|
في الندوة التكريمية لفخري البارودي:اغتنــى بمحبة النـاس ثقافة هكذا عرفه المرحوم عبد الغني العطري، وعرفه الفنان صباح فخري وصديقه ، ورجا شربتجي، كما تعرف إليه جيل الشباب الذي آثر أن يحمل الشعلة لتبقى مضيئة بمبدعيها ومناضليها، ومن هؤلاء الباحث د. سامي المبيض الذي لا يألو جهداً وهو يبحث عن عظماء سورية ويقدمهم بلغات عدة. قلب يتكلم د. المبيض تحدث عن السيرة الذاتية للبارودي الذي أبصر النور في دمشق 1884، في حي القنوات وتلقى تعليمه فيها، وكما أجمع الناس على محبته، فقد أجمعوا على صدق وطنيته وحماسته لكل مشروع وطني، فهو الذي أدار حملة أسبوع التسلح واستطاع بمشاركة عدد كبير من وجهاء دمشق وشخصياتها السياسية أن يجمع مبلغاً وقدره 25 مليون ليرة سورية، وكان آنذاك رقماً كبيراً، كما ساهم في المشروع الترويجي الذي سمي (مشروع الفرنك) من عام 1932- إلى 1936 لدعم الجيش الوطني، وهو أول من نادى بالوحدة العربية، وتنبأ بكارثة فلسطين قبل وقوعها بعشر سنوات، وله كتاب شهير اسمه كارثة فلسطين، منشور 1938. نفي من سورية 1939، وذهب إلى الأردن وكان قد تجاوز الخمسين من العمر حيث أسس هناك مطعماً صار محجاً للمثقفين والكتاب والشعراء، كما أسس جامعاً ومدرسة، وأعد برنامجاً للأطفال في إذاعة الشرق الأدنى، عاد إلى سورية مع عودة الحياة إليها 1943 إذ أصبح نائباً ثانياً عن دمشق بعد الاستقلال، بعدها ترك العمل السياسي وانصرف إلى العمل الفني، وله يعود الفضل في تأسيس الإذاعة السورية التي انطلقت في 3 شباط 1947 وهومؤسس المعهد الموسيقي العربي، كان يكره أن يترك الفنانون السوريون بلدهم ويذهبوا إلى مصر، و قال مرة معاتباً أسمهان: لماذا مصر يا أميرة ؟ نحن أحق فيك منها. أهل الفن رعى البارودي الفن والفنانين وكان بيته في القنوات محط الأنظار، وسهراته تضم الصفوة من أهل الفن، حتى إن هذه السهرات البارودية كانت حديث المجتمع السوري، ومن أبرز الفنانين الذين رعاهم البارودي صباح فخري، واسمه الحقيقي صباح الدين أبو قوس وقد أخذ اللقب من المعلم والمربي فخري البارودي، وفي شهادة التلميذ عن أستاذه يقول: نحن في هذه الندوة نتكرم بالبارودي لا نكرمه قالوا: إنه كان غنياً ومات معدماً، وبرأيي ولد غنياً ومات كذلك، إذ إنه خرج من الحياة بثروة كبيرة وهي محبة الناس التي لايملكها أحد سواه، المحبة التي حاز عليها في الماضي والحاضر والمستقبل، نقف اليوم بإجلال واحترام أمام هذه الشخصية العظيمة التي كانت تسعى لبناء الوطن، ولاشيء غيره كان البارودي رجلاً في أمة،لا بل كان شعباً وحده. وتحدث الفنان صباح فخري عن تعرفه إليه حين أتى إلى دمشق بصحبة أمير الكمان(سامي الشوا) الذي كان يرغب أن يأخذه معه إلى مصر فأبقاه البارودي في دمشق موظفاً في الإذاعة على أن يداوم في مدرسته صباحاً، وفي المعهد الموسيقي الشرقي مساء لقاء مبلغ 250 ليرة في الشهر وهومبلغ لم يعط لأحد في تلك الأيام، وهناك تعلم صباح فخري على يد كبار الأساتذة،وتخرج من المعهد. ويؤكد الفنان الكبير أنه لولا البارودي لاندثر تراث سورية الموسيقي وهو الذي تعهد الأصوات الجميلة وأتى بخيرة الأساتذة ودفع لهم رواتب مغرية من أجل الحفاظ على التراث الفني الجميل، وأشار صباح فخري إلى أنه أسس معهداً غنائياً في حلب امتداداً للراية التي رفعها فخري البارودي، لنبقى محافظين على تراثنا وأصالتنا... ومهما تحدث المرء عنه لايمكن أن يفيه حقه، وفي أي مناسبة يذكر فضله، فمع أول مهرجان للأغنية في قلعة حلب جمعنا أناشيده لتبقى في الذاكرة وهي التي آثرت المكتبة في الإذاعة والتلفزيون،ومنها النشيد الذائع الصيت (بلاد العرب أوطاني ونشيد موطني) وأخرج نبيل المالح فيلماً وثائقياً عنه بعنوان (مخرج يبحث عن شيخ الشباب) حاز على الميدالية الذهبية. ذكريات بدوره رجا شربتجي والذي كان صديقاً حميماً للبارودي والجار بالجنب له تحدث عن حياته وذكرياته معه وعن بيته بالقنوات الذي مرت الدنيا كلها به من فنانين كأم كلثوم وعبد الوهاب وملوك ورؤساء كالملك فيصل، إذ كان لايترك غريباً يدخل دمشق أو ضيفاً سياسياً أو أدبياً أو فنياً إلا ويدعوه إلى بيته. وبرأيه أن حياة البارودي لا تختصر بندوة أو لقاء تلفزيوني بل تحتاج إلى أشهر لسردها ،وأشار إلى أنه ولد وبفمه ملعقة من ذهب وتوفي فقيراً معدماً حتى إنه لم يكن يملك مالاً ليدفع لعلاجه في مشفى الجامعة الأميركية وقد تولى أحد المحسنين دفع المبلغ وختم قائلاً: أعطى كثيراً ولم يأخذ شيئاً ولم يضع في باله وزارة ولا إمارة، كان هو والرحباني يبحثان دائماً عن الوطن والحرية. وفي نهاية الندوة عرض فيلم تسجيلي عن البارودي كما تم عرض صور نادرة للبارودي تضمنت جميع مراحل حياته، حضر الندوة التكريمية التي أقيمت في مكتبة الأسد عدد من الأدباء والفنانين منهم الأديبة كوليت خوري والفنان دريد لحام.
|