تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


نهاية الأراضي.. رحلة في أحلام اليقظة

ثقافة
الثلاثاء 25/11/ 2008 م
لميس علي

سنمنح وعينا إجازة مؤقتة ما يقارب الساعتين زمنياً ليفسح المجال كله أمام اللاوعي الذي يمضي مع فيليب جانتي في رحلته (نهاية الأراضي) دون أي نية مسبقة من جهة المتلقي لسبر خفايا ذاك اللاوعي.

فهل كان (نهاية الأراضي) إنذار بداية عن عوالم الحلم.‏

نهاية تقتضي بداية من نوع خاص, يقظة لكن مجالها طقوس حلمية خالصة وبالتالي كان من الطبيعي أن تُمنح (تُضاف) تلك الأراضي نهاية أمام بداية أخرى تناقضها.‏

أفلا تحيل الأرض إلى معطيات وصور واقعية على العكس من تهويمات عالم اللاوعي التي يبقى مداها ومجالها ضمن صور وبنى حلمية.‏

في عرض (نهاية الأراضي) لفرقة فيليب جانتي الذي قدم في دار الأوبرا بالتعاون ما بين الأمانة العامة لاحتفالية دمشق عاصمة الثقافة العربية 2008م والمركز الثقافي الفرنسي بدمشق يبنى عالمٌ كاملٌ وفق منطق الحلم..الخيال..اللاوعي.‏

نحن في هذا العمل أمام نهاية حقيقية لعالم الواقع باتجاه اللاواقع حيث المسرح يبدو مكاناً للاوعي لينفلش هذا الأخير إلى أقصاه.. إلى أوسع ما يمكن أن يكون عليه ضمن إمكانات الخشبة.‏

وعلى الرغم من أن جانتي مع زوجته مصممة الرقص ماري أندروود يقدمان اقتراحاً للقاء شخصيتين, امرأة منعزلة في فقاعتها ورجل يحاول جاهداً التواصل معها إلا أنهما يعمدان ( جانتي وزوجته) إلى كسر أي احتمال ممكن يخلق حكاية مكتملة الخطوط الواقعية هناك إقصاء متعمد كما يلاحظ لكل ما هو واقعي مألوف لحساب إغناء أو تنشيط دنيا اللاوعي.‏

ولهذا لن نلحظ جرياناً متسلسلاً ومترابطاً للأحداث, إنما ستقدم بوصفها أحلاماً.‏

وإذا ما تعامل المتلقي مع ما يقدم له ويعرض أمامه على اعتبار أنه حلم نابع من اللاوعي إذا ما توصل المتلقي إلى ذلك فإنه لن يجهد نفسه بتحليل ما يرى أو تفسيره وعليه سيتحرر من البحث عن أفكار, معان أو تأويلات.‏

وهو الهدف الذي يسعى إليه جانتي مؤكداً أن ما يقدمه إنما هو رحلة في الداخل, رحلة في عالم مفتوح على تساؤلات وشكوك بعيداً عن أي يقيني.‏

إنها محاولة لمنح المتلقي شجاعة خاصة لإلقاء نفسه في تجربة اللاوعي هذه وفضاء اللاوعي يتأسس كما يرغب جانتي من أحلام لها قوام وهيئة الأحلام التي تأتينا أثناء النوم...أشخاص يتحوّلون, يختفون, أو يمّسخون.‏

دمىً صغيرة تنقلب إلى كبيرة بحجم يتضاعف مّرات ومرّات, قد يتساءل المتفرج لِمَ هذه الصيغة المستخدمة في جعل الأمور لا واقعية, لِمَ اعتماد هذا القالب الشكلي الخارجي لما يريد إيصاله جانتي?.‏

يرى جانتي أن الفضاء المسرحي هو فضاء اللاوعي هو مكان لا يعكس الواقع وكل ما يتم عليه مضاد للطبيعة ورغبة فيليب جانتي هي أن يجذب الجمهور إلى هذه الخشبة تحقيقاً ليوتوبياه البسيطة التي يدافع عنها والملخصة بأن لكل منا شياطينه ووحوشه الداخلية فإذا ما تمكنا من خلق سلام مع هذه الشياطين الداخلية قد نستطيع سحبه ليكون سلاماً مع العالم الخارجي.‏

ولأجل ذلك يبني عالماً شديد الخصوصية التقنية والفنية على خشبته تزدحم فيه عناصر الإبهار دمى متحركة ألعاب خفة إضاءة تغني المشهدية البصرية وأحياناً تكون عنصراً حاسماً وهاماً في رسم اللوحة المسرحية.‏

بعض المشاهد تذكر المتلقي عبر الأسلوبية التي صنعت بها بعوالم فن الكرتون (الرسوم المتحركة) ويحيل بعضها الآخر إلى عوالم السينما, لا سيما في تلك اللوحات التي قلّص فيها فضاء الخشبة إلى ما يشبه النافذة الصغيرة يعرض من خلالها أحد الأحلام يتراءى بدوره فيلماً قصيراً, تم ذلك عن طريق الحواجز (الأعمدة) التي أخذت تمرر على طول الخشبة لتقسم في بعض الأحيان فضاء الخشبة إلى فضاءين, وكذا العوارض التي أخذت بدورها تسقط من أعلى إلى أسفل.‏

هكذا نتوهم/ نحلم للحظات أننا أمام شاشة سينمائية تقوم بعمليات القطع والوصل لأحد المشاهد المركبة.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية