واليوم وبعد أن فشل الاحتلال في تحقيق أي إنجاز على الأرض خلال عدوانه على غزة لجأ مجدداً إلى إطباق الخناق على القطاع وأهله, واستمر في حصاره الظالم ومنع وصول المساعدات الإنسانية سعياً إلى تحقيق ما فشلت آلته العسكرية عن إنجازه.
إنه كيان إرهابي نازي لم يتوقف عدوانه يوماً وهدفه واحد إبادة كل ما هو غير يهودي طفلاً أو امرأة أو شيخاً مسناً. فعلى مدى أكثر من ثلاثة أسابيع انصبت فيها حمم الدمار والموت فوق رؤوس أبناء غزة العزل في حرب إبادة جماعية شنها الاحتلال وفاقت في همجيتها مجازر النازية ولم يشهد التاريخ لها مثيلاً في حقدها وكمية ونوعية الأسلحة التي استخدمتها، حيث ألقى سلاح الجو الإسرائيلي على قطاع غزة ما يزيد على مليون كيلو غرام من المتفجرات شديدة الدمار والمحرقة دولياً.
حاولوا إخضاع غزة واسكات صوتها بالطائرات الحربية والمدافع والقنابل الفوسفورية فكان الفشل حليفهم، اليوم يعودون إلى الحصار الذي فرضوه طيلة السنوات الماضية عله ينفع في كسر إرادة غزة ومقاومتها الباسلة. والحصار الذي يعتمدونه اليوم أشد وأدهى لأنه يأتي بعد حرب همجية انتهكت الأعراف والمواثيق الدولية، واستباحت المدارس والمستشفيات وركزت على المدنيين والأطفال وهدمت البيوت على العائلات، فضلاً عن أنه يفرض مقروناً بالمراوغة الدولية التي تتغاضى عن الجلاد وتلاحق الضحية.
كثيرة هي الحروب التي خاضتها إسرائيل وأغلبها كان أوسع نطاقاً من حرب غزة، ولكن الفارق بين تلك الحروب وهذه أن حرب غزة انطلقت من واقع امتلاك إسرائيل لكل أنواع الأسلحة وافتقار الفلسطينيين لأبسطها، ومع ذلك لم يتمكن الاحتلال من حسم الحرب أو تجييرها سياسياً.
وهنا تكمن المعضلة التي سمحت لإسرائيل بالذهاب إلى أقصى مدى في استخدام القوة ومن دون قيود.
والنتيجة كانت مردودة على إسرائيل:
- لا نتائج من جهة.. وسقوط في الاختبار الأخلاقي وقد بدت هذه النتيجة بأسرع ما كانت تتخيلها قيادة إسرائيل عندما اضطرت للتحسب من الملاحقات القضائية باقتراف جرائم حرب ومجازر ضد الإنسانية.
الممارسات الإسرائيلية في العدوان على غزة، جعلت أوساط ومنظمات رسمية وشعبية تطالب بملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين قضائياً، وجعلت الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون يدعو إلى محاسبة حكام إسرائيل.
والسؤال المطروح الآن ما الإجراءات التي اتخذتها الأمم المتحدة ومجلس الأمن إزاء الوحشية الصهيونية وإرهابها الذي لم يشهد التاريخ له مثيلاً في غزة؟
هل ستتم محاسبة المسؤولين الإسرائيليين عن قصف مباني الأمم المتحدة وعلى الجرائم المرتكبة بحق المدنيين أم أنهم سيفلتون من العقاب من جديد وبالتالي يستمرون في نهجهم العدواني ويستبيحون دماء الفلسطينيين ويسفكونها دون خوف من مساءلة أو محاكمة تتناسب مع طبيعة أفعالهم كمجرمي حرب؟
ثم من سيتكفل بلملمة الجرح الغائر الذي خلفته إسرائيل في جسد القطاع؟ ومن سيعوض الأهالي الذين فقدوا عوائلهم؟ ومن سيعيد إلى غزة الحياة بعد كل الموت والدمار والخراب وسقوط أكثر من 1300 شهيد فلسطيني؟ لعل السكرتير العام الأسبق للأمم المتحدة كورت فالدهايم كان قد قال الحقيقة يوماً ما حين وصف الأمم المتحدة بأنها آلة للكذب من أجل السلام، ليس إلا..
فيما وصف الدكتور جورج أبي صهيب وهو خبير دولي من أصول عربية الأمم المتحدة بالكناس الذي يطلب منه أن يقوم بتنظيف القذارة التي تسببها القوى العظمى في العالم ومن يدلو بدلوها.
ما يحدث في غزة مجزرة بكل المقاييس ويظهر بما لا يدع مجالاً للشك أن إسرائيل كيان ارهابي يمارس التمييز العنصري.
وفي الداخل الإسرائيلي تعالت الأصوات التي أقرت بفشل العدوان في تحقيق أهدافه المعلنة والخفية.
فقد أكد رئيس قسم دراسات الأمن في جامعة حيفا البروفيسور جبرائيل بن دور أن البحث عن براهين عن نجاح الحرب بعد انتهائها يعني الفشل، في حين قال الكاتب والصحفي الإسرائيلي سيفربلوتسكر في صحيفة يديعوت احرونوت: إن المقاومة الفلسطينية لم تهزم ولن تركع وبقيت معافاة وتضع الشروط.
إذاً غزة باقية ما بقي شعب عربي يرفض الهزيمة والاستسلام ويتصدى للمحتلين وعملائهم..
غزة انتصرت رغم الوحشية الإسرائيلية والإبادة الجماعية.. غزة صامدة رغم الحصار والجوع والترهيب.
ومع أن إسرائيل أمطرت القطاع بالنار براً وبحراً وجواً وتستمر في فرض حصارها الظالم وتمنع وصول المساعدات الإنسانية إلا أن المقاومة الفلسطينية خرجت من بين الركام والرماد كطائر العنقاء، وأثبتت للعالم كله أن الحقوق لن تعود إلا من خلال المقاومة، فالحقوق لا تمنح ولكنها تنتزع بالتضحيات وبالدماء.. ولا تسترد بالتوسل أو التسول والطرق على أبواب عواصم الغرب الاستعماري الذي أحضر الأفعى الصهيونية إلى المنطقة وزودها بكل أنواع السموم الفتاكة.
المقاومة فقط الخيار الوحيد لتحرير الأرض، واسترداد الحقوق.