ولفت الرئيس الأسد في مقابلة مع قناة (روسيا 24) إلى أنه من الناحية العسكرية الأولوية لسورية هي إدلب الآن، لذلك فإن أردوغان وبتوجيه من الأميركيين يزج بكل قوته فيها لأن تحرير إدلب يعني التوجه لتحرير المناطق الشرقية التي تنمو فيها حالة استياء شعبية كبيرة ضد الاحتلال الأميركي وهذا الغضب سيولد عمليات مقاومة ضد المحتلين.
وشدد الرئيس الأسد على أن الوعي الوطني لدى السوريين والقدرة الأسطورية الموجودة لديهم للتضحية والتي رأيناها بشكل أساسي من خلال الجيش العربي السوري هي أبرز عوامل قوة الدولة وصمودها في وجه الإرهاب وداعميه إضافة إلى دعم الأصدقاء سياسياً وعسكرياً واقتصاديا، مشيراً إلى أن الدولة السورية تخضع للدستور السوري ولا تخضع للتهديدات والرغبات الغربية أو أي عامل آخر، وأن الانتخابات النيابية ستكون خلال أشهر قليلة وسنستمر ضمن المواعيد الدستورية المحددة بغض النظر عن أي شيء آخر.
ولفت الرئيس الأسد إلى أن معظم الدول العربية حافظت على علاقاتها مع سورية ولكن بشكل غير معلن خوفاً من الضغوط الغربية والأميركية عليها، أما بالنسبة للدول الأوروبية فإن سورية لا تضيّع وقتها بالحديث عن الدور الأوروبي نظراً لارتباط السياسة الأوروبية بالسياسة الأميركية وتبعيتها للسيد الأميركي.
وأكد الرئيس الأسد أن العلاقة بين سورية وروسيا عمرها أكثر من ستة عقود من الزمن وهي علاقة شراكة وخاصة بعد الحرب أصبحت أقوى وأكثر وثوقية، مبيناً أن وجود القاعدة العسكرية الروسية في سورية ليس الهدف منه فقط محاربة الإرهاب وإنما إيجاد توازن دولي، سياسي وعسكري. وفيما يلي النص الكامل للمقابلة:
الصحفي:
مرحباً، هذا برنامج الاستعراض الدولي، معكم يفغيني بريماكوف، نحن اليوم في دمشق، وفي الاستديو المؤقت. سيادة الرئيس بشار الأسد ليس ضيفنا في الإستديو، وإنما نحن ضيوفه، سيادة الرئيس، شكراً جزيلاً على استقبالكم، وتخصيصكم لنا وقتاً لتسجيل هذه المقابلة، نحن سعيدون أن نكون معكم ونراكم في صحة جيدة في هذا الوضع الصعب.
الرئيس الأسد:
أهلاً وسهلاً بكم، أنا سعيدٌ جداً باستقبالكم اليوم كقناة وطنية روسية.
السؤال الأول:
شكراً جزيلاً سيادة الرئيس.. من الواضح أن الموضوع الأهم الآن، عدا الحرب على الإرهاب التي يخوضها بلدكم، هو ما يحصل من أحداث في محافظة إدلب وخطر الصدام بين الجمهورية العربية السورية وتركيا. فالقوات التركية تدعم مسلحي ما يسمى المعارضة بشكل مباشر، مع العلم أننا نرى في صفوفهم عناصر تنتمي للتنظيمات الإرهابية، الذين يشكلون فرعاً للقاعدة وغيرها، كما يشارك العسكريون الأتراك بشكل مباشر في الهجمات على القوات السورية. السؤال: ما الذي تغيّر في العلاقات بينكم وبين أردوغان، بين سورية وتركيا؟ فقبل عام 2011 كان أردوغان يسميكم الأخ، وكانت هناك صداقة عائلية بينكم.. ماذا تغير حتى وصلت الأمور إلى ما هي عليه؟
الرئيس الأسد:
المشكلة الحقيقية ترتبط بالسياسة الأميركية في ذلك الوقت عندما قررت الولايات المتحدة، من وجهة نظرها، أن الحكومات العلمانية في المنطقة، لم تعد قادرة على تنفيذ المخططات المرسومة لها، وأنا هنا أتحدث عن الدول الحليفة للولايات المتحدة، ولا أتحدث عن دولة مثل سورية التي لم تكن حليفة لها، فقرّروا استبدال هذه الأنظمة بأنظمة إخوانية تستخدم الدين من أجل قيادة عامة الناس، وبالتالي تصبح الأمور أسهل بالنسبة للمخططات الأميركية والغربية بشكل عام، وبدأت عملية التبديل عبر ما سُمي «الربيع العربي». طبعاً الدولة الإخوانية الوحيدة الموجودة في ذلك الوقت هي الدولة التركية من خلال أردوغان نفسه، وانتمائه الإخواني. قبل هذه المرحلة كانت علاقاتنا جيدة في المجال السياسي، والاقتصادي، وحتى إنه كان هناك تعاون أمني وعسكري.. لم تكن هناك أي مشاكل بيننا وبين تركيا، لم نقم بأي عمل ضدهم.. لم ندعم أي قوى ضدهم.. كنا نعتقد بأنهم جيران وإخوة، لكن الانتماء الإخواني لأردوغان أقوى من كل هذا الكلام.. فهو عاد إلى انتمائه الأصلي، وبنى سياسته مع سورية بناءً على هذه الحالة.. أي الانتماء للإخوان المسلمين. والمعروف أن الإخوان هم أول مجموعة اعتمدت العنف واستخدام الدين من أجل الوصول إلى السلطة. الآن لو طرحنا سؤالاً، لماذا يموت الجنود الأتراك في سورية؟ ما القضية؟ ما الخلاف؟ لا توجد قضية.. حتى أردوغان غير قادر على أن يقول الآن للأتراك لماذا يرسل جيشه ليقاتل في سورية.. لأن القضية وحيدة، هي قضية إخوانية لا علاقة لها بالمصالح العليا التركية، وإنما لها علاقة بإيديولوجيا أردوغان، وبالتالي على الشعب التركي أن يموت فقط من أجل هذه القضية، لذلك هو لا يستطيع أن يشرح الآن للشعب التركي لماذا يُقتل جنوده في سورية.
