعلى كل حال دعنا من هذا الأمر فله وقفة أخرى..اتصل صديقنا بالكاتب في الرقة وتمنى عليه إرسال نسخة من الرواية..وصلت الرواية وبدأت قراءتها..ولقراءة الرواية عندي طقس أبدأ به فإذا استطعت أن أعبر صفحاته خلال فترة وجيزة علي متابعتها دون توقف, وهذا ما حصل في قراءة الرواية (اللحاف).
اللحاف عادت بي إلى مدينة الرقة نهايات ثمانينات القرن العشرين 1989 وتحديداً يوم 18/11/1989م يوم شددت الرحال إلى الرقة مدرساً..وصلتها صباحاً في رحلة قطار وقذفت بي إلى أقصى الشمال إلى حريران حيث بقيت مدة ثلاثة أشهر كانت ثرية بالألم والمتعة واكتشاف عالم جديد مملوء بالطيبة والمحبة, عالم يرحب بك ويتفاعل معك بداية على حذر, وإذا اقتنع بك دخلت عالمه..وتدور الأيام وأعود بعد عامين إلى الرقة وإلى ثانوية صقر قريش على ضفاف الفرات..وكانت الساعة الرئيسة في ساحة المدينة قد توقفت عند الثالثة إلا ربعاً يوم تركت المدينة, وعدت إليها والساعة حيث توقفت..ولا أدري إن كانت قد تحركت وتوقفت وتحركت.
اليوم رواية اللحاف تثير في النفس كوامن وتدفعني إلى أكثر من سؤال لا يوجه إلى الروائي أيمن ناصر وحده وإنما إلى المبدعين الروائيين, ولا سيما الروائيات: لماذا اللجوء إلى استفزاز الآخر والحفر في صفحات تاريخية قد لا تكون صحيحة, وقد تكون لماذا علينا أن نشعر الآخر أننا نرصدك ولا سيما في جوانب اشكالية ليست مهمة, الرواية أن تجعل من نفسها حكماً ولا سيما في الجانب التاريخي.
الفن ليس تاريخاً
يطمح الكثيرون أن يكون العمل الروائي وثيقة تاريخية أو شهادة على العصر, وربما وصل الأمر ببعضهم إلى اعتبار الرواية هي التاريخ الحقيقي الذي ينقل عالم المهمشين, عالم الأضواء, وما فيها من خبايا وأسرار..يصور ويقدم وربما يصدر أحكاماً بأسلوب موارب..وفي التاريخ الروائي الذي ازداد في الأعوام الأخيرة أمثلة كثيرة على ذلك..ومع ذلك, فإن رواية اللحاف ليست من هذا النوع الروائي, فالمقطعان اللذان استذكر فيهما الروائي الرقة, الأول في الصفحة 89 حيث أعاد إلى الذاكرة ما جاء في كتاب تاريخي قديم, وما كتب فيه عن هارون الرشيد..المقطع قاس وحاد وليس لائقاً الاستشهاد به, ولم يقدم إضافة فنية على الإطلاق..ثم ما الذي يدعونا لأن نعيد النبش في تاريخ قد لا يكون صحيحاً, وقد يكون..وأيضاً من الذي زعم أن المدن مقدسة وأن تاريخنا لم يعرف عالماً سفلياً..سابقاً ولاحقاً وحاضراً ومستقبلاً..المدن ليست مغسولة بماء الطهر والياسمين والبشر ليسوا قديسيين, وجمال الحياة أن تتلون بألوان من يعيشونها, ودفء المكان وروعته يجب ألا يدفعا بنا إلى اتخاذ مواقف حادة.
الرواية تحسب في قائمة الروايات التي تجعل من صدورها علامة فارقة في تاريخنا الروائي, أيمن ناصر ربما أراد أن يغسل ما في قلبه من أدران الحياة, فإذا به يسقطها على المدينة البريئة المحايدة, لكنه قدم رواية متميزة بكل المقاييس.
ولكن
كتب الأستاذ وليد معماري عن الرواية قائلاً: قرأت رواية اللحاف سطراً, سطراً, بالأحرى كلمة كلمة..لا للمهمة المنوطة بي قراءتها..فقد شدني العمل منذ صفحاته الأولى..ثم راح إيقاع الروي يحملني على زورق يتهادى فوق أمواج بحر هادئة, فيما الأعماق تضج بالعواصف..إنها فتح جديد بعد زمن الركود..ولا أبالغ.
ليس دفاعاً عن الرواية والروائي فهي جديرة بالتقدير وإن كان يؤخذ عليها شيء, فإنما هو هذه الاستعادة غير المبررة لصفحة من التاريخ أو لحكم مطلق وكأننا نعيش في عالم قدسي, المدن تتلون بألوان حياتنا, ومن كان منا يعيش في مدينة قدسية فليرم المدن الأخرى بما لديه..مدننا صورنا نحن.