تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


كيف ينظر القانون الدولي إلى طلب لجنة التحقيق الاستماع إلى شهادة الرئيس السوري ووزير الخارجية

شؤون سياسية
الثلاثاء 17/1/2006م
دكتور عبد الرحيم الكاشف

إن طلب لجنة التحقيق الدولية في اغتيال رئيس وزراء لبنان السابق رفيق الحريري الاستماع الى الرئيس السوري بشار الأسد ووزير الخارجية فاروق الشرع يثير تساؤلا مهماً

وهو مدى قانونية هذا الطلب من وجهة نظر القانون الدولي, ذلك أن المطلوب شهادتهما هما رأس هرم السلطة والنظام في سوريشة ورمز سيادة الدولة, وعليه فهل يجوز للرئيس الأسد ووزير الخارجية الامتناع عن اجابة طلب اللجنة استنادا الى الحصانة التي يتمتعان بها وفقا لقواعد القانون الدولي.‏

في الواقع فإن حصانة رئيس الدولة وكبار مسؤوليها هي من الموضوعات المعترف بها في نطاق القانون الدولي والمحمية بموجب قواعده وذلك من الناحيتين النظرية والتطبيقية, فمن الناحية النظرية فالقانون الدولي العرفي ومنذ نشأته يحمي حصانة رئيس الدولة ويمنع خضوعه للاختصاص القضائي لأي من الدول الأخرى, فهو يتمتع بحصانة مطلقة ما دام في منصبه, وهكذا وعلى خلاف الحصانة الممنوحة لأعضاء السلك الدبلوماسي بموجب اتفاقية فيينا لعام 1961 فإن حصانة رئيس الدولة هي مسألة مقررة بموجب قواعد القانون الدولي العرفي, والهدف من هذه الحصانة هو حماية رئيس الدولة وذلك للقيام بوظائفه دون تدخل من الخارج لعرقلة هذه المهمة, وأيضا لخلق مناخ تنمو فيه العلاقات الدولية في إطار ودي خال مما يشوبه من أمور قد تكون مدعاة لتعكير صفو هذه العلاقات.‏

أما من الناحية التطبيقية فإن حصانة رئيس الدولة تجد صداها في الحكم الشهير لمحكمة العدل الدولية الصادر بتاريخ 4 آذار 2002 في القضية المرفوعة من الكونغو ضد بلجيكا والمعروفة بقضية يروديا, ويروديا هذا كان يشغل منصب وزير خارجية الكونغو في ذلك الحين, وكان قاضٍ بلجيكي قد أصدر أمرا دوليا بتاريخ 11 نيسان 2000 بالقبض عليه استنادا الى اتهامات وجهت ضده بالتحريض على ارتكاب جريمة الابادة الجماعية ضد السكان من قبيلة التوتسو قبل توليه لمنصبه عام 1988 وفي دفاعها أمام محكمة العدل الدولية دفعت الكونغو بأن أمر القبض ينتهك الحصانة التي يتمتع بها يروديا كوزير خارجية, وقد أيدت المحكمة في حكمها دفاع الكونغو وقضت بأن رؤساء الدول والوزراء ومن في حكمهم يتمتعون بحصانة تمنعهم من الخضوع لاختصاص أي من المحاكم في الدول الأخرى حتى ولو كانت الاتهامات الموجهة اليهم تتعلق بجرائم تمس النظام العام الدولي والتي من بينها الجرائم ضد الانسانية ما لم يتصرف هؤلاء بصفتهم الشخصية وليس باعتبارهم ممثلين لدولهم, بل إن المحكمة ذهبت أبعد من ذلك مقررة أن الحصانة لا تقتصر فقط على الرؤساء والوزراء أثناء تقلدهم لمناصبهم وإنما تمتد الى الرؤساء والوزراء الذين تركوا مناصبهم ما داموا قد قاموا بأفعالهم بصفتهم الرسمية.‏