السؤال الثاني:
هل هناك أمل في حصول تواصل بين تركيا وسورية بالتدريج.. على الأقل الآن بين العسكريين والاستخبارات، وفي المستقبل ربما الوصول إلى علاقات دبلوماسية؟
الرئيس الأسد:
سواءٌ نظرنا للقاءات المتعددة والكثيفة بين المسؤولين الروس والأتراك، أو اللقاءات المحدودة بين المسؤولين الأمنيين السوريين والأتراك مؤخراً خلال العامين الماضيين، بالرغم من العدوان التركي، كان هدفنا المشترك نحن وروسيا، هو أن نبعد تركيا عن النهج الذي سارت به ألا وهو دعم الإرهابيين، وأن نعيدها للمكان الطبيعي. لأنه بالنسبة لنا في سورية، وبالنسبة لكم، تركيا هي بلد جار، ومن الطبيعي أن تكون لديك علاقات سليمة مع الدولة الجارة.. من غير الطبيعي تحت أي عنوان، أو بسبب أي ظرف، أن تكون العلاقات سيئة. فإذاً سؤالك، هل من الممكن؟ طبعاً ممكن.. لكن لا يمكن أن نصل إلى هذه النتيجة وأردوغان يدعم الإرهابيين.. لابد من التخلي عن دعم الإرهاب.. عندها تعود الأمور، لأن العداء غير موجود بين الشعبين.. العداء سببه أحداث سياسية، أو سياسات ترتبط بمصالح خاصة، أما على مستوى الوطن السوري وعلى مستوى الوطن التركي، فلا خلافات ولا تناقضات، لذلك نعم، الجواب: لابد أن تعود هذه العلاقات طبيعية.
السؤال الثالث:
هل هذه هي رسالتكم إلى الشعب التركي بأنه لا توجد أي عداوة معه؟ هل فهمتكم بشكل صحيح؟
الرئيس الأسد:
طبعاً.. كنا نقول عنه شعب شقيق. والآن أنا أسأل الشعب التركي، ما قضيتكم مع سورية؟ وما القضية التي يستحق أن يموت من أجلها مواطن تركي؟ ما العمل العدائي الصغير أو الكبير الذي قامت به سورية تجاه تركيا خلال الحرب أو قبل الحرب؟ غير موجود على الإطلاق. هناك تزاوج، هناك عائلات مشتركة، هناك علاقة مصالح يومية بين سورية وتركيا، هناك في تركيا مجموعات أصلها عربي سوري، وهناك مجموعات في سورية أصلها تركي.. فهذا التداخل موجود عبر التاريخ، لذلك من غير المنطقي أن يكون هناك خلاف بيننا وبينهم.
السؤال الرابع:
سيادة الرئيس.. أنا أدرك أنني أتحدث مع رئيس دولة، ورغم ذلك لا يسعني إلا أن أسأل عن الجانب الإنساني، فهذا الشخص (أردوغان) صافحكم، وكان ضيفاً لديكم، واستقبلتموه، وسماكم أخاً وصديقاً، إلى ما هنالك.. الآن يسمح لنفسه بهذه الأقوال.. ما تأثير ذلك عليكم من الناحية العاطفية؟
الرئيس الأسد:
التقيت بشخصيات تنتمي للإخوان المسلمين من دول عديدة، هو واحد منهم من تركيا.. هناك من كان من مصر.. هناك من كان من فلسطين وغيرهم، الكل قام بالعمل نفسه، كان يقول كلاماً جميلاً جداً عن سورية أو عن علاقة شخصية معي، ولكن عندما تتغير الأمور هو ينقلب ضده، هؤلاء هم الإخوان المسلمون، لا توجد لديهم أخلاق سياسية ولا أخلاق اجتماعية ولا أخلاق دينية. بالنسبة لهم الدين ليس خيراً وإنما عنف.. هذا هو مبدؤهم، لذلك من الطبيعي أن يقوم أردوغان بما قام به طالما أنه ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين. الانتهازية.. عدم الوضوح.. الكذب المستمر.. هذا جزء من طباعهم.
السؤال الخامس:
حربكم مستمرة منذ تسع سنوات، وهي أطول بمرتين من الحرب العالمية الثانية -الحرب الوطنية العظمى التي سنحيي قريباً الذكرى الـخامسة والسبعين للانتصار فيها، والتي هي بالنسبة لروسيا مناسبة مهمة جداً ما القوة التي يختزنها الشعب السوري والتي تمكّنه من الحياة والانتصار وتجنبه اليأس؟ ما السر؟ هل هي قوة داخلية أم غير ذلك أم إن لديكم ببساطة أسلحة أفضل؟
الرئيس الأسد:
هناك عدة عوامل، خاصة أننا دولة صغرى، ولكن هذه العوامل هي التي تجعل منا دولة قوية في مثل هذه الحرب. أولاً، وهو أهم شيء: الوعي الوطني.. الوعي الشعبي.. لو لم يكن هناك وعي لدى الشعب السوري بأن ما يحصل هو نتيجة تآمر غربي على البلاد، لكانت سورية ربما ذهبت باتجاه الزوال أو التدمير بشكل سريع جداً. هذا الوعي الشعبي أدى لوحدة وطنية على اختلاف التوجهات، التوجهات السياسية قد تكون مختلفة.. الانتماءات الثقافية مختلفة.. الانتماءات الاجتماعية.. مختلف الشرائح.. عرقية، دينية، طائفية.. ولكن هذا الوعي جعلها كتلة واحدة مع الدولة في مواجهة الإرهاب، هذا عامل مهم جداً.
العامل الثاني هو القدرة الأسطورية الموجودة لدى الشعب على التضحية، والتي رأيناها بشكل أساسي من خلال الجيش العربي السوري، بالأحوال العادية تعتقد أن هذه التضحيات موجودة في الأفلام أو في الروايات فقط.. الحقيقة هي كانت موجودة في كل معركة من المعارك. هذا ما حمى البلد.. إضافة إلى تضحيات الجيش، الشعب نفسه ضحّى.. فهو يعيش ظروفاً صعبة جداً.. قصف مستمر، حصار، وضع اقتصادي سيئ، ومع ذلك فإن الشعب متمسك بوطنه.
العامل الثالث هو القطاع العام الذي لعب دوراً مهماً في تماسك الدولة، لذلك في أسوأ الظروف استمرت الرواتب والمدارس والخدمات اليومية للمواطنين، وتم تقديم الخدمات ولو بالحد الأدنى، لكي تبقى الحياة مستمرة، يُضاف لهذه العوامل وقوف أصدقائنا معنا، وفي مقدمتهم روسيا وإيران.. وقفوا معنا سياسياً وعسكرياً واقتصادياً. كل هذه العوامل مع بعضها ساعدت على صمود سورية حتى اليوم.
السؤال السادس:
إن لم يكن لديكم اعتراض فسأتوقف عند هذه العوامل لمزيد من التفاصيل، ونبدأ من فرادة المجتمع السوري.. ما ذكرتموه الآن عن تنوع ثقافته.. التسامح بين مختلف المجموعات العرقية الثقافية والدينية، حيث وجه الإرهابيون المتطرفون ضربة قوية جداً في هذه الخاصية السورية، بطرحهم مطالب وإيديولوجيا متطرفة، في الأمس كنا في مدينة دمشق القديمة، ولم نتصور كيف سيكون الوضع فيها لو ظهر علم الخلافة الأسود في دمشق.. الأمر الذي لا يمكن تخيّله إلا بحالة رعب. إلى أي حد سورية جاهزة لأن تعيد بناء نفسها كدولة متعددة الثقافات.. متسامحة.. دولة علمانية، إلى ما هنالك؟
الرئيس الأسد:
ربما يبدو ما أقوله نوعاً من المبالغات، ولكنني بطبعي أتكلم كلاماً حقيقياً ولا أحب المبالغة.. الحقيقة أن المجتمع السوري اليوم، من هذه الناحية، من ناحية التماسك، والاندماج الاجتماعي بين مختلف عناصره ومكوناته، هو أفضل منه قبل الحرب.. لسبب بسيط وهو أن الحرب هي درس مهم جداً لأي مجتمع.. درس في موضوع أن التطرف يدمّر، وأن عدم قبول الآخر خطير، فكانت النتيجة أن هذه المكونات بدأت تقترب من بعضها. فإذا ذهبت إلى المدينة القديمة أو إلى أي مكان من سورية، في المناطق التي تحت سيطرة الدولة، لن ترى هذه المشكلة على الإطلاق.. بالعكس هي أفضل من قبل. المشكلة هي في المناطق التي كانت خارج سيطرة الدولة، لذلك هذه النقطة بالذات.. أنا لست قلقاً منها، بغض النظر عن الرواية الغربية التي تُظهر أن الحرب في سورية هي حرب بين طوائف، وهذا الكلام غير صحيح، لأن الحرب بين طوائف تعني أنك ستأتي اليوم إلى هذه المنطقة، وسيكون هناك لون واحد، وفي منطقة أخرى لون آخر، وفي مكان آخر هناك لون ثالث ورابع.. هذا الكلام غير صحيح، أنت سترى كل ألوان سورية من دون استثناء في مناطق الدولة، فقط في مناطق الإرهابيين كانوا يبحثون ليس عن لون، وإنما جزء من لون وهو اللون المتطرف.. أقصى التطرف كان من الممكن أن يعيش معهم. حتى إنّ الكثير من الأهالي هربوا من مناطق الإرهابيين إلى مناطق الدولة، لذلك أنا لست قلقاً على هذه النقطة نهائياً، وإنما التحدي سيكون في المناطق التي احتلها الإرهابيون.
