أقرأ ما معناه أن الفارق كبير وكبير جداً بين من يمتلك التقوى في داخل نفسه وبين من يمتلك القوة. ومبدأ التقوى كما نفهم ماله علاقة بثقة الإنسان بنفسه كما بإيمانه بالله الذي أمر ويأمر دوماً بفعل الخير والابتعاد عن فعل الشر، وفي السياق عينه فإن القوة كما تفهم ما له علاقة بامتلاك السلاح أو الثروة أو النفوذ وسوى ذلك.
ومن هنا تستوقفك، كما استوقفتني الحكمة القائلة إن النصر للأتقياء لا للأقوياء، وبالنتيجة لابد أن ينتصر صاحب الحق على المعتدي عليه، لأن صاحب الحق، يقف العدل إلى جانبه وإن طال زمن انتظاره.
في هذا السياق نقرأ في أيامنا هذه، نقرأ تداعيات العدوان على الأمن السلمي في هذا البلد أو ذاك، بدءاً بأفغانستان وصولاً إلى بلدنا سورية مروراً بالعراق وباكستان وأماكن أخرى في العالم، يشكو أهلها من ظلم الأقوياء، الذين يمتلكون بالفعل لا بالقول، أسلحة الدمار الشامل من مستوى الصواريخ، بعيدة المدى، المحملة برؤوس نووية مدمرة، وانتهاء بأنواع الأسلحة البيولوجية المعروفة وغير المعروفة حتى الساعة.
بيد أن التاريخ يبقى في كل الأحوال يبقى شاهداً على هزيمة الأقوياء بالمعنى الذي يفهم في سياق الإشارة إلى التقوى والقوة، وإلى ذلك يشهد التاريخ في هذا الصدد على الهزائم التي منيت بها جيوش جنكيز خان وتيمورلنك بالأمس البعيد، وتلك الهزائم التي منيت بها قوات الغزو العثماني لبلاد الشام في بداية القرن السادس عشر، ومن ثم من خلفهم على أرضنا العربية السورية من قوات الغزو الفرنسي في أوائل القرن العشرين حتى سنة الاستقلال.
ومن تبعات هذه الهزائم وانتصارات الشعوب على غزاتها بقوة السلاح، سيوفاً كانت أسلحتهم أم طائرات أم دبابات وسوى ذلك، من تبعات ذلك أن الذي يؤمن بأنه صاحب حق لابد أن ينتصر على أعدائه بقوة إيمانه وتقواه، ولابد في مقابل ذلك أن يهزم الباطل صاحبه قبل سواه مهما بلغ من القوة، ودائماً علينا أن نستعير من تاريخ البشرية البراهين والأمثلة لأن التاريخ وحده حتى إن خبّأ حقيقة ما، فلابد أن تنكشف تفاصيلها مع مرور الأزمنة، وخصوصاً عند إعادة قراءة صفحات هذا التاريخ أو ذاك من قبل من يملك وضوح الرؤية وتحديداً بعد غياب كاتبها، وثمة ما عد بطلاً وفاتحاً برأي مؤرخ في وقت ما، وجاء من ثم من عراه على حقيقته فإذا به يظهر واحداً من كبار مجرمي التاريخ. لهذا الاعتبار تبقى المسافة بعيدة وبعيدة جداً بين مفهوم التقوى ومفهوم القوة، ودوماً تبقى الغلبة لمن يحيا الحالة الأولى لا الحالة الثانية.
Dr-louka@maktoob.com