بعد أن أصبح ارتفاع أسعار الغذاء يشكل خطراً حقيقياً على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي ليس فقط في الدول الفقيرة وإنما سيتعداها الى الدول الغنية عاجلاً كان أم آجلاً.
فالأزمة في طريقها الى التفاقم وليس العكس,اذا ما تفحصنا أسبابها وطرق العلاج المتبعة لحلها. حيث يستهلك العالم اليوم أكثر مما ينتج وأسعار المواد الغذائية تأخذ اتجاهاً تصاعدياً يعود لعدة أسباب أهمها: توجه الدول الغنية الى انتاج الوقود الحيوي بحجة التنويع في مصادر الطاقة لديها بعد موجة ارتفاع اسعار النفط في الأسواق الدولية التي سمحت بجدوى الحصول على الطاقة من المصادر الحيوية.
وفي هذا السياق يهدف مشروع للاتحاد الأوروبي الى رفع حصة الوقود الحيوي الى 8% من اجمالي الوقود المستخدم في قطاع النقل بحلول عام 2010 .
أما في الولايات المتحدة الأميركية فإن هذه النسبة ستصل الى 15% في عام 2022 وهذا ما دعا السيد دون ميتشل الخبير الاقتصادي في صندوق البنك الدولي الى القول بأن الزيادة الكبيرة في انتاج أنواع الوقود الحيوي في أميركا وأوروبا هي السبب الرئيسي في الأرتفاع العالمي في أسعار المواد الغذائية ومع التوجه نحو انتاج الوقود الحيوي فإن الأمر يتطلب مساحات أوسع من الأراضي الزراعية المخصصة لانتاج تلك المحاصيل التي يستخرج منها الوقود كالذرة وقصب السكر التي يستخرج منها الايثانول كبديل للبنزين والزيت المستخرج من اللفت كبديل لوقود الديزل.
وهذا لن يكون إلا على حساب تناقص تلك المساحات المخصصة لانتاج المواد الغذائية مما يؤدي الى تناقص الكميات المعروضة منها مع تزايد حجم الطلب العالمي على الغذاء وخاصة من بعض الدول النامية كالصين والهند التي تحقق معدلات نمو عالية تؤدي ولا شك الى ارتفاع مستوى الدخل الفردي فيها.
اضافة الى تزايد أعداد السكان وخاصة في الدول النامية الفقيرة والتي يتزايد فيها الطلب على الغذاء فإذا كان حوالي 800 مليون انسان الآن يعانون من سوء التغذية فإن استمرار ارتفاع أسعار الغذاء على الصعيد العالمي بنسبة 20% سيدفع ب 100 مليون انسان آخر ليدخلوا الدائرة نفسها لأن معظم السكان في الدول الفقيرة يعانون أصلاً من تدني مستويات دخولهم,وينفقون نسبة 75% منها على شراء الأغذية والأطعمة, وهذا يعني تفاقم حدة الأزمة في الدول الفقيرة وازدياد اعداد الفقراء في العالم بنحو 30 مليون انسان.
وبالعودة الى الحديث عن العوامل المساهمة في ارتفاع أسعار المواد الغذائية الى جانب الوقود الحيوي (المتهم الأول في رفع الأسعار بنسبة 70 الى 75% كما جاء في تقرير السيد دون ميتشل) تقف مسألة ارتفاع أسعار الطاقة والوقود والأسمدة لتساهم بالنسبة الباقية من 25 الى 30% لأنها تشكل جزءاً مهماً من تكلفة انتاج المواد الغذائية ونقلها الى أسواق الاستهلاك.
وحتى لا نرمي باللائمة على الآخر دائماً فإن فشل الاستراتيجيات التنموية في غالبية الدول النامية وعدم ايلاء الأهمية اللازمة من جانب السلطات والحكومات القائمة فيها لقضايا تحسين المستوى المعيشي لمواطنيها ورفع مستويات دخولهم.
وإن عدم بناء استراتيجيات تنموية حقيقية في بلدانهم يساهم الآن في عجز هذه الحكومات عن معالجة الأزمة الغذائية التي تعصف بها وعدم التمكن من السيطرة على تأجج أسعار معظم السلع الأساسية لمواطنيها.
ومن هنا فإنه يتوجب على الدول النامية: ضرورة وضع استراتيجيات تنموية حقيقية تستند الى دراسات بحثية وعلمية من شأنها الانطلاق بعملية التنمية ووضعها على المسار الصحيح بهدف تحقيق معدلات نمو عالية من شأنها رفع مستويات الدخول ومقارعة الأسعار المرتفعة, والاعتماد ما أمكن على التكنولوجيا الزراعية وزيادة حجم الاستثمارات فيها بهدف تطوير القطاع الزراعي وتنميته وتحديثه وزيادة انتاجيته وتوجيه الدعم نحو القطاع الزراعي بهدف المحافظة على مستويات الانتاج فيه.
أما الدول الغنية فعليها القيام بما يلي: تقديم الدعم المالي اللازم للدول الفقيرة حتى تتمكن من تجاوز هذه الأزمة الخطيرة وتمنع من تفاقمها, توجيه استثمارات شركاتها الكبرى نحو اقامة المشاريع الزراعية وفق تكنولوجيا وتقنيات عالية بهدف زيادة انتاجية القطاع الزراعي لهذه البلدان, عدم استخدام الأراضي الزراعية المخصصة لإنتاج المواد الغذائية والحبوب,لانتاج المحاصيل الزراعية التي يستخرج منها الوقود الحيوي, والاكتفاء باستخدام التكنولوجيا المتطورة لزيادة كميات الانتاج من هذه المحاصيل والعمل على زيادة مردوديتها فضلاً عن ايلاء الأهمية اللازمة للجانب الأخلاقي في مسألة انتاج الطاقة الحيوية على حساب انتاج المواد الغذائية على الصعيد العالمي.
* دكتوراه اقتصاديات الطاقة والنفط
المعهد التقاني لإدارة الأعمال والتسويق بدمشق