السؤال السابع:
هنا يظهر سؤال عن إمكانية العفو. هناك الكثير من الأشخاص الذين غُرّر بهم من الإرهابيين والمتطرفين.. غُرر بهم بالدعاية.. بعضهم ارتكب جرائم والبعض الآخر كان عضواً في المجموعات المسلحة التي ارتكبت أعمالاً رهيبة.. ولكن هناك من لم يحمل السلاح، أو حمل السلاح ولم يقتل الناس. ما الأرضية التي يمكن أن تكون أساساً لتواصل الحكومة معهم؟ وهل يمكن إيجاد حلول وسط تتم من خلالها مسامحة هؤلاء أم لا؟ هذا سؤال أخلاقي مهم جداً. وبالإضافة إلى الجانب الأخلاقي، هناك جوانب قانونية تتعلق بكيفية تعديل وضعهم ودمجهم في المجتمع وربما أيضاً في الجيش؟
الرئيس الأسد:
في مثل هذا النوع من الحروب لا بد أن يكون العفو أحد العناصر الأساسية للسياسة الداخلية، لا يمكن أن نعيد الاستقرار إن لم يكن هناك عفو عن الأخطاء التي ارتُكبت. وهذا ما مارسناه منذ الأعوام الأولى للحرب.. عندما بدأنا بإصدار مراسيم عفو قانونية من وقت لآخر، تعفو عن كل من ارتكب عملاً يضر بالمصلحة الوطنية. في المناطق التي كان فيها المسلحون قمنا بما نسميه المصالحات، وبالتالي قمنا بما يُدعى قانونياً بـ»تسوية الأوضاع». فكل من حمل السلاح يسلم سلاحه، وتقوم الدولة بالعفو عنه بشرط أن يعود إلى الحياة الطبيعية تحت سلطة الدولة وتحت سلطة القانون. وهذه العملية التي كانت ناجحة جداً، هي التي أعادت الاستقرار إلى الكثير من المناطق.. ونحن مستمرون بهذه السياسة، هناك حالات محدودة جداً لا يمكن العفو عنها.. أشخاص قاموا بأعمال إجرامية.. قتلوا أعداداً كبيرة عن سابق إصرار وتصميم، وأغلب هؤلاء من قيادات الإرهابيين. أما الحالة العامة فأنا أعتقد أن معظم هؤلاء يريد أن يعود إلى الدولة، لأن ما نراه اليوم أن جزءاً كبيراً من الذين حملوا السلاح، أُجبروا على ذلك.. لم يكن لديهم خيار.. إما أن تحمل السلاح أو تُقتل. هو ليس بالضرورة متطرفاً، وليس لديه ماضٍ إرهابي.. هو إنسان عادي لكن فُرض عليه حمل السلاح. هناك أشخاص اضطروا لأخذ مواقف ربما تكون إعلامية أو سياسية لمصلحة الإرهابيين أيضاً للسبب نفسه.. نعرف هذه الحقيقة، لذلك أنا أعتقد أن معظم هؤلاء هم مع الدولة وكانوا يتعاونون ويتواصلون معها. فإذاً أنا أتفق معك تماماً، لا بد من العفو ولا بد من الاستمرار بهذه العملية مادمنا نحرر مناطق جديدة، ونريد أن نستعيد معظم السوريين داخل سورية أو خارجها، لكي يعودوا إلى وطنهم.
السؤال الثامن:
الآن سنتحدث عن إعادة بناء الدولة، إلا أن الدولة هي دائماً الناس.. وحين نتكلم عن الإرهابيين.. الذين إما أن نجبرهم على التخلي عن السلاح أو نقنعهم بتركه والعودة إلى جادة الصواب. هناك في المقابل أناس لديهم تصورات عن العدالة.. وبالتأكيد أنتم تلتقون مع رجال في الدولة سواء من عناصر الأمن أم الشرطة.. من الذين يجب أن يقوموا بعملية التواصل وتسوية أوضاع الذين أصبحوا إرهابيين في الجانب الآخر. وقد يكون لديهم استياء، وصعوبة في تقبل الأمر. على سبيل المثال، إن رأيت هذا الإنسان الذي كان يصوّب سلاحه علي، يسكن معي الآن في الشارع نفسه، ويشتري الخبز من الدكان نفسه الذي أشتري منه كيف سأتصرف؟ ماذا تقولون لأنصار الدولة الذين هم ليسوا جاهزين دائماً لتقبّل عفوٍ كهذا أو للمسامحة؟
الرئيس الأسد:
في بداية الحرب كنا نرى هذه الحالة، أذكر عندما أصدرت أول مرسوم للعفو كان هناك استياء من الكثير من السوريين، ليس فقط في الدولة وإنما حتى خارجها.. شخص ربما فقد أحد أفراد عائلته بسبب الإرهاب.. في البداية لم يكن من السهل أن تقول له: إننا سنقوم بالعفو من أجل إعادة الاستقرار، لكن هذا كان خلال الأشهر الأولى فقط، اليوم لو سألت أي شخص، على الأقل من المؤيدين للدولة، من العاملين فيها وغيرهم، هذا الشيء بالنسبة لهم هو أمر طبيعي لأنهم رأوا النتائج. بالعكس في كثير من الأحيان هم يطالبون بإصدار عفو والقيام بتسوية، وهذا مساعد، فإذاً لم تعد هناك وجهات نظر حول هذه النقطة، لأن الحقائق على الأرض أثبتت أن هذا الشيء صحيح وصحي لسورية.