وعليه فإن هذا الحكم يبين بصورة جلية أن الرؤساء والوزراء لا يمكن من الناحية القانونية أن يخضعوا لاختصاص أي من جهات التحقيق أو المحاكمة خارج الولاية القضائية للدول التابعين لها ما دامت الأفعال المنسوبة إليهم هي أفعال اتوها بصفتهم الرسمية, ومن المهم الاشارة الى أن هذا الحكم ليس منشأ لفكرة حصانة رؤساء الدول وممثليها وإنما هو كاشف لما جرت عليه ممارسة المحاكم الداخلية في مختلف الدول منذ زمن بعيد بتطبيق تلك الحصانة ورفض الدعاوى التي تتضمن اتهامات موجهة ضد رؤساء دول أو وزراء, فالمحاكم في الدول الثلاث التي تقود حملة الضغط على سورية حاليا, اقصد بها أميركا وفرنسا وبريطانيا, قد درجت محاكمها على تطبيق مبدأ حصانة رؤساء الدول.‏

ففي الولايات المتحدة الأميركية قضت محكمة برئاسة القاضي فيكتور ماريو بتاريخ 30 تشرين الأول 2001 بأن الحصانة المكفولة لرئيس دولة زيمبابوي روبرت موجابي تمنعها من النظر في الادعاءات المنسوبة إليه بشأن ارتكابه جرائم اعدام دون محاكمة وتعذيب, أيضا في 13آذار 2001 قضت المحكمة العليا في فرنسا برفض اختصاص المحاكم الفرنسية فيما يتعلق بالنظر في القضية المرفوعة ضد العقيد معمر القذافي استنادا الى ادعاءات بالاشتراك في تفجير طائرة فرنسية عام ,1989 حيث استندت المحكمة في حكمها الى الحصانة المكفولة له بموجب قواعد القانون الدولي العرفي, مؤكدة أن إحدى المسائل المهمة في القانون هو منع المحاكم من النظر في القضايا المرفوعة ضد رؤساء الدول الأجانب الذين ما زالوا في مناصبهم, وأخيرا في المملكة المتحدة وأثناء نظر مجلس اللوردات في قضية رئىس دولة تشيلي السابق بينوشيه, أشار المجلس في أسباب حكمه الى أنه يؤيد الحصانة الكاملة المكفولة لرؤساء الدول الذين ما زالوا في مناصبهم.‏

قد يذهب البعض للقول بأن هناك استثناءات لهذه الحصانة, وهذا القول مردود بأن هذه الاستثناءات لا تنطبق على التحقيق في قضية الحريري ومرافقيه لأنها قضية اغتيال مثل الكثير من القضايا التي سبق للمحاكم في الدول المشار إليها أن رفضت النظر فيها استنادا الى الحصانة ولا تندرج تحت الحالات التي يجوز فيها استثناء المساس بالحصانة المكفولة لرئيس الدولة وهي حالة اتهام بارتكاب جرائم حرب أو جريمة الابادة الجماعية أو جريمة ضد الانسانية, نخلص من ذلك أنه بالرغم من أن قرار مجلس الأمن رقم 1636 قد منح لجنة التحقيق صلاحيات واسعة وأطلق يدها في إجراء البحث والتحقيق, فإن عملها وبحثها عن الحقيقة يجب أن يكون في إطار قواعد القانون الدولي ووفقا لميثاق الأمم المتحدة الذي ينص على أن الدول الأعضاء في الأمم المتحدة يجب أن تكون دولا ذات سيادة وأن هناك مساواة في السيادة.‏

واللجنة تخالف القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة عندما تطالب بلقاء الرئيس الأسد ووزير خارجيته أو بالتحقيق معهما وأن رفضهما لطلب اللجنة يقوم علي أساس سليم من القانون الدولي فإذا لجأت اللجنة بعد ذلك الي التصعيد فإن مسلكها حينئذ سوف يكون تحت عناوين أخري ليس لها علاقة بالقانون.‏

رئيس محكمة- جمهورية مصر العربية‏

">ALKASHIF99@HOTMAIL.COM‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية