وحده بخياله الجامح وعالمه المسحور وقدراته الخارقة على فك رقبة الحقيقة هو من فريق تشجيع الكذبة الحلوة، كانت تلك قناعتي إلى أن قرأت عن دراسة ممتعة عن دار نشر في بريطانيا تحمل اسم «ميلزويوت» تبيع سنوياً أكثر من 300 مليون نسخة من الكتب التي تصدرها.
وحسب الدراسة فإن هذه الكتب تقتصر على روايات الحب الخيالية وهو الشرط الذي تطرحه الدار ليأخذ العمل طريقه إلى النشر، أما لماذا تصر الدار على أن يكون هذا الحب «خيالياً» فالسبب كما تقول العينات التي تم اختيارها للدراسة لأن نصف حالات الزواج تنتهي بالطلاق، أما النصف الثاني فينتهي بالخيانة ومن هنا قررت هذه الدار أن تبيع الكذبة الحلوة لأنهم يفضلونها على الحقيقة المرة ونجحت بالفعل إلى حد بعيد.
وللكذبة الحلوة هذه شروط أولها :إن تنتهي الرواية نهاية سعيدة كما في الأفلام الهندية، أي بعد أن يعيش البطل والبطلة مغامرات الحب والفراق ثم يعودان ليلتقيا من جديد ويعيشا معاً للأبد، وثاني هذه الشروط :أن تكون مروية على لسان البطلة وليس البطل وهذه البطلة غالباً غارقة في مشاكلها مغلوبة على أمرها غير أنها عندما تواجه فارس أحلامها فإنها تتمكن من التغلب على الصعوبات وترويض حبيبها ، ومع أن حبل الكذب قصير كما يقال إلا أنه في هذه الروايات فإنه أطول كثيراً مما نتوقع.
ويعزو أطباء علم النفس هذا التوجه في أن الروايات الخيالية تعطي جرعة كبيرة من السعادة الوهمية للقارئ غير أن هذا هو الجانب السلبي فيما يتمثل الجانب الايجابي في أنه يدفع القراء لبذل المزيد من الجهة للوصول إلى هذه السعادة الخيالية وربما ينجحون في الحصول أخيراً على جزء كبير منها، إنها تمنحهم الحلم ومن دونه ليس هناك حب.
وبعيداً عن منصات الشهود في المحاكم فإن كثيرين منا يفضلون أن يعبوا من كأس الكذبة الحلوة حتى الثمالة، ورحم الله سقراط الذي شرب كأسه وسقط صريعاً من أجل الحقيقة، بينما مازال تلميذه أفلاطون يعيش اليوم في خيالنا الذي ساهم في صنعه .