السؤال التاسع:
فيما يتعلق بالوضع الميداني، لن أتحدث عمن يسيطر على هذا المكان أو ذاك، فالأوضاع الميدانية تتغير باستمرار وهذ شأن العسكريين، لكن من الواضح الآن أن الدولة استعادت مساحات واسعة جنوب محافظة إدلب. حيث ستعود الحياة السلمية، كما جرى في المناطق الأخرى، في الغوطة الشرقية.. دير الزور، وغيرهما من المناطق التي تم تحريرها قبل ذلك، ما الذي تقوم به الدولة عندما تدخل المناطق المحررة؟ من أين تبدأ عملها؟ وما الجانب الأهم لإعادة الحياة السلمية؟
الرئيس الأسد:
في كثير من المناطق التي تدخل إليها تكون خالية ربما من المدنيين الذين غادروا عندما دخل الإرهابيون. أول شيء نقوم به هو إعادة البنية التحتية لكي يتمكن أهالي تلك المناطق من العودة، أول شيء يحتاجونه هو الكهرباء، والماء، والطرق وباقي الخدمات، وعودة الشرطة والبلديات.. أي كل من يقدم الخدمات، هذا هو التحدي الأول. التحدي الثاني، وهو لا يقل أهمية، هو إعادة بناء المدارس لكي تكون جاهزة لاستقبال أبنائهم، إذا كانت البنية التحتية موجودة ولا أستطيع أن أرسل أبنائي إلى المدرسة، فماذا أفعل؟! لا يمكن أن أعود إلى هذه المنطقة، المدارس والخدمات الصحية، هذان المحوران هما الأساس بعد خروج الإرهابيين وعودة الأمن. طبعاً لاحقاً نقوم أيضاً بالتواصل مع الأهالي لنرى من تورط مع الإرهابيين بالأعمال المختلفة، كما قلت قبل قليل، ونذهب باتجاه المصالحة أو تسوية الأوضاع لكي تعود الحياة الطبيعية إلى هذه المدينة.
السؤال العاشر:
ما الصعوبات التي تظهر خلال هذه العملية؟ وهل توجد خلايا نائمة تقوّض عملية إعادة الإعمار؟ ما المشاكل التي تواجهكم؟
الرئيس الأسد:
عندما أقول إن التسويات والمصالحات كانت ناجحة، لا يعني أن النجاح هو مئة بالمئة، لا يوجد شيء كامل. البعض من هؤلاء تبقى لديه الميول الإرهابية، والإيديولوجيا المتطرفة.. وهو يتعاون مع مجموعات متطرفة في أماكن أخرى، ويقوم بتنفيذ أعمال إرهابية. في الأسابيع القليلة الماضية كانت هناك عدة عمليات تفجير عبر وضع عبوات ناسفة في أماكن مختلفة.. في سيارات، وسقط عدد من الضحايا بسبب هذه الأعمال الإرهابية. لكن هذا لا يعني أن نتوقف عن عملية المصالحة، وإنما يعني أن نلاحق هذه الخلايا النائمة، وقد تمكنا من إلقاء القبض على عدد كبير منها.. ومع ذلك هي مازالت موجودة. ربما خلية واحدة تقوم بعدد من الأعمال التي تُظهر أن هناك منظمة كاملة تقوم بها، ولكن هي خلية من مجموعة أشخاص عندما تلقي القبض عليها تستعيد الأمان. لكن هذا التحدي سيبقى مستمراً، لأن الإرهاب لا يزال موجوداً في سورية، والدعم للإرهاب من الخارج لا يزال كبيراً، بالسلاح وبالمال.. فلن نتوقع أن نقضي على هذه الخلايا النائمة في الزمن المنظور، سنقضي على خلايا وستظهر هناك خلايا أخرى، حتى يعود الأمر إلى طبيعته في سورية.
السؤال الحادي عشر:
السيد الرئيس.. في غضون شهرين - إن لم أكن مخطئاً - ستُجري البلاد في هذه الظروف الصعبة انتخابات برلمانية.. إلى أي حدٍّ سيكون هذا صعباً؟ أم إنها ستتم كما هو مخطط لها ولن يوقفها أي شيء أو يعرقلها؟
الرئيس الأسد:
هناك دستور، ونحن دولة نخضع للدستور.. لا نخضع للتهديدات الغربية، لا نخضع للرغبات الغربية، ولا نخضع لأي عامل آخر سوى الدستور. لذلك في عدة مرات طُرح معنا تأجيل الاستحقاقات الدستورية، الرئاسية أو النيابية، ورفضنا خلال الحرب.. والانتخابات النيابية القادمة ستكون خلال أشهر قليلة، وسنستمر ضمن المواعيد المحددة بغض النظر عن أي شيء.
