تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


ما بين الجغرافيا السياسية والجيوسياسية

آراء
الخميس 29-12-2011
د. هزوان الوز

يختلط على كثير من الناس التفريق بين مفهومي الجغرافيا السياسية و الجيوسياسية ، وما يزيد الأمر التباساً أنّ العديد من المتخصصين في السياسة والإعلام لا يُميّزون أصلا ًبين المفهومين،

فيُطلقون أحدهما على الآخر، أو يستخدمون اللفظة نفسها لإفادة كلا المفهومين المتغايرين، وهذا يساهم بالتالي في إرباك المتلقي للمعلومات حول هذا الموضوع، واضطراب فهمه حول الموضوع . حتى إن بعض المترجمين قد وقعوا بالخطأ نفسه. فترجموا المصطلحات الانكليزية للمفهومين ترجمة خاطئة، فزادوا بترجماتهم تلك الأمور تعقيداً وتشويشاً. وحتى القواميس المعتبرة لايوجد فيها ما يشفي الغليل حول التفريق بين هذين المفهومين ولإزالة هذا اللبس ورفع تلك الإشكالية كان لابد من الرجوع إلى المصطلحين بألفاظهما الانكليزية الأصلية ليسهل علينا التفريق بدقة بين معانيهما.‏

أولا ً: بالنسبة لمصطلح الجغرافيا السياسية وهو ترجمة حرفية للكلمتين الانكليزيتين Political Geography وهو مصطلح قديم استخدم مدلوله في زمن أرسطو، ويعني تأثير الخصائص الجغرافية للبلد في سياسة الدولة، وبمعنى آخر فهو استخدام ثروات البلد وقواه الطبيعية والبشرية في تحديد تلك السياسة. و تزداد عادة قوة الدولة السياسية كلما ازدادت عناصرها الجغرافية كمّا ً ونوعا ً، وعلى سبيل المثال فإن جغرافية دولة كبيرة وغنية كروسيا الاتحادية تنعكس بالضرورة على زيادة قوتها السياسية في حين تفتقد جغرافية دولة صغيرة وفقيرة كالصومال لأي معنى من معاني القوة السياسية.‏

وإذا كان الحكام والسياسيون مخلصين لشعوبهم فيجب عليهم استغلال جميع العناصر الجغرافية المتوفرة في بلدانهم لتقوية المكانة السياسية لدولهم، وأما إذا كانوا عملاء فلا قيمة لتلك العناصر مهما كانت قيّمة في تحسين الوضع السياسي لدولهم.‏

ثانيا ً: مصطلح الجيوسياسية أو الجيوبوليتيكية وهو ترجمة مشوشة للكلمة الانكليزية Geopolitics ، ولو ترجم حرفياً لكان المصطلح بالعربية هو السياسة الجغرافية أو سياسة الجغرافيا لكن ترجمته التعريبية السيئة قد أشكلت المعنى وزادته غموضاً.‏

وعلى أي حال فقد شاع هذا المصطلح في وسائل الإعلام وانتشر بين السياسيين والإعلاميين باستخدام لفظة الجيوسياسي أو لفظة الجيوبوليتيكي للدلالة على التعبير. وكان أول من استخدمه في الماضي المفكر السويدي رودولف كجلين مطلع القرن الميلادي الماضي وعرّفه بأنّه: البيئة الطبيعية للدولة والسلوك السياسي بينما عرّفه مفكر آخر جاء بعده يدعى كارل هوسهوفر بأنّه: دراسة علاقات الأرض ذات المغزى السياسي، بحيث ترسم المظاهر الطبيعية لسطح الأرض الإطار للجيوبوليتيكا الذي تتحرك فيه الأحداث السياسية . ومن التعريفات المهمة لمصطلح الجيوسياسية عند الغربيين أنها عبارة عن الاحتياجات السياسية التي تتطلبها الدولة لتنمو حتى ولو كان نموها يمتد إلى ما وراء حدودها ومنها أيضا ً دراسة تأثير السلوك السياسي في تغيير الأبعاد الجغرافية للدولة .‏

ويمكن توضيح مفهوم الجيوسياسية بلغة مبسطة بأنها تعني السياسة المتعلقة بالسيطرة على الأرض وبسط نفوذ الدولة في أي مكان تستطيع الدولة الوصول إليه. إذ إن النظرة الجيوسياسية لدى دولة ما تتعلق بقدرتها على أن تكون لاعبا ً فعّالا في أوسع مساحة من الكرة الأرضية، ومن أبرز الأمثلة عليها توسيع نفوذ أميركا في جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق، وتحويل ولاء بعض تلك الجمهوريات من النفوذ الروسي إلى النفوذ الأميركي.‏

إن توسيع النفوذ الجيوسياسي هذا بالنسبة لأية دولة قد يكون إمّا بدوافع إيديولوجية مبدئية كالإسلام أو الشيوعية، أوقد يكون بدوافع قومية عنصرية كالنازية والفاشية والصهيونية، أو قد يكون بدوافع استعمارية نفعية كالرأسمالية.‏

وعليه يكون الصراع الدولي على النفوذ، والتأثير في العلاقات الدولية، ودفاع الدول عن مصالحها الحيوية، ومحاولة فرض الدول هيمنتها على دول أخرى، وما شابه ذلك من أعمال، تكون من الحالة الجيوسياسية. وبذلك يتضح لنا أن هناك فرقا ً شاسعا ً بين مفهومي الجغرافيا السياسية والجيوسياسية، فالأول مفهوم يتعلق بتأثير الجغرافيا على السياسة بينما الثاني يتعلق بتأثير السياسة على الجغرافيا، والأول يغلب عليه الثبات والرتابة، أو ما يسمى بالاستاتيكا، فيما الثاني يغلب عليه الحركة والتغيير، أو ما يسمى بالديناميكا. ولا شك أن الثاني أهم من الأول لأن فيه قابلية التغير والتطور والتبدل في كل وقت، وغالباً ما يتشكّل عليه المستقبل.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية