وقاعدة الشرفاء والأحرار الذين لايرضون ذلاً وهواناً،وهو ما جعل الضريبة مرتفعة جداً حيث تكالب عليها الإرهاب من كل مكان من الشقيق والصديق قبل العدو. ولعل المحطة الأبرز بتاريخ سورية في مواجهة الإرهاب هي تلك التي كانت في ثمانينات القرن الماضي عندما تسابقت الولايات المتحدة وإسرائيل وأعوانهم في الداخل والخارج لشق وحدة الصف السوري وتقطيع الجسد الواحد وكسر إرادة السوريين وثنيهم عن مواقفهم الوطنية والقومية، لكن إرادة الشعب السوري البطل كانت هي الأقوى والاصلب والأكثر قدرة على التصدي والصمود والانتصار على الإرهاب وفلوله وأدواته التي هزمت تحت ضربات الشعب السوري الذي أدهش العالم ببسالته ووحدته.
.. واليوم يعيد التاريخ نفسه ويعاود الإرهاب مجدداً التسلل الى البيت السوري المتماسك بأبنائه ووحدته وعروبته ووطنيته ولكن بأشكال وصور جديدة تختبئ خلف عناوين الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، حيث تستعر المواجهة من جديد لكن بشكل أكثر إجراما وإرهابا من الماضي حيث يستخدم فيها الأعداء كل أنواع العتاد والأسلحة المحرمة وغير المحرمة وعلى مختلف المستويات والأصعدة والجبهات العسكرية والسياسية والإعلامية،ولعل الأمر أكثر إيلاما في هذه المواجهة التي توازي في حدتها وشراستها الحرب المفتوحة هي وقوف بعض الأشقاء العرب والأصدقاء ودول الجوار في الضفة الأخرى إلى جانب قوى الشر والإرهاب ومشاركتهم بشكل مباشر بسفك الدم السوري الذي لم يسفكه السوريون يوما إلا فداء لأشقائهم وعروبتهم ووطنيتهم وأرضهم.
منذ نحو عشرة أشهر ولغاية الآن والمعركة مع الإرهاب تزداد شراسة حيث باتت الأمور مفتوحة على كل الاحتمالات والاتجاهات في ظل انهيار كل القيم والأخلاق وحتى القواعد القانونية والإنسانية للطرف الآخر الذي يمثل تلك القوى الغربية الاستعمارية والصهيونية التي لم تجد سبيلا لاختراق الجبهة السورية إلا عبر الإرهاب ودعمه بكافة الطرق والوسائل وفي هذا الشأن فقد أكد الكاتب الأميركي تشارلز غلاس في مقال نشره موقع( أنتي وور) الأسبوع الماضي أن هناك جهات خارجية تسعى لتوتير الأوضاع وزيادة العنف في سورية عبر تهريب السلاح إليها مستشهدا في هذا الخصوص بتقارير نقلتها العديد من وسائل الإعلام الغربية والتي تحدثت عن وجود حركة كثيفة في تهريب السلاح عبر الحدود اللبنانية والتركية إلى سورية، مضيفا أن التدخل الخارجي في الشؤون السورية لا يقتصر على تهريب السلاح وإنما يتعداه إلى نشاط استخباراتي سري تقوم به شركات أمنية أميركية ناقلاً عن ايريك برنس مؤسس بلاك ووترز الشركة الأمنية الشهيرة والمسؤولة عن جرائم بشعة بحق العراقيين قوله في حديث لمجلة (فانيتي فير): إن شركته أقامت في سورية إشارات استخباراتية لتحديد مواقع مهمة.
وفي السياق نفسه قال البروفيسور والباحث السياسي ايغور بانارين في مقال نشره موقع غلوبال ريسرتش الكندي إن بعضاً من النافذين الأميركيين والإسرائيليين يشنون حرباً معلوماتية وإعلامية لتبرير غزو عسكري لسورية مضيفا ان الجيش وعناصر الشرطة السورية يواجهون 10 آلاف من المرتزقة من الدول العربية والاجنبية، مشيراً الى أن الحرب الاعلامية على سورية تشن بقيادة قناة الجزيرة التي تقوم بإنتاج استديوهات خاصة تمثل المدن السورية الكبرى والساحات العامة في محاولة لتطبيق خديعة ليبيا التي أظهرت فيها أن قتالا يجري في طرابلس يوم 23 آب الماضي بينما كانت الكاميرات تنقل تصويرا من استوديوهات قطرية ما يعني فتح فصل جديد من الحرب الإعلامية.
من جانبه قال أناتولي يغورين نائب مدير معهد الاستشراق في موسكو أن الجميع بات يعرف أن الولايات المتحدة وبلدان الغرب تمد المجموعات الارهابية المسلحة في سورية بالأسلحة والأموال وتحرضها على مواصلة عملياتها الإجرامية ضد الشعب السوري.
وفي السياق ذاته أيضا.. أكد مراسل الإذاعة التشيكية في الشرق الأوسط برشيتسلاف توريتشيك في مقال نشرته صحيفة برافو التشيكية الأسبوع الماضي أن المسلحين يتجمعون في معسكرات في لبنان وتركيا ومن هناك يشنون الهجمات ويهربون الأسلحة الأمر الذي رصدته كاميرا لهيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي.