السؤال الثاني عشر:
تحدثنا عن الوضع الداخلي، فلنتحدث الآن عن المحيط الخارجي.. فقد تعرضت الجمهورية العربية السورية منذ عام 2011 لعزلة تم إحكامها بدقة، ليس فقط من الأميركيين والأوروبيين - الأمر الذي كان متوقعاً - وإنما أيضاً من جامعة الدول العربية والدول الأعضاء، بما فيها دول الخليج العربي. ونحن نعلم أن سفارة دولة الإمارات العربية فُتحت من جديد، كذلك عُمان لم تغلق سفارتها واستمرت في العمل، هل ترون أن هناك تغييراً إيجابياً ما من جانب العالم العربي أم إن الوضع لا يزال على حاله، والعزلة ما تزال مستمرة؟ وما أفق تواصلكم مع الاتحاد الأوروبي؟ ولن أسأل عن الأميركيين، فكل شيء تقريباً فيما يخصهم واضح مع الأسف.
الرئيس الأسد:
معظم الدول العربية حافظت على علاقاتها مع سورية، ولكن بشكل غير معلن خوفاً من الضغوط. وكانت هذه الدول تعبّر عن وقوفها إلى جانب سورية وتمنياتها بانتصارنا على الإرهابيين، ولكن الضغط الغربي، الأميركي تحديداً، كان شديداً على هذه الدول كي تبقى بعيدة وكي لا تفتح سفاراتها في سورية، وبشكل خاص دول الخليج.
أما أوروبا فوضعها مختلف تماماً، الحقيقة نحن بالنسبة لنا أوروبا منذ أكثر من عقد من الزمن، حتى قبل هذه الحرب، كانت غائبة عن الساحة السياسية العالمية. أوروبا لم تعد موجودة منذ عام 2003. بعد دخول أميركا إلى العراق، استسلمت أوروبا كلياً للدولة الأميركية، وأصبحت فقط منفذة لما تُكلَّف به من الحكومة الأميركية. فسواء تواصلوا معنا أم لم يتواصلwوا النتيجة نفسها.. إن فتحوا السفارات أو لم يفتحوها لا قيمة لهذا الكلام، لأننا التقينا بعدد من المسؤولين الأمنيين من معظم الدول الأوروبية وتكلموا كلاماً موضوعياً، ولكنهم غير قادرين على التبديل، والبعض منهم قال لنا صراحة نحن لا نستطيع أن نغير.. السياسيون لدينا لا يستطيعون أن يغيروا سياساتهم بسبب ارتباط السياسة الأوروبية بالسياسة الأميركية. هم صعدوا إلى الشجرة ولم يعودوا قادرين على النزول عنها بكل بساطة. فلذلك الحقيقة نحن لا نضيّع وقتنا في الحديث عن الدور الأوروبي والسياسة الأوروبية. السيد هو السيد الأميركي، نستطيع أن نتحدث عن الأميركي فهذا يعني أوتوماتيكياً الأوروبيين. لكن جواباً عن سؤالك، نعم هناك تغير، هناك قناعات واضحة بأن هذه الحرب لم تحقق ما تريده تلك الدول، أو بعض الدول الاستعمارية، وبأن من دفع الثمن هو الشعب السوري، ومن دفع الثمن هو الاستقرار، ومن دفع الثمن الآن هم الأوروبيون.. مشكلة اللاجئين في أوروبا مشكلة كبيرة، ولكنهم لن يغيروا في المدى المنظور. هذه قناعاتي.
السؤال الثالث عشر:
الآن تركيا تبتزّ أوروبا بالمهجّرين، وهو ما يقوم به أردوغان حالياً..
الرئيس الأسد:
تركيا الآن بدأت بإرسال الدفعة الثانية من اللاجئين، كنوع من الابتزاز لأوروبا، وأردوغان هدد سابقاً بأنه سيرسل لاجئين، وأمس كانت هناك فيديوهات منتشرة في وسائل الإعلام المختلفة حول بدء حركة اللاجئين باتجاه أوروبا.
السؤال الرابع عشر:
تطرقتم في أحد أجوبتكم إلى العلاقة مع روسيا، ونحن نعتبرها علاقة شراكة.. ولكن هذه العلاقة مرت بسنوات صعبة، وذلك عندما حدَّت روسيا من وجودها في الشرق الأوسط وفي مناطق أخرى من العالم. حيث اعتبر الكثيرون ذلك خيانة، وأن روسيا أدارت ظهرها لحلفائها وشركائها القديمين. الآن كيف تصفون هذه العلاقات التي تعززت بشكل طبيعي خلال تسع سنوات من الحرب؟ بالنظر إلى أن خصومنا الذين سبق وذكرناهم، بمن فيهم الأوروبيون والأميركيون، الذين هم «ألسنة شريرة» - كما يقال باللغة الروسية- يزعمون بأن سورية خاضعة لسيطرة روسيا. فهل هذا صحيح في الواقع؟ إذ إننا من جانبنا نعتبر هذه العلاقة شراكة تحالف..
