بتلك الكلمات علق ايتيان دو دوران الباحث في العلاقات الدولية على الحرب الدائرة في العراق.
ليتابع من هنا جاء مشروع توسيع رقعة القواعد الأميركية في عدة دول بلقانية وأخرى في أوروبا الشرقية على غرار بولونيا وهنغاريا ورومانيا وبلغاريا . فحين رفعت حكومة أنقرة الفيتو في وجه البنتاغون رافضة استخدام أراضيها كقاعدة خلفية للعمليات العسكرية شمال العراق دفعت واشنطن تلك الدول للتوقيع على رسالتي (الثمانية ) و (فيلينوس) المؤيدة للموقف الأميركي في تلك الحرب .
وتتوزع القواعد الأميركية المنتشرة حديثاً فوق أراضي أوروبا الشرقية والمجهزة للقيام بعمليات عسكرية إلى ثلاثة أنواع:
النوع الأول ويدعى موبMobوهي قواعد للعمليات الرئيسية على غرار تلك التي هي حالياً في كل من ألمانيا رامستاين وايطاليا آفيانو.
والنوع الثاني غوسGOSوهي مواقع متقدمة عند بوابة بؤر التوتر في العالم ومناطق الأزمات الساخنة وتضم وحدات سريعة الحركة مهمتها تدريب الفرق المحلية والمرتزقة ولا تستقبل عائلات الضباط الأميركيين بعكس موب.
أما النوع الثالث سيسل csl فتهتم قواعده المتاخمة للمواقع القتالية بالشؤون الأمنية والمحافظة على سلامة قيادة القواعد الأميركية في العراق وتتعاون مع مؤسسات انتاج الأسلحة وتسويقها.
وتكشف مذكرة الطاقة للتدخل السريع ودونها ديك تشيني نائب الرئيس الأميركي في آذار 2001 قلق واشنطن أمام زحف الشركات النفطية غير الأميركية إلى العراق كالشانيا ناشيونال الصينية والجابيكس اليابانية والبتروفيتنام والوود سايد الاسترالية.
ولأن مصالح ديناصورات النفط الأميركية مرتبطة بشكل مصيري بتجارة الأسلحة في الولايات المتحدة كان حضور القوات العسكرية الأميركية ملازماً لبقاء شركات البترول الممولة لحرب العراق , ألم تعمد شيغروف وإكسون النفطيتان إلى طرد أوجى الكندية نظيرتهما النفطية من العراق لتغدو واشنطن صاحبة القرار في تحديد مستقبل طرق تصدير النفط الخام شمال مدار السرطان?
هذا وتترجم دبلوماسية التصريحات المتضاربة التي ينتهجها البيت الأبيض قبيل الغزو الأميركي للعراق وحتى اليوم مخاوف ادارة الرئيس جورج بوش الابن من الغرق في مستنقع شبيه بحرب فيتنام فمن المؤكد وفقاً لإحصائيات جمعية المعلوماتية للطاقة الأميركية إن غزو العراق كشف أزمة نقص مصادر الطاقة العالمية إلى جانب صعوبات التزود بالنفط واستخراجه في المستقبل القريب.
ففي عام 2004 وصل الاستهلاك العالمي للنفط الى 84,5 مليون برميل يومياً مع توقع زيادة هذا الطلب إلى 40 % خلال العشرين سنة القادمة.
ففي المنطقة العربية يرقد 61,7 % من احتياطي البترول في العالم مقابل 11,7 % في أوروبا بما في ذلك روسيا الاتحادية في حين لا تملك الولايات المتحدة سوى 5,1 % من هذا الاحتياطي بينما تحتفظ القارة السمراء ب 9,4 %,ولو عرفنا أن تكاليف استخراج نفط العراق زهيدة جداً, دولار واحد لكل برميل مقابل خمسة دولارات لاستخراج برميل نفط الغابون وأن البترول والغاز يشكلان 98% من صادرات العراق لأدركنا أهداف الحرب الأميركية على العراق , ثم إن استمرار بقاء القوات العسكرية المتعددة الجنسية فوق الأراضي العراقية سيعمل على رفع أسعار البترول خلال الأشهر القادمة حيث يتجاوز سعر البرميل السبعين دولاراً في الأسواق العالمية نظراً لعمليات المضاربة التي تعتمدها الشركات الاحتكارية النفطية لزيادة أرباحها وستتمخض تلك المضاربات كما يرى عدد من المراقبين عن حدوث انهيارات اقتصادية عالمية تشمل مناطق متفرقة من العالم تؤجهها أنشطة الأسواق السوداء على صعيد الاتجار بالسلاح والمواد الأولية كالنفط وسواه.
