بدأت أعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة، ويلقي ترامب خطبته العصماء الفارغة من أي ثقافة سياسية، المليئة بالهرطقة والتهديد، بحرب على كوريا الشمالية؛ إن لم تتخل عن برنامجها النووي. والعدول عن الموافقة الأمريكية لبرنامج إيران النووي.
الصواريخ البالستية الكورية الأربعة، أدبت ترامب ووضعته في خانة الندية معها نووياً. حتى لو لم ولن يعترف بذلك، ليظل تهديده لها بالحرب جعجعة بلا طحين رغم هوجائيته. لأن الشعب الأمريكي له بالمرصاد. في النهاية هو تاجر سلاح.
يصفق نتنياهو بحماسة وقد انفرج فمه عن ابتسامة عريضة أخرجت ما بداخله من توتر. أثلج صدره رجل ( البزنس ) حين أشعر سامعيه أن الإمبراطورية الأمريكية التي تشكلت منذ نشأتها على قدرية وجودها لتحكم العالم بما تراه. تعود لدورها معه.
ترامب تحدث بالقدرية الأمريكية، حين قال أن إيران تخرق روح الاتفاق النووي. يتحدث بالروحانيات.. ما يدل على هزال ثقافته السياسية؛ حيث يصنف كلامه في علم السياسة بالإجرام السياسي.بمحاولته شيطنة إيران على أنها تصدر الإرهاب.
ترامب يتذرع بأن الشعب الإيراني يريد التغيير، وعليه أن يقف إلى جانبه. ناسياً أن الواقع مغاير تماماً. وأن التماسك بين الشعب وقيادته أنتج حالة اقتصادية مميزة، رغم حصار ظالم مازال قائماً منذ السبعينات، أيام الحرب مع العراق الموجهة أمريكياً.
ترامب في حديثه أبدى رسالة أنه مستعد للتفاوض مع سورية، التي تحارب الإرهاب وأنه يسعى لحل سياسي فيها، يحقق آمال الشعب السوري في التغيير. ويتهم بالمقابل الحشد الشعبي وحزب الله بالإرهاب. وكل من لا يخضع لأمريكا مارق يجب تأديبه.
الساحة السورية اليوم محكومة بموازين قوى، ترامب السمسار لا يعطي شيئاً بلا مقابل. فما يقوله عن صمود الشعب السوري وإنجازاته، يرمي من خلاله نيته في عدم الخروج نهائياً من الأرض السورية. على أنه شارك في الحرب ضد الإرهاب.
أمريكا التي أعلنت قبل سبع سنوات أنها ستسقط النظام في سورية خلال أسابيع، (الأسطوانة المشروخة التي ظلت تكررها السعودية على لسان أمردها الجبير لوقت مضى). من يصدق أنها لا تستطيع فعل شيء أمام ما يحدث في كردستان العراق.
أمريكا تلعب اليوم بالورقة الكردية في سورية. يبدي ترامب قبوله التفاوض مع سورية مقابل ما يُعطى للأكراد. هي تركيبته إنه لا يعطي شيئاً بالمجان. هو يرغب بتجفيف المنطقة من المواقف الشريفة. بشيطنة الدول الداعمة لسورية.
يلوح ترامب بأنه يرغب بالصداقات مع الدول الكبرى، ملمحاً بالموافقة الروسية لأمريكا عند اجتياح العراق، متناسياً أن المعطيات اليوم تغيرت.. ولن توافق روسيا على تكرار الأمر في سورية، كما أن لسورية حلفاء أقوياء جبلوا دمهم بترابها.
ترامب بائع سلاح أما سابقوه فمعظمهم تجار نفط. همهم الوصول لمنابع النفط الأغزر. بينما هو همّه ثمن النفط مقابل تصريف السلاح، كما فعل في السعودية وخلقه الفتنة مع قطر، لبيع الطرفين واليوم يلتفت لميانيمار. سلاح سلاح سلاح.
الرجل صدم بصمود السوريين واليمنيين والعراقيين. ومازال في ذاكرته وهو رجل الأرقام بامتياز، أمريكا حين علقت بعنق الزجاجة اقتصادياً في العقد الأول من القرن الحالي وشركاتها تعلن إفلاسها بالعشرات يومياً. بينما سورية كانت صفر مديونية.
كما تثير حفيظة الرجل إيران بتقديمها للعالم أنموذجاً سياسياً فريداً في الديموقراطية بين الدول الإسلامية. وكذلك أنموذجاًَ اقتصادياً مزدهراً متفرداً رغم حصارها لأكثر من ثلاثين سنة. حتى وصلت للنووي. وفي ذات الوقت كانت سورية تزدهر وتتقدم.
ضُرِبَتْ سورية إرهابياً لأنها لم تمتلك بعدا نووياً يرهب أمريكا، وأمل أمريكا ضرب إيران من خلالها بعد تحطيمها. لكن الصمود السوري الأسطوري، وإنسانية إيران أظهرت أن لا مطامع لها في دول الجوار، خيب ظنون قاطني البيت الأبيض بالتتابع.
غوغائية ترامب تثير حفيظة الشعب الأمريكي، حيث يسعى الكثير من المنظمات والأحزاب الأمريكية في ولاياتها إسقاطه، بمختلف السبل لدرجة اتهامه بعدم التوازن العقلي. ومعظم الولايات تهدد بالانفصال.. أثار أحد الأصدقاء سؤال جال في الحديث
هل سيكون ترامب النسخة الثانية من غورباتشيف؟؟.. الذي تفكك بعهده الاتحاد السوفياتي.. ذاك الذي تبين في ما بعد أن أمريكا أعدته لذاك اليوم، الذي ادعى فيه المرض وتواجده في المنتجع، تاركاً موسكو تموج في الفوضى لنهاية غير متوقعة.
صُعِقَ العالم حينها بين نافٍ ومصدق.. مرت أيام وتتالت وما زال العالم حتى اللحظة يجني خيباتها.. إن كان قدر أمريكا على يد ترامب ذات القدر، فسيتخلص الشعب الأمريكي من بطش حكامه به قبل الغير، ويحل السلام في دول العالم، وتحفظ السيادة.