وكذلك نضحك لدى مشاهدة مفارقة جديدة أو سماع نكتة مثلاً. ومن الأحوال الأخرى التي تجعلنا نضحك -بخلاف التعبير عن البهجة والسرور- الاستجابة لضحك شخص آخر، أو أثناء الاشتراك في لعبة جماعية. وقد يكون الضحك أيضاً استجابة للمس شخص آخر بعض مناطق الجسم على سبيل الدعابة، وهذا ما يسمَّى الدغدغة.
إلى ذلك، ولأن الضحك ينتقل بالعدوى، يستخدم الضحك نفسه لصناعة المزيد منه. فكلنا نلاحظ أن مخرجي الكوميديا التلفزيونية يضيفون إلى المشاهد المصورة صوت ضحك مستعار لحث المتلقي على الضحك. وقد التفت الجاحظ إلى هذه الظاهرة، وجلاها في قوله: ضحك من كان وحده لا يكون على شطر مشاركة الأصحاب.
ومن استخدامات الضحك أيضاً التعبير عن السخط والضيق والتفاعل على المستوى الاجتماعي والسياسي. فهو سيف مسلَّط على رقاب الخارجين على الآداب العامة، وعلى الذين يفرضون مهابتهم قسراً على الآخرين.
وفي بعض الحالات لا يكون الضحك تعبيراً عن السرور، فهناك الضحك الاجتماعي لمجاملة الآخرين. ففي اليابان مثلاً يُنظر إلى الضحك على أنه واجب اجتماعي، وعلى الإنسان الذي ألمت به كارثة أن يرسم على وجهه ابتسامة وهو يتلقى مواساة الآخرين، وهذا ما يسمَّى أحياناً قناع السعادة أو ما جعله إحسان عبدالقدوس عنواناً لروايته الشهيرة: العذاب فوق شفاه تبتسم ، أو ما ورد على تراث العرب شر البلية ما يضحك ، أو تعبير المتنبي عن بعض المضحكات بقوله: ولكنه ضحك كالبكاء. ونذكر في هذا الإطار أحد المثقفين الفرنسيين الذي قام بجولة عربية قبل عدة سنوات، دعا فيها المنتديات الثقافية إلى الرد على انتشار الأسلحة النووية بالضحك!
كل هذه المواقف وغيرها لا يمكن أن يكون الضحك فيها وليداً لحادثة سارة. بل ثمة حالات ومواقف مَرَضيَّة ينم فيها رد الفعل بالضحك عن الاضطراب النفسي المؤقت مثل الضحك الهستيري، ونوبات الضحك البديلة عن التشنج التي لا تكون خلالها سيطرة العقل كاملة على السلوك.
ويصادف الأطباء في العيادات النفسية بعض الحالات التي يكون فيها السرور المَرَضي واضحاً ولا يملك الطبيب المعالج إلا أن يتفاعل معها بانشراح مماثل، مثل حالات الهوس الذي يسمَّى أحياناً لوثة المرح ، وحالات أخرى لا تسبب للطبيب المعالج هذا الإحساس على الرغم من أن المريض يقهقه عالياً ولكن ضحكاته لا تثير أي تعاطف، مثل مرضى الفصام العقلي.
ضحك الأطفال وضحك الكبار
ولعل أجمل ألوان الضحك هو ضحك الأطفال، إنه محبب إلى درجة أنه ينتقل بسرعة إلى الكبار. ولكن أسباب ضحك الصغار تختلف كثيراً، وهي عديدة. فكل ما يدخل السرور إلى قلب الطفل يجعله يضحك، رؤيته لأمه وجلوسه في حضنها عيد، واستقباله لوالده بعد انتهاء العمل فرحة، وحصوله على طعامه المفضل أو ثياب جديدة وألعاب متنوعة كلها فرص سعيدة للطفل. وتختلف أسباب الضحك عند الأطفال أيضاً باختلاف العمر، فالرضيع الصغير نراه يبتسم عفوياً أحياناً وربما يكون نائماً أو يقظاً، بينما يضحك الرضيع الأكبر سناً عندما يداعبه شخص ما.
ويضحك الأطفال قرابة 400 مرة في اليوم، أما الكبار فلا يضحكون أكثر من 15 مرة، والمكتئبون قد لا يضحكون على الإطلاق.
ثمة نظرية تقول إن الإنسان هو الكائن الحي الوحيد الذي يضحك ويبكي، لأنه يستطيع أن يرى فرقاً بين ما ينبغي أن يكون وما يحدث فعلاً.. فهل صحيح أن الإنسان وحده يضحك؟
يرى فلاسفة العصر الحديث ومنهم (هنري برجسون) أن الإنسان هو الوحيد الذي يعرف كيف يضحك بل أيضاً كيف يُضحِك. فيما يعبِّر عباس محمود العقاد عن الإنسان بقوله إنه الضاحك المضحك. وينتهي الفلاسفة إلى أن الضحك ظاهرة إنسانية، لا نظير لها عند الحيوان، وأن الإنسان هو الضاحك المضحك. بينما يرى علماء النفس أننا ما دمنا لا نعرف لغة الحيوان والطير فلن نعرف أبداً إذا كانت تضحك أم لا.