باعتباره فضاءً موسيقيـّاً عالميـّاً يجمع الشرق والشرق في حوارٍ فنيٍّ. يؤكّد هذا الحدث السبّاق على دور سورية التي طالما جمعت وربطت حضارات الشرق. كما يأتي كاستجابةٍ إلى الحاجة الملحة للحفاظ على التراث غير الملموس للمنطقة في زمن العولمة.
يعكس ملتقى “مساحات شرقية” تاريخ موسيقانا ويبحث عن أرضٍ مشتركةٍ لمستقبل التراث الموسيقيّ في العالم الشرقي.
في سنته الأولى، يسافر ملتقى “مساحات شرقية” عبر الزمن بحثاً عن أصولٍ وتفاعلٍ وتجديد المقام، باعتباره حجر أساسٍ للموسيقى الشرقية. هو تجسيد لرؤية “ثقافة وتراث” والأمانة السوريـّة للتنمية التي ترى علاقةً وطيدةً بين التراث والعملية الإبداعيـّة. تؤمن هذه الرؤية بأن التراث مفهومٌ متحركٌ يمكن أن يكون له وجودٌ ودورٌ فاعلٌ لا ينحصر في حفز الإبداع في القطاع الثقافيّ فحسب، بل يتعدّاه ليكون جزءاً من حراكٍ مجتمعيٍّ يفضي إلى صقل هويةٍ ذات خصوصيةٍ ثقافيةٍ منفتحةٍ على ثقافاتٍ وحضاراتٍ أخرى. إنّ الوصول إلى تحقيق هذه الرؤية يتطلّب تضافر الجهود لتوثيق هذا التراث بما يضمن تفرّده واستمراريّته، كما أنه في الوقت ذاته يتيح الفرصة أمام المبدعين من الجيل الجديد للتفاعل مع هذا الإرث، الأمر الذي يفتح المجال أمام عددٍ لامتناهٍ من الإحتمالات الإبداعية التي تصل الماضي بالحاضر.
في هذا السياق، أصبح من الضرورة الإستفادة من الفرص الهائلة التي أتاحتها الثورة التقنيـّة من أجل تطوير مناهج وطرائق إبداعيـّة لتوثيق الإرث التقافيّ بشكلٍ يجعله في متناول المختصّين والجمهور العام على السواء. من هنا جاء اهتمام قسم “ثقافة وتراث” بموضوع الموسيقى الشرقية وتنظيم ملتقى “مساحات شرقية” ليكون بمثابة بوابةٍ للتحفيز على تبادل المعلومات والأفكار بين المختصّين في هذا المجال، وإتاحة الفرصة أمام الجمهور للتواصل مع هذا التراث الغنيّ والإنفتاح على مختلف ألوانه التي نتجت عن تفاعله مع بيئاتٍ ثقافيةٍ مختلفةٍ.
لقد ارتأت الأمانة السوريـّة للتنمية المنظّمة لهذا الملتقى أن تحقّق أهدافه من خلال محاضراتٍ وحفلاتٍ موسيقيـّةٍ وورشات عملٍ تجمع موسيقيين ومحاضرين سوريين وعالميين.
تتناول المحاضرات تاريخ وأصول وأشكال المقام المختلفة في سورية القديمة والبلدان المجاورة لها ضمن تاريخٍ موسيقيٍّ مشتركٍ، كما تتطرّق إلى التفاعل مع باقي التراث الموسيقي العربي والفارسي والتركي والهندي وغيرها من الحضارات الشرقية، كمحاولة لصياغة حكاية وتحديد عناصر هويـّة الموسيقى الشرقية.
في حين تأتي الحفلات الموسيقية لتقديم هذا التراث الحيّ للجمهور عبر مشاركة فرقٍ وموسيقيين متميزين من سورية وإيران وتركيا والعراق والهند وباكستان. إنها فرصةٌ سيسافر الجمهور من خلالها عبر الزمان والمكان لينضم إلى رحلة البحث عن مصدر الموسيقى الشرقية وتفاعلاتها الداخلية.
إلا أن الإحتفال بالمقام ليس دراسةً معمقةً في تاريخ الموسيقى الشرقية فحسب، بل هو أيضاً بابٌ يُفتح نحو مستقبلٍ يستمد قوّته من ماضيه ومسكونٍ بتعدّدية احتمالاته.
ستبدأ المحاضرات مع طاولة حوارٍ مفتوحةٍ تجمع المؤلّفين المذكورين آنفاً مع فنانين ومحاضرين عالميّين. ستُعقد بعد ذلك محاضرات حول تاريخ المقام وأصوله وتفاعلاته على مدى ثلاثة أيام سيُقدّم العازفون والمختصّون في مجال الموسيقى خلالها عروضاً حيـّةً وتفاعليـّةً سيستمتع بها الخبراء والجمهور العام على السواء.
على مدى خمسة أيامٍ متتاليةٍ، سيؤسّس ملتقى “مساحات شرقية” قاعدةً مجدّدة لدراسة وممارسة الموسيقى الشرقيـّة في سورية، ويمهّد الأرضية لحوارٍ حضاريٍّ وفنيٍّ فعّالٍ وطويل المدى. إنها بدايةٌ لسلسلةٍ من الفعاليـّات التي يطلقها قسم “ثقافة وتراث” لدى الأمانة السورية للتنمية بهدف المحافظة على الموسيقى السوريـّة وتطويرها بالعلاقة مع موسيقى الشرق والعالم بأسره.