الرئيس الأسد:
عمر العلاقات بيننا وبينكم الآن أكثر من ستة عقود، وهي فترة ليست قصيرة. أنا أتحدث عن أجيال عدة، فإذاً نحن نعرف بعضنا بعضاً بشكل وثيق، وهناك تجارب مختلفة مرت بها هذه العلاقة، كل هذه الظروف التي مرت بها، بما فيها فترة التسعينيات، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، كانت العلاقة بيننا وبين روسيا علاقة احترام متبادل، أي هناك ندّية، لم نشعر بيوم من الأيام حتى في هذه الحرب بأن روسيا تحاول أن تفرض رأيها علينا. كانوا دائماً يتعاملون معنا باحترام، وحتى عندما نختلف كانوا يحترمون رأي الحكومة السورية. هذه قاعدة عامة عبر العقود الماضية لم تتغير.. لها علاقة بالعادات والتقاليد والمفاهيم الروسية. فإذاً على مستوى العلاقات الثنائية، العلاقة بين سورية وروسيا هي علاقة شراكة بكل وضوح، وخاصة الآن بعد الحرب.. هذه الشراكة أصبحت أقوى وأكثر وثوقيةً. أما لو أردنا النظر إلى العلاقة مع روسيا من جانب آخر، وهو الدور الدولي لروسيا، فالموضوع مختلف.. اليوم كثير من الدول الصغرى، وحتى متوسطة القوة في العالم، تنظر لدولة روسيا، وتستند للدور الروسي بشكل كبير، لأن واجب روسيا اليوم هو إعادة التوازن الدولي إلى الساحة الدولية، وجود القاعدة العسكرية الروسية في سورية ليس الهدف منه فقط محاربة الإرهابيين، وإنما إيجاد توازن دولي سياسي في مجلس الأمن، وعسكري في المناطق المختلفة، لاستعادة الدور الروسي. استعادة هذا الدور تخدم كل الدول.. سورية والدول الصغرى الأخرى والدول المتوسطة كما قلت، فهناك جانبان ننظر منهما إلى هذه العلاقة، علاقة شراكة على المستوى الثنائي، وعلاقة استناد إلى هذا الدور الدولي الذي نأمل أن يبقى في حالة صعود كما نراه الآن بعد أن أتى الرئيس بوتين إلى الرئاسة في عام 2000، واستعادت روسيا موقعها.
السؤال الخامس عشر:
نحن الآن نتحدث عن الدعم العسكري السياسي، فماذا عن الاقتصاد؟ وبالعودة إلى موضوع إعادة إعمار سورية، هل ثمة مشاريع روسية ضخمة - أو غير روسية - تساعد في إعادة الإعمار؟ هل هناك جهة جاهزة للقدوم والاستثمار في الاقتصاد السوري ولا تخشى العقوبات أو المشاكل السياسية من جانب الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا؟ على سبيل المثال، كانت توجد في حلب صناعة دوائية رائعة أعطت منتجاتها لكل الشرق الأوسط، وأنتم كطبيب تعرفون ذلك.. فهل هناك أفكار لإعادة الإنتاج الصناعي في المجال الدوائي أو غيره من المجالات؟ وإلى أي حد ستؤثر قلة الموارد في هذه المشاريع الاقتصادية بالنظر إلى أن النفط الآن خارج سيطرة الدولة، وتتحكم به جهات أتت من وراء المحيط الأطلسي، وأقامت قواعدها هناك بزعم حماية النفط؟
الرئيس الأسد:
عندما بنينا البنية التحتية في سورية في السبعينيات والثمانينات، لم يكن لدينا نفط في ذلك الوقت، فالبنية التحتية السورية بنيت بالأموال السورية وبالقدرات السورية. فإذاً لدينا الإمكانيات ونستطيع أن نؤمن موارد. بالوقت نفسه هناك الكثير من رؤوس الأموال السورية داخل سورية، ومعظمها الآن خارج سورية، ستأتي بكل تأكيد للمساهمة في هذه العملية. لكن منذ عام 2018 كانت هناك رغبة كبيرة من شركات كبرى خارج سورية، عربية وغير عربية، للمساهمة في عملية الإعمار. الذي حصل هو أن الضغوط والتهديدات الأميركية للأفراد وللشركات كانت كبيرة، وهذا أخاف عدداً من الشركات، وهذا يحصل حتى بالنسبة للشركات الروسية.. عدد من الشركات الروسية التي ترغب بالاستثمار في سورية تخشى القيام بأي خطوة.. أيضاً الشركات الصينية في الإطار نفسه. لكن كل شيء له حل، ما حصل مؤخراً أن عدداً من الشركات الكبرى والعالمية بدأت تأتي إلى سورية بطرق مختلفة تتمكن خلالها من أن تتلافى هذه العقوبات. إذاً أصبحت هناك إمكانية لدخول هذه الشركات من دون أن تتعرض للعقوبات، لا يمكن أن نتحدث طبعاً ما هذه الأساليب والوسائل، ولكن بدأنا الآن نرى بداية عودة للاستثمار من الخارج.. صحيح أنها بطيئة ولكنها بداية جيدة على ما أعتقد، أو بداية واعدة لعملية الإعمار التي بدأنا بها ولم ننتظر.. بدأنا بها في بعض المناطق، ولكن عندما تتوسع لا بدّ أن يكون هناك عدد أكبر من الشركات والاستثمارات.
