أتلقى تهنئة أعضاء لجنة التحكيم ورهط من الكتاب والشعراء المشرفين على الجائزة, ثم صعدت المنبر لألقي أول نص شعري لي يفوز بجائزة, ويالسعادتي يومذاك!! ويالخيبتي كلما استرجعت النص الفائز ووجدته لوحة كلمات عبثية ليس فيها من الشعر شيء!!.
عندما أتذكر تلك الحادثة/ الجائزة/ أعجز عن إيجاد سبب شعري واحد يبرر لأولئك الكتّاب والشعراء (الجهابذة) فعلتهم النكراء في منحي الجائزة, وأجدني أميل للاعتقاد أنهم ضلوا سواء السبيل في متاهات النص, فظنوا فيه مستوىً تأويلياً لم ينكشف لهم, فأسقط في أيديهم وكان ما كان!!
وأنا الآن أعتذر من أي مشارك (احتمالي) في تلك المسابقة منح نصي أولويةً على نصه, وكان هو الأَولى بها.
وكم أتمنى لو يواجه كل عضو في لجنة التحكيم -بعضهم يفعل بالتأكيد- نفسه وعلمه مواجهة صدق, ولكن هيهات!!
حدث ذلك ذات جائزة, ولا يعني هذا أن كل مسابقة أو جائزة شبيهة بتلك, فقد أثبتت التجارب صدقية مسابقات وجوائز عديدة, عربياً ومحلياً, فرضت نفسها بكل جدارة في الحياة الأدبية, وقدمت للوسط الأدبي مواهب حققت فيما بعد حضوراً قوياً.
ولكن, هل أسهمت الجوائز في صقل تجربة شاعر?
السؤال أجيب عليه بكل راحة ضمير وصدق مع الذات, فأقول: إنني وبعد سبع جوائز على مستوى الوطن العربي في الشعر والنقد, وعشرات الجوائز المحلية, أعترف بكل بساطة أن معظم هذه الجوائز لم تقدم -لتجربتي الأدبية المتواضعة- إضافة مهمة, ولا أنكر بالتأكيد أن المبالغ النقدية التي حصلت عليها ساعدتني كثيراً, خاصة في شراء الكتب التي طالما حلمت بقراءتها.
ومن تجربتي الشخصية أؤكد بكل ثقة أن أياً من لجان التحكيم التي منحتني جائزة ما لم تقدم لي قراءة نقدية جادة تسهم في تصويب مسيرتي الشعرية, ولم أعرف أبداً من أي لجنة أسباباً علمية نقدية لنيلي الجائزة أو ترتيب مركزي فيها, فغالبية هذه الجوائز والمسابقات -على أهمية وجودها- لا تُدارُ بجدية تتوخى تقديم النفع شعرياً للشعراء الشباب وتقييم تجاربهم أو تقويمها, وكأن منظميها يسقطون بها عن ظهورهم أحمالاً فحسب, وهي من أقدس الأحمال, وكان على حاملها أن يمتلئ صدره فخراً, لا أن يضيق بها ذرعاً!
أقول هذا بغاية الأسف, وأؤكد بالمقابل أنني استفدت ما أمكن بجهدي الشخصي واهتمامي الخاص من كل مرة حصلت فيها على جائزة, لأنني كنت في كل مرة أقف متأملاً ما آلت إليه تجربتي, أحاكمها بحياد وموضوعية, أعاتب نفسي وأقسو ما استطعت إلى ذلك سبيلاً.
ولكن, وكي لا يتهمني أحد بالجحود ونكران الفضل -ويشكر كل من يساهم في تنظيم جائزة أدبية أو تمويلها- وبعد كل ما يمكن أن أقوله عن الجوائز الأدبية, فإنها تبقى قطرات ماء تبلل شفاه تجاربنا العطشى للاهتمام والتقدير, والعطشى أكثر للنقد والتقييم, خاصة في هذا الزمن الذي انصرف أهلوه عن دروب الأدب والفن إلى مسالك لا تعني إنسانية الإنسان بشيء.
ولأن بعد كل جائزة نلتها كانت الغصّة, فإنه لا يفوتني في هذا المقام إلا أن أشير إلى مفارقة بطعم المرارة, فالجوائز التي ينالها مبدعونا -وما أكثرهم- في مسابقات عربية كثيرة, تجعلهم محل تقدير واحتفاء كبيرين خارج البلد, يكرمون ويدعون للمهرجانات والأمسيات والندوات, ويرحب به الإعلام العربي أيما ترحيب, في الوقت الذي تتغافل فيه أعينُ ولاة أمر الثقافة والأدب والصحافة في بلدنا عن هؤلاء المبدعين, وكأنهم حروفٌ ناقصةٌْ, يتم استبعادهم عن المحافل الأدبية سهواً وعمداً, ويؤتى بأرباع المواهب العربية من كل حدب وصوب, ويعاملون معاملة الفاتحين, فهل يحتاج الأمر منا أن نذكّر أهل أنبياء الوطن بكرامة أنبيائه? وهل هو صعبٌ حقاً أن نصغي بحب لطرب مزمار الحي??أما آن الأوان??
*شاعر من حمص
صدرت له أربع مجموعات شعرية
حائز على عدد من الجوائز الأدبية العربية (سعاد الصباح - الشارقة - الصدى وغيرها)
إضافة إلى عدد آخر منها محلياً وفي مجالي الشعر والدراسات النقدية.