.....ومايؤكد استعار المعركة وبلوغها الذروة هو أن المواطن السوري أصبح هدفا أساسيا للإرهاب دون النظر الى هويته أو جنسه أو دينه، ولعل جردة سريعة لمجريات الأحداث التي تشهدها سورية منذ بدئها تؤكد حقيقة الإرهاب الذي قتل وجرح آلاف المدنيين والعسكريين بينهم الأطفال والنساء والشيوخ الأبرياء الذين كان ذنبهم الوحيد أنهم أبناء هذا الوطن العزيز والغالي الذي لم يتخل عنهم لحظة واحدة.
المشهد الأكثر إيلاما في فصول هذه الحرب القذرة التي تشن ضد سورية هي تفجيرات دمشق الأخيرة التي راح ضحيتها مئات القتلى والجرحى اغلبهم من المدنيين والتي كشفت عن ذلك الحقد الكبير الذي يحكم ويتحكم بعقول أركان وأدوات الإرهاب والإجرام و المستوى الخطير والنوعي هو الذي بلغه إرهابهم مايعني التحول الى مراحل جديدة في العمل الإرهابي يصبح فيها الشعب السوري كله هدفا له، بما يشبه الى حد كبير المراحل السابقة خلال الشهور الماضية التي كانت تستهدف إضافة الى العسكريين ورجال الأمن المدنيين أيضا.
ويمكن لأي متابع أن يلحظ ذلك التطور الخطير والنوعي في مسار المواجهة مع الإرهاب من خلال استهداف المدنيين بشكل واضح عبر استهداف الحافلات والقطارات ووسائل النقل العامة،وكذلك استهداف خطوط وأنابيب النفط والغاز كما جرى في تاريخ الثاني عشر من الشهر الجاري عندما أقدمت مجموعة إرهابية مسلحة على تفجير خط الغاز المار بالقرب من مدينة الرستن والقادم من حقل العمر باتجاه محطة توليد كهرباء محردة، هذا بالإضافة الى سلسلة طويلة من حالات الخطف الكثيرة.
إلا أن الفعل الإرهابي الأبرز والذي يجب التوقف عنده طويلاً لما يحمل من معان ودلالات عديدة هو استهداف الكفاءات و الخبرات والعقول السورية والتي كان آخرها اغتيال العقيد الطبيب هيثم يوسف اليونس العامل في مشفى حرستا في عيادته بضاحية حرستا بريف دمشق في الخامس والعشرين من الشهر الجاري،كما أقدمت مجموعة إرهابية أخرى قبل ذلك بثلاثة أيام على تفجير سيارة الدكتور سمير خضور عضو الهيئة التدريسية في كلية الهندسة الميكانيكية بجامعة البعث أمام مبنى الكلية في محاولة منها لاغتياله.
وفي الحادي عشر من الشهر الجاري أيضا قامت مجموعة إرهابية مسلحة باغتيال المهندس ماهر غدير رئيس محطة أبو رباح للغاز بحمص أثناء توجهه الى المحطة على طريق حمص الفرقلس،وقبل ذلك بخمسة أيام وفي إطار استهدافها للكوادر الوطنية اغتالت مجموعة مسلحة المقدم الطيار قصي حامد المصطفى أمام منزله في مساكن المصفاة أثناء توجهه الى مكان عمله،، كما قامت المجموعات الإرهابية المسلحة قبل ذلك بثلاثة أيام باغتيال الدكتورة ميادة أنيس سيوف الأستاذة بجامعة البعث في حمص.
وكانت مجموعة إرهابية مسلحة اغتالت في الخامس والعشرين من الشهر الماضي ستة طيارين وضابطا فنيا وثلاثة صف ضباط من الفنيين العاملين في إحدى القواعد الجوية العسكرية أثناء مرورهم على محور تدمر حمص.
وفي الثاني من شهر تشرين الأول الماضي أقدمت مجموعة إرهابية على اغتيال الدكتور محمد العمر أستاذ التاريخ في جامعة حلب بإطلاق النار عليه أثناء توجهه الى الجامعة لأداء واجبه العلمي والتعليمي برفقة سارية حسون نجل المفتي العام للجمهورية الدكتور أحمد بدر الدين حسون الذي أصيب بجروح استشهد على أثرها بعد إسعافه الى المشفى الوطني بادلب.
وفي الثامن والعشرين من أيلول الماضي اغتالت مجموعة إرهابية المهندس أوس عبد الكريم خليل الاختصاصي في الهندسة النووية القائم بالأعمال في جامعة البعث بحمص وقبلها بيومين اغتيل العميد الركن نائل الدخيل نائب مدير كلية الكيمياء بحمص على الطريق الواصل بين زيدل والمشرفة وهو عائد من عمله الى منزله كما اغتالت مجموعة إرهابية أخرى الدكتور محمد علي عقيل نائب عميد كلية هندسة العمارة ووكيلها العلمي بحمص والدكتور حسن عيد رئيس قسم جراحة الصدر في المشفى الوطني بحمص.