وتجمع حكومات العديد من دول العالم أن الهدف من وراء غزو الولايات المتحدة للعراق هو إحكام السيطرة الأميركية على نفط هذا البلد العربي , فبالرغم من الذرائع التي ساقتها واشنطن حول امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل وارتباط نظام بغداد السابق بتنظيم القاعدة لتبرير غزوها إلا أن تلك الحجج ظلت ضعيفة وغير مقنعة.
وقد صرح لورانس سيندي المستشار الاقتصادي في البيت الأبيض عام 2002 أن تكاليف غزو العراق ستتراوح بين 100 بليون دولار و200 بليون دولار , وجاءت تعليقات واشنطن على تلك التكاليف بقولها إنها غير مرتفعة .
وكان البنتاغون قد أنفق ما يقرب 281 بليون دولار على الحرب والاحتلال الأميركي للعراق خلال العام 2005 غير أن انتاج العراق اليوم من النفط بقي أقل من مشترياته في ظل نظام صدام حسين وخلال العقوبات المفروضة على العراق آنذاك الأمر الذي قلص استثمارات صناعة النفط.
واستناداً لنتائج توصل إليها مركز أبحاث الخدمات في الكونغرس,ونغرس لا يتضمن مبلغ 281 بليون دولار كافة التكاليف التي ستترتب على وجود القوات الأميركية في العراق حتى بعد توقف الحرب , لأن هناك الفوائد المستحقة على الجنود والمساهمات في اعادة اعمار العراق وفوائد الدين الدولي كذلك لا يتضمن هذا المبلغ المصاريف ذات الطابع الاقتصادي كتأثير ارتفاع أسعار النفط الناجم عن الأوضاع المضطربة التي تشهدها الساحة العراقية , وها هو ستيفن والت أبرز الأكاديميين في جامعة هارفارد يتناول في دراسته للمشاكل التي تعاني منها السياسة الخارجية الأميركية والمصاريف الباهظة لهذه الحرب والتي شارفت على ما يقرب تريليون دولار أميركي ناهيك عن عدد الجنود القتلى خلال تلك الحرب.
وقد صرح البرفسور الأميركي ويليام نوهيس قائلاً عام 2002 إن تكاليف غزو العراق ستتراوح بين 99 بليون دولار و1,9 بليون دولار وهذا يعتمد على مدى بقاء القوات المحتلة في العراق اضافة إلى تأثير ارتفاع أسعار النفط على الاقتصاد الأميركي فإذا ما ثبت أن تقديرات ستيفن والت والبالغة ترليون دولار أميركية صحيحة فمن المنطقي التساؤل فيما إذا كانت تلك الاستثمارات الباهظة ستسهم في تحسين أمن الطاقة في الولايات المتحدة.
لابد من الاعتراف بأن غزو العراق ساهم في تخليص الولايات المتحدة من نظام أمن الطاقة القديم في الشرق الأوسط والقائم على أساسين : اقامة تحالفات مع الدول المهيمنة على انتاج النفط , والرغبة في استخدام القوة العسكرية لحماية نفوذها وحقوقها النفطية , وقد حصلت الولايات المتحدة على تأكيدات تفيد وصول امدادات النفط إليها بأسعار معتدلة إلا أن التدخل الأميركي في العراق قلب هذه المعادلة إذ تبين أن الاحتلال العسكري الأميركي للعراق لم يتمكن من حماية المنشآت النفطية من الدمار والخراب لأن واشنطن غارقة في مستنقعي أفغانستان والعراق معاً, هذا إلى جانب تنامي المشاعر المناهضة لأميركا في المنطقة إذ جعل الحكومات التي تربطها بالولايات المتحدة علاقة صداقة تعاملها بحذر وحيطة , ومع رحيل النظام العراقي السابق لم يتم احراز أي زيادة في الطاقة الانتاجية للنفط في العراق.
وقد تحدث خبراء عراقيون بعد الغزو مباشرة عن احتمال ارتفاع الطاقة الانتاجية للنفط إلى ستة ملايين برميل يومياً بحلول عام 2010 ما سينعكس ايجابياً على معدل الاستثمارات إلا أن معدل انتاج النفط اليوم في العراق أقل من مليوني برميل يومياً وهو آخذ بالانخفاض ثم إن نسبة تريليون دولار من الاستثمارات لا تفي باحتياجات الولايات المتحدة من أمن الطاقة.
واستناداً لتقديرات وكالة الطاقة الدولية فإن الناتج الاجمالي من استثمارات الغاز والبترول في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا ستظل عند ترليون دولار خلال الفترة الممتدة من 2004 إلى 2030 بمعنى آخر هذا المبلغ يماثل ما تنفقه الولايات المتحدة جراء احتلالها للعراق والذي يؤكد حصولها على امدادات وفيرة من النفط والغاز من المنطقة المذكورة خلال نصف القرن القادم.