هل يمكن أن تتحرر سورية وقد استعادت جميع أراضيها من رهانات نفوذ القوى العظمى وتسعى إلى تأمين مصالحها الاقتصادية والسياسية في الشرق الأوسط ؟ تقول
يتكبد تنظيم داعش وأتباعه من حلب إلى تدمر فالموصل ودير الزور وقريباً الرقة هزيمة نكراء , وتقلصت المساحة التي يسيطر عليها التنظيم إلى حدود ضيقة . والكل بدوره سوف يدعي قريباً الانتصار على قطع رأس الهيدرا , والتي يتم بالفعل إعادة تشكيلها في أمكنة أخرى .
ولذلك قاومت سورية , على حساب معاناة لا حصر لها وعلى حساب تدمير مبرمج ضدها . لقد عرفت كيف تجد لها حلفاء صادقين يريدون جميعاً الآن الإمساك جيداً بالشق السياسي لنهضتها بما يحفظ أفضل المصالح الإقليمية والدولية . والآن السلام .
وإن كان الغرب يدعي التقارب في الجهود لإحلال السلام واجتثاث داعش , فإن الواقع يعتبر أقل وضوحاً بكثير , ناهيك على أنه أقل " أخلاقية " . لأنه بالنسبة للمعسكر الغربي المهم الآن وعلى عجالة محو آثار الإهانة التي وجهها لهم انتصار لا يمكن تصوره للدولة السورية , التي كانوا يصفونها بأنها محاصرة منذ اليوم الأول تقريباً للاحتجاجات التي شهدتها عام 2011 , انتصار دحض بشكل مذهل جميع تكهناتهم وتهديداتهم . فالدولة السورية وعلى رأسها الرئيس بشار الأسد , قلبت الموازين , استطاعت بفضل مقاومتها تجاوز أقصى الضغوط التي عجزت عن إسقاطها . وتبين أن الجيش السوري الذي وصفوه بأنه جيش دموي ضعيف , يتشكل من ميليشيات أجنبية قوة مرنة بشكل لا يصدق والآن هو محارب شديد البأس ضد العصابات الإرهابية . وفيما يتعلق بمقولتهم أن سورية مقطعة الأوصال واختزلوها إلى مقولة الجزء " المفيد " صارت دولة متعافية باستعادة سيادتها على أراضيها .
والشعب السوري الذي كانوا يصفونه بأنه ضحية قادته , منهم الذي قتل ومنهم الذي هاجر , تبين أن الجزء الأكبر منه يعيش منذ أعوام في ظل حماية تلك القيادة من إرهاب المجموعات المسلحة.
هذا ومع خريف عام 2017 اكتشفنا أن الحقائق هي أكثر عناداً من حساباتهم المشؤومة لغرب اعتقد أن بوسعه أن يفرق ليسد إلى ما لا نهاية . فقد تحررت الموصل ومن ثم تحررت تدمر وغداً سوف تتحرر الرقة , فالإسلاميون الذين استأجرتهم واشنطن وتل أبيب ولندن وأنقرة والدوحة والرياض تخلى عنهم مشغلوهم وتقلص عددهم تمهيداً لاستسلامهم في إدلب , هذا بالنسبة للبعض وللبعض الآخر يعاد بناؤه لاستنساخهم في الشر المقبل , ومع نفس الرعاة المشغلين . نأمل ألا يتم ذلك .
ومن الآن , صارت المعادلة واضحة إلى حد ما : كيف يمكن لواشنطن وتل أبيب والقوى التي حذت حذوهم أن يتحملوا هذا الإذلال الثلاثي العسكري والاستراتيجي والسياسي دون أن يسعوا إلى تقويض السلام ؟ كيف يمكن حفظ ماء الوجه ؟
كيف يمكن لإسرائيل أن تدخل في فضائل موسكو وتواجه نشوء حزب الله بصفتة قوة إقليمية ؟ والقبول بطهران كقوة تصل إلى جنوب لبنان عبر العراق وسورية ؟
إن الوقت ليس للاعتراف بأخطاء الشرح والتفسير أو إيجاد حول براغماتية ترمي إلى تحرير المنطقة من تفريخات الإسلامويين . إن الرهان لا زال قائماً " ملتوياً " . فالشعب السوري والعراقي والليبي واليمني لم ينهوا معاناتهم لكي يسمحوا لطموحات القوى بأن تتسلق على ظهورهم وتحقق رفاهيتها .
وعشية إجراء جولة من مباحثات آستنة برعاية روسية , بدا جلياً تهميش الدور الأميركي وحلفائه , وهذه الخطوة تُرجمت بوضوح في الميدان . لأنه ودون الوصول إلى الشرق السوري ودخول القوات السورية إلى الحدود العراقية – السورية كانت تقطعت الأواصر بين العراق وسورية .
وقد سعت واشنطن لمواجهة هذا التقدم للجيش السوري وحلفائه إلى إطلاق " معارضتها المعتدلة " من جبهة الجنوب , وقد أتت بهم من الأردن ودعمتهم عبر قاعدتها في التنف . وقد فشلت هذه الاستراتيجية , لأن هذه المجموعات المدعومة أميركياً تحاصرت وبالتدريج سقطت نقاط الحدود التي كانوا يسيطرون عليها على الحدود الأردنية في أيدي القوات السورية . وتعتمد واشنطن في الوقت الحالي على التحالف الكردي لما يسمى قوات سورية الديمقراطية بقيادة قوات حماية الشعب الكردية . وهم الذين يقاتلون الآن في الرقة .
ومن جهته , حقق الجيش السوري في سيطرته على مدينة تدمر في آذار المنصرم تقدماً غير مسبوق على طريق دمشق – دير الزور حتى وصل إلى كسر الحصار عن مدينة استمر منذ عام 2014 . وباتوا الآن في مواجهة قوات قسد أيضاً التي عملت خرقاً في الجنوب باتجاه دير الزور لمنع القوات السورية من العبور إلى الضفة الشرقية من الفرات . ومن أجل هذا الغرض أرسلت دمشق قوات على زوارق وجسور عائمة للعبور إلى الضفة الشرقية , لأنها لن تقبل الاقتصار فقط على غرب المدينة وتتحول المدينة بالتالي إلى برلين الثانية , ولذلك من غير المستبعد وقوع مواجهة بين الجانبين , أي الجيش السوري وحلفاؤه وقوات قسد . على الرغم من تأكيد الرئيس ترامب أن الهدف الأميركي الرئيسي في سورية هو " محاربة داعش " وليس الدولة السورية . في الوقت الذي تزداد فيه عزلة واشنطن وتزداد سيطرة منطق المحافظين الجدد , الناشطين في صفوف القوات المسلحة وفي صفوف اللوبيات الاقتصادية . والجميع مقتنع في الساحة الدولية أنه لا يمكن تحقيق نتائج لأي طرف في المفاوضات سواء في أستنة أو جنيف أو " مجموعة الاتصال " ما لم يتم ترجمته في ميزان القوى على الأرض .
وبالنسبة للأكراد , علينا التوقف عن الاعتقاد بأن حلمهم في إقامة دولة , سواء شرعية أم غير شرعية سوف يتحقق . لأن واشنطن سوف تتخلى عن دعمهم حال انتهاء تنظيم داعش . وجميع الدول التي يوجد فيها أكراد متوافقة على ضرورة سلامة أراضيها وعدم التفريط فيها .