وبعض حليفاتها الأوروبيات للحصول على الحصة الأكبر من الكعكة الأفريقية عبر أساليب استعمارية لا يغيب عنها التدخل العسكري المباشر كما جرى في ليبيا مؤخرا، تحاول روسيا التي بدأت تستعيد مكانتها ودورها عالمياً كوريث للاتحاد السوفييتي السابق العودة إلى هذه القارة من خلال صداقاتها من أجل تعزيز علاقاتها وتعاونها مع الاتحاد الأفريقي ودوله الفاعلة في مجالات متعددة، يأتي في مقدمتها التجارة والاستثمار والسياحة ونقل التكنولوجيا وكذلك التعاون في مجالي النفط والطاقة، حيث يشكل هذان المجالان لب المنافسة والصراع بين الدول الكبرى.
وانطلاقاً من رغبة روسيا الجديدة باستعادة دورها عالمياً وعدم ترك المسرح الدولي للاعب الأميركي منفرداً، أطلقت روسيا والدول الأفريقية قبل أيام منتدى التعاون الاقتصادي الروسي الأفريقي في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا، حيث وجه رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين رسالة إلى المنتدى عبر فيها عن رغبة بلاده بفتح آفاق جديدة لتطوير قدرات التعاون بين الجانبين وتحويله إلى مجرى أكثر تنظيماً، واعتبر بوتين في رسالة ألقاها المبعوث الخاص للرئيس ميدفيديف إلى أفريقيا ميخائيل مارغيلوف «أن تقاليد الصداقة والشراكة بين روسيا وأفريقيا أصبحت أساساً للعمل المثمر لهذا المنتدى» وهو ما شبهه البعض بمنتدى دافوس الاقتصادي.
ويأتي تدشين هذا المنتدى عقب زيارة تاريخية قام بها الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف إلى عدة دول أفريقية قبل عامين شملت كلا من مصر ونيجيريا وناميبيا وأنغولا وقع خلالها اتفاقيات شراكة استراتيجية في العديد من المجالات، قال المعلقون وقتها أن روسيا عادت بشكل فاعل إلى القارة السوداء الغنية بالموارد الطبيعية، كما يأتي هذا المنتدى أيضاً في ظل ظروف صعبة تمر بها العديد من دول شمال أفريقيا بعد الأحداث التي شهدتها كل من تونس ومصر وليبيا وافتضاح الدور الأميركي والأوروبي خلالها وخاصة بعد التدخل العسكري المباشر من قبل حلف شمال الأطلسي في ليبيا بدافع السيطرة على النفط الليبي والحيلولة دون إتمام صفقات النفط والغاز التي كانت موقعة بين روسيا والحكومة الليبية السابقة.
مارغيلوف أوضح الرغبات الروسية من هذا المنتدى بقوله «إن القارة السمراء باتت مقصداً مرتقباً لشركات التعدين الروسية»، موضحاً أن بلاده يمكنها التعاون مع دول القارة في تقديم التكنولوجيا الحديثة وخاصة في المجال العسكري وفي مجال الاستكشافات الجيولوجية والطاقة، وأضاف مارغيلوف في كلمته أمام المنتدى «أن شركات بلاده ترغب في استكشاف الرواسب المعدنية النادرة المتوافرة في القارة ومن بينها خامات الكوبالت والكروم وحقول اليورانيوم»، كما أوضح أن الشركات الروسية تبدي اهتمامها بإنتاج الماس والبلاتين، عارضاً على الدول الأفريقية مزايا تنافسية وتقنية وأسعاراً تنافسية في العديد من الصناعات، ولم ينس التأكيد على أن بلاده ستنأى بنفسها بعيداً عن التدخل في شؤون القارة الداخلية عبر اتباع سياسة الحياد في المجال السياسي مقارنة بفترة الحرب الباردة، وكان واضحاً لدى المسؤول الروسي أبعاد التحديات التي تواجه بلاده في أفريقيا عندما قال: ستواجه روسيا منافسة حادة مع شركات أميركية وأوروبية وصينية وهندية وتركية وكذلك شركات من شبه الجزيرة العربية وكان يقصد بذلك الشركات التابعة لبعض دول مجلس التعاون الخليجي.
الانفتاح الروسي على القارة الأفريقية قوبل بانفتاح مماثل عبر عنه رئيس الوزراء الأثيوبي ميليس زيناوي الذي أكد في كلمته أمام المنتدى أن هذا المنتدى الاقتصادي الأول بين روسيا وأفريقيا يحظى بأهمية كبيرة من أجل تعزيز علاقات المشاركة الناشئة بين الجانبين، كما طمأن زيناوي رجال الأعمال الروس بالقول «إن أفريقيا ترحب بعودة المشاركة الاقتصادية الروسية بقلب مفتوح».
ولكن رغم هذا الانفتاح المتبادل بين الجانبين وحاجة كل طرف للآخر، فإن التعاون بينهما دونه الكثير من التحديات تتعلق بطبيعة الدور الذي تلعبه كل من الولايات المتحدة الأميركية وبعض دول الاتحاد الأوروبي التي تتشارك مع واشنطن بأزمات اقتصادية عميقة تجعلها أحوج ما تكون للدخول إلى القارة السمراء والاستقواء بخيراتها ومواردها للخروج من أزماتها، كما أن تركيا تتطلع للعب دور أكبر في هذه القارة، وقد بدأ الأتراك تحركات نشطة في الآونة الأخيرة لحصد بعض المكاسب الأفريقية وسط تنافس كبير بين الدول الكبرى، ويتوقع مسؤولون أتراك أن يرتفع حجم التجارة بين تركيا ودول أفريقيا إلى 6 مليارات دولار هذا العام مقابل نحو 700 مليون دولار عام 2000، مع توقعات بأن يرتفع هذا التبادل في المستقبل إلى 50 مليار دولار.
ويقول مسؤولون روس في قطاع الطاقة إن مساعي بلادهم في أفريقيا لها جدوى اقتصادية على المدى الطويل إذ تعني أن الأموال التي تجنى في روسيا يمكن استثمارها في أفريقيا لجني المزيد من الأموال هناك، غير أن محللين روس يعتقدون أن شدة التنافس على القارة السمراء سيؤخر عملية جني الأرباح من الصفقات الموقعة، ويضاف إلى ذلك أن افتعال الأزمات في بعض دول القارة سيؤثر سلباً على استقرارها وهذا من شأنه أن يؤثر سلباً على مناخ الاستثمار فيها بشكل عام.