هل يمكن لغواية النجاح أن تموّه القدرة على رؤية الصواب..؟
في فيلم (ريشات- quills) الذي يتحدّث عن حياة الماركيز «دو ساد»،
وفي مشهد يتواجه فيه مع القيّم على سجنه وكان صاحب مرتبة دينية، يقول له الماركيز ما معناه: ما فائدة فضيلتك إن لم تكن مستخلصة من مجاورتها الرزيلة.
فالفضيلة الناتجة عن وسط يمتلئ فضيلةً.. ليس فيها كامل القناعة بصوابيتها.. وكأنما تورّث دون كبير تفكير أو تأمّل بمدى صدقيتها وصلاحها.. ما يُضعف مقدار ثوابها.
بشكلٍ ما يحيلني هذا المشهد إلى ما أثير مؤخراً حول المخرج زياد دويري، وكيف أسقط عنه القضاء اللبناني تهمة التطبيع مع العدو بالتقادم، التي أُتهم بها بسبب فيلمه «الصدمة» وكان صوّره في تل أبيب، مأخوذاً عن رواية «الهجوم» لياسمينة خضرا.
حضر دويري منذ أيام على إحدى الفضائيات اللبنانية لمناقشة ترشيح فيلمه الأحدث «القضية 23» للأوسكار ونيله جائزة أفضل ممثل في مهرجان فينيس.
في سؤالٍ عن تطبيعه مع العدو، لم يتمكّن بجوابه من إقناع مشاهديه بقوله التطبيع يكون فقط بين دول لا أفراد..
ومبدؤه الذي يستخلصه من مقولة «أنا لا أمارس السياسة بل الفن».. يُلهينا إلى حينٍ
بالواجب المهني والفني الذي يسير عليه مطلق مبدع خدمةً لرسالة فنه..
هل يتطلب الفن النظر إلى القضايا العادلة بعين حيادية..؟
أيمكن أن يغدو الصواب شيئاً نسبياً.. ومجرد وجهة نظر..؟!
أكثر ما يُحيّر في الموضوع، حالة التهافت من قِبل البعض للترشّح للأوسكار والاستلاب الكامل أمام أضوائها متمثّلاً بالتغاطي عن تهمة «التطبيع» وإسقاطها بالتقادم.
«الصدمة» صُوّر في تل أبيب.. وكان عددٌ من ممثليه إسرائيليين.. وتمّ برعاية منتج منفّذ إسرائيلي.. فكيف يكون التطبيع الثقافي غير ذلك..؟!
كان من الجميل لو أن دويري طبّق مقولة الماركيز «دو ساد» فاختار فضيلته من وسطٍ يفور إغواءات شيطانية صارخة تمارسها الشهرة والرغبة بالعالمية وبالقبول لدى الآخر/الغرب، بمجرد رفضه ذاك النوع من التطبيع «اللاوعي» الذي مارسه.. هو «لاواعي» فيما لو أقصينا أي سوء نية في تفسيره.
lamisali25@yahoo.com