تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


كل عام وأنتم بخير

آراء
الاثنين 1/9/2008
نواف أبو الهيجاء

هلّ رمضان وحلّ عزيزاً مكرماً, فتحت له الأبواب والصدور والأحضان, القلوب و الألباب, على مصراعىها. ورمضان-شهر البركة والإيمان والغفران,

ولم شمل الاسر, وباسط أذرع الشوق والتواصل وواصل الرحم و..أخيراً جامع الأسر-بعد مائدة الإفطار-أمام الشاشة الصغيرة لتمضية وقت-طويل جداً ربما-في متابعة لما أنتجته الشركات التي تظل تعمل لمدة أحد عشر شهراً لتعرض أعمالها-مسلسلاتها-على الشاشة في الشهر الفضيل, أكانت تجارية أم كانت جادة-ساخرة منا ولنا أم علينا, تاريخية مفعمة بالصدق أم كانت مزيجاً من الخيال, والتلفيق ومن المواقف النمطية-أم ربما بقصد أم بغير قصد تحاول تزوير التاريخ-العربي أو الاسلامي أو الإثنين معاً.‏

المهم أنها شركات متخصصة باقتناصنا في هذا الشهر-على طول الخط.‏

لنا-رمضان الألم والأمل. فنحن انتشرنا في أرجاء المعمورة-بين باطن الأرض وظاهرها في وقت واحد.‏

كنا ننتظر الشهر الفضيل-أيام كنا أسرة كبيرة-متشردة ولكن مجتمعة (في البيت الصغير الكبير في الغرفة الواسعة بداية ومن ثم في الدار المؤلفة من غرفتين وساحة لاتتعدى عشرة أمتار مربعة)-ننتظر بفارغ الصبر.‏

رمضان عندنا شهر تعقبه أيام العيد.هناك الملابس الجديدة وهناك (العيدية)- إلى درجة أننا كنا نحسب (كمية الفلوس التي سنحصل عليها في العيد-كذا الأمر بالنسبة للعيد الكبير-(الأضحى)- كنا نسمي عيد الفطر (العيد الصغير-لأن أيامه ثلاثة فقط) وكنا نسمي الأضحى (العيد الكبير) فأيامه أربعة, ولن ننسى أننا كنا ننعم (بالحناء) تخضب به أمهاتنا أيادينا وكفوفنا-ذكوراً كنا أم إناثاً-في ليلة العيد.‏

كنا ننتشي في السهرة وحين يأتي الطبال (يانايم وحد الدايم) نستفيق-نأكل مع الكبار ولانصوم-ولكنهم كانوا يأكلون ويصومون.‏

المائدة العامرة بما تشتهي النفس دلالة الكرم الذي يصاحب الشهر كله.‏

إلى جانب(الحلويات-الرمضانية-القطايف بالدرجة الأساس).‏

في العراق كنا نخرج-صغاراً-في ليالي رمضان ونغني للناس أن (تنطونا لو ننطيكم ربي العالي يخليكم تنطونا كل ماجينا-ماجينا يا ماجينا حلي الكيس وانطينا) ولم نكن نتخيب أبداً- فالأسر تمطرنا بالحلويات والسكاكر والموالح في وقت واحد- وطوال ليالي رمضان ,وتعلمنا أن ليالي مصر عامرة بالفوانيس واستذكار الباري وتلاوة القرآن, وأن ليالي بلاد الشام مملوءة بعطر استذكار الرسول والتلاوة, وأن الأطفال ينتظرون أيضاً العيد على نار.‏

كبرنا وكبر معنا المعنى الأصيل للشهر الفضيل-ليس الصيام(هو الجوع)- ليس الصيام التباهي بالمقدرة على شد أحزمة البطون- الصيام أن تتعطر أفواهنا بالكلمة الطيبة الصادقة-باللسان النظيف العفيف-الممتنع عن النميمة وعن الشتيمة.‏

أن تكون أدمغتنا وقلوبنا وضمائرنا منفتحة على الآخرين- وتصور لنا معاناتهم-أن هناك ملايين منا لايستطيعون أن يحصلوا مع أطفالهم على (شوربة عدس) على مائدة الإفطار.‏

إن هناك ملايين منا يحلمون أن يكون العيد فعلاً بإحتضان الأحبة الغائبين أو المغيبين.ملايين من أبناء شعبنا الفلسطيني-وملايين من أبناء شعبنا العراقي..حرمهم ظلم الإنسان وجشعه ونزوعه إلى الشر المستطير نعمة النوم الهانئ, حرمهم الشعور بالأمن والأمان-حرمهم أن يجتمعوا معاً-أبناء وإخوة وأشقاء وشقيقات وأولاد عمومة وخؤولة في الوطن-فلا يسمعون أي انفجار إلا(مدفع الإفطار)..ملايين منا في الأمصار كافة محرومون من نعمة الاستمتاع ببهجة رمضان ومن بعدها بهجة عيد الفطر بدءاً من صلاة العيد ووصولاً إلى (الدوران إلى حيث بيوت الأحبة للقيام بواجب التهنئة بالعيد).‏

ملايين منا-عرباً ومسلمين-انتشروا في المعمورة-وصارت ليالي رمضان الطويلة عندهم مناسبة تترطب خلالها خدودهم بالدمع, ويستذكرون الأحبة الذين غابوا أبداً-وكابدوا معم أبداً ولن يتسنى لهم الاجتماع بهم ثانية حتى لو أن الوطن تحرر وحتى لو أن الاحتلال غاب غداً عن مشارق الأوطان ومغاربها.‏

كل عام وأنتم بخير:نقولها لكم-أمة وأفراداً-والخير الذي نطلبه ليس أمراً مستحيلاً ولا هو صعب المنال, أن تتقدم الأمة خطوة جادة نحو وحدتها, خطوة واحدة جادة على طريق الكرامة المثلومة منذ أكثر من ستين عاماً.خطوة متوجة بإيمان عميق بحتمية أن ينصر الله من ينصره-ليس فقط بالجوع وليس فقط بالركوع أو السجود بل كذلك بما يعنيه الجوع في رمضان وبما يعنيه الركوع والسجود.‏

كل عام وأنتم بخير:عسى أن تجتمع الأسر معاً سعيدة بإلتئام شملها:آنذاك لن تكون مشاهدة أو متابعة (المسلسلات -العربية أو الأجنبية) هي سبيل تمضية الوقت في ليالي رمضان بل تكون الأحاديث-ذات الشجون-عنا وعن أحبابنا وعن آمالنا وطموحاتنا المشروعة والنبيلة وبهجات آتية افتقدناها حين كبرنا وشرعنا نفهم وندرك ونكابد-وحين غادرنا براءة الطفولة واشتبكنا مع (الآخرين) الغرباء القادمين من بلاد بعيدة وقد استولوا على أحلامنا وصادروا بهجاتنا الصغيرة وآمالنا البسيطة وتطلعاتنا الإنسانية العادية, أن نعيش سعداء في بيوتنا وأراضينا وأن ندفن -حين نموت-في أراضينا وأوطاننا- وأن يهل علينا .الأبناء والأحفاد-صبيحة العيد-وكل عيد-ليؤدوا الزيارة ويقرؤوا سورة الفاتحة?!‏

كل عام وأنتم بخير-وعساكم من عواده لتشهدوا تقدم الأمة إلى أمام وإن لخطوة واحدة جريئة لها nawafabulbaija@yahoo.com‏

">مابعدها.‏

nawafabulbaija@yahoo.com‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية