وقد اصطف خلف خطة التحفيز عدد من الديمقراطيين تنوعت أدوارهم بين التهليل والتحميس لكنهم اصطدموا برفض الجمهوريين في الكونغرس وتصويتهم بالإجماع ضد تمرير خطة أوباما.
يمكن القول إن الاقتصاد الأمريكي ربما يكون مليئاً بالثقوب والفجوات وإن قاعدة الصناعة الأمريكية تآكلت واهترأت بفعل عشرين عاماً من منافسة صادرات الصين، ودول أخرى تتميز برفض الأيدي العاملة ويبدو أن برنامج حفز اقتصادي لن يكون كافياً لصد الموجة العاتية، ونادراً ما يلام أوباما على خطته لضخ 825 مليار دولار لأن هذا يعتبر أمراً مقضياً ومفروغاً منه منذ اللحظة التي تم فيها انتخابه رئيساً، بيد أن ضخ اثنين أو أربعة تريليونات دولار لإنقاذ البنوك مثلما أشار بذلك وزير الخزانة تيم غيثز سيكون حماقة كبرى وهذا أمر سيجعل «وول ستريت» تبتسم بسرعة وبجرأة في وجه الرأي العام الذي سخر من إنفاق «وول ستريت» للأموال التي أعطيت لها سابقاً لمساعدتها وأنفقت جزءاً ضخماً منها في شكل علاوات لمديريها ومنسوبيها وستزداد ابتسامة «وول ستريت» اتساعاً إذا تلقت هذه المساعدة الإضافية الهائلة لكي تقوم بإعادة تدويرها في شكل قروض وسلفيات للشعب الأمريكي الذي أصبح كسيحاً من ثقل الديون التي ينوء بحملها.
وفي هذا الصدد يقول الاقتصادي مايكل هدسون: وضعت اللوبيات المالية حلاً للأزمة الاقتصادية واحتضنته الحكومة الأمريكية ويتمثل هذا الحل في إنقاذ البنوك و وول ستريت مع ترك الاقتصاد «الحقيقي» يغرق في مزيد من الديون وبالتالي يتعين على الأسر والقطاعين العام والخاص إنفاق مرتباتهم ومداخيلهم على خدمة الديون بدلاً من الإنفاق على شراء البضائع والخدمات فلماذا إذاً نحل مشكلة الديون بديون جديدة؟ أليس هذا عملاً جنونياً؟.
والأسوأ من ذلك قيام فريق أوباما الاقتصادي بتهيئة الأجواء وتنبيه الصحفيين بحماسة لفكرة ما يسمى «بنك التجميع» وهو البنك الذي سيتولى مهمة تجميع أصول وموجودات البنوك الرديئة، وهذا يقودنا إلى سؤال: هل ستتماشى إدارة أوباما الجديدة مع برنامج بوش بولتون، وبالتالي تدع وول ستريت ترمي بمشاكلها في حجر دافع الضرائب وتمضي مبتهجة في طريقها؟ إن هذه المعالجات لا تعتبر حلولاً على المدى الطويل وهي تجعل الأمريكي العادي غارقاً في الديون وهذه المعالجات توفر راحة وخلاصاً مؤقتاً للاعبين الكبار في الحقل الاقتصادي والمالي وهؤلاء اللاعبون هم أكبر ممولي الحملات الانتخابية الرئاسية وهم أيضاً محور اللوبيات في أيامنا هذه ويبدو أننا بحاجة إلى كوارث لكي يستيقظ السيد أوباما وفريقه الاقتصادي.
يمكننا أن نقول في ضوء ما تقدم إن «وول ستريت» بإمكانها أن تشعر بالرضا لأن استثمارها في أوباما يؤتي أكله.
ويبدو أن اللوبي «الإسرائيلي» يتقاسم مع «وول ستريت» مشاعر الغبطة والرضا لأن هذا اللوبي كافأ أوباما على مداهنته وتملقه الشديد لـ «إسرائيل» برعايته بحماسة لحملات أوباما الانتخابية فهل يبدو أن هذه العلاقة التبادلية تثمر إلى الحد الذي يمكن معه القول إن أوباما صديق حقيقي لـ «إسرائيل».
في خطاب تنصيبه قال أوباما: «نحن أمة من المسيحيين والمسلمين ومن اليهود والهندوس والملحدين» ويلاحظ في الجملة السابقة أن أوباما آثر ذكر المسلمين قبل اليهود الأمر الذي جعل البعض يرفع حاجبيه دهشة في اليوم التالي وفي أول سلسلة مكالمات هاتفية لزعماء الشرق الأوسط أجرى أوباما أول مكالمة مع محمود عباس والثانية مع أولمرت وقبل أن يستقر تماماً في مكتبه عين أوباما أحد رفقائه الديمقراطيين السيناتور الأمريكي السابق جورج ميتشل وسيطاً له بين «الإسرائيليين» والفلسطينيين وميتشل والدته لبنانية هاجرت إلى أمريكا عندما كانت في سن الثامنة عشرة وقد توفي والده الإيرلندي ونشأ ميتشل في كنف والدته وعائلتها المسيحية المارونية اللبنانية.
ثم إن أوباما أجرى مقابلة تلفزيونية رسمية مع قناة «العربية» التي تتخذ من دبي مركزاً لها وعندما قال أوباما في مستهل المقابلة: «أعتقد أنه من الممكن بالنسبة لنا أن نرى دولة فلسطينية-لن أضع لها إطاراً زمنياً-ستكون متماسكة وتسمح بحرية الحركة لمواطنيها... متماسكة؟».يمكنك أن تقرأ هذه الجملة بعدة طرق، من بينها أن السيد أوباما قصد انتقاد «الإسرائيليين» ضمنياً على استراتيجيتهم في تجميع الفلسطينيين في كانتونات صغيرة في الضفة الغربية، مقسمة بطرقات عسكرية، وجدران ومستوطنات يهودية.
وفي هذا الصدد، يعلق داعية السلام «الإسرائيلي» الذي تمتد سيرته الذاتية إلى أيام «إسرائيل الأولى» آوري آفنيري قائلاً: «هذه ليست أنباء جديدة للزعماء الإسرائيليين، لقد اتبعوا في الـ 42 عاماً الماضية سياسة توسعية، احتلالاً ومستوطنات بتعاون لصيق مع واشنطن لقد اعتمدوا على دعم أمريكي غير محدود، بدءاً من الدعم المالي والدعم بالسلاح إلى استخدام الفيتو في مجلس الأمن ويعتبر هذا الدعم أساسياً لسياستهم، هذا الدعم يبدو أنه بلغ أقصاه ووصل إلى حدوده النهائية.