السؤال السادس عشر:
ما المجالات التي يمكن أن تعتبروها أولوية والأكثر جذباً للمستثمرين؟
الرئيس الأسد:
طبعاً أهم شيء هو إعادة إعمار الضواحي المهدمة، هذا الشيء ستكون له أولوية على ما أعتقد للشركات الاستثمارية، وهذا ما رأيناه من خلال الرغبات التي طُرحت علينا من قبل الشركات. هذا المجال رابح بشكل أكيد، لكن هناك المجال الآخر وهو مجال النفط والغاز، في سورية.. هو مجال رابح أيضاً. والآن هناك عدد من الشركات الروسية التي بدأت العمل في سورية خلال الأعوام القليلة الماضية وبدأت بالإنتاج، وحالياً تقوم بخطط لزيادة الإنتاج. العائق الأكبر في التوسع في هذا المجال هو احتلال الإرهابيين والأميركيين أهم المواقع التي تتوضع فيها آبار النفط في سورية. وطبعاً الأميركي يعرف هذا الكلام لذلك هو يريد أن يعيق عملية إعادة الإعمار من خلال احتلال آبار النفط، فإذاً هذان المجالان هما الأهم، وطبعاً هناك مجالات كثيرة يحتاجها أي مجتمع، ولكن قد تأتي بأهمية أقل بالنسبة لتلك الشركات.
السؤال السابع عشر:
كما نعلم، فإن هناك مشكلة كبيرة ناتجة عن تجميد أموال الجمهورية العربية السورية في البنوك الخارجية، وهل من الصعب تمويل بعض العقود بسبب ذلك؟
الرئيس الأسد:
صحيح، هذه عملية سرقة بكل معنى الكلمة.. ولكن إذا سُرقت الأموال فهذا لا يعني أن نتوقف كدولة وكمجتمع عن إنتاجها، لدينا القدرات، وهذا أحد أسباب قدرتنا على الحياة بعد تسع سنوات من الحرب، فإذاً لدينا قدرة وهم يعرفون تماماً إذا توقفت الحرب كلياً، فالمجتمع السوري قادر على النهوض وبقوة، وسيكون أكثر قوة من قبل الحرب في المجال الاقتصادي. لذلك هم لجؤوا إلى تهديد الشركات الخارجية والداخلية، بمعنى إذا كنت أنا كمواطن سوري أريد أن استثمر في سورية فسأتعرض للعقوبات، ومنع وصول الواردات النفطية إلى سورية، والأهم من ذلك استمرار الحرب.. الأمر الذي يخيف الشركات من المجيء إلى سورية. إذا زالت هذه العوامل الثلاثة، لا توجد لدينا أي مشكلة في إعادة إعمار البلد. لدينا موارد قوية في سورية، بشرية ومادية، ولدينا أصدقاء أوفياء أيضاً كروسيا وإيران سيقومون بمساعدتنا.
السؤال الثامن عشر:
السيد الرئيس، نحن بشكل عام تحدثنا عن إدلب، وتطرقنا إلى موضوع حقول النفط وراء الفرات التي يسيطر عليها الأميركيون، ونحن نعلم أنه في دمشق كل 4 ساعات تقطع الكهرباء، ونعرف أن محطات الكهرباء تعمل على الأغلب على المشتقات النفطية. هذا الأمر، السيطرة على النفط والمشتقات النفطية، عامل حاسم للاقتصاد السوري. هل لديكم مخطط ما لاستعادة السيطرة على مناطق شرق الفرات؟ كيف ستسيرون في هذا الاتجاه؟
الرئيس الأسد:
من الناحية العسكرية، الأولوية الآن لإدلب، لذلك ترى أن أردوغان زجّ بكل قوته، وطبعاً بتوجيه من الأميركيين، لا شك بذلك، لأن تحرير إدلب يعني أن نتوجه لتحرير المناطق الشرقية. وأنا قلت في أكثر من مرة إن إدلب من الناحية العسكرية بالنسبة لهم هي مخفر متقدم، لذلك هم وضعوا كل قوتهم لإعاقة التحرير في إدلب لكيلا نتوجه شرقاً. لكن بالتوازي، إن لم نكن قد بدأنا حرباً في المنطقة الشرقية فنحن نتواصل مع المواطنين، وهناك استياء كبير وغضب من قبلهم تجاه الاحتلال الأميركي، وهذا طبيعي، وتجاه المجموعات التي تعمل لمصلحة الأميركيين.
أعتقد أن هذا الغضب سيتصاعد تدريجياً، وستبدأ هناك عمليات مقاومة ضد المحتلين. ومن واجب الدولة الوطني والدستوري، أن تدعم أي عمل يتم ضد أي قوة محتلة. وأعتقد مع الوقت عندما لا يكون لديهم جمهور يقف معهم، أي مع الأميركيين، وإنما جمهور يقف ضد الاحتلال الأميركي، لن تكون هناك إمكانية للبقاء.. لا من أجل النفط، ولا من أجل دعم الإرهابيين كـ «داعش» و»النصرة»، ولا لأي سبب آخر. والشيء نفسه طبعاً لا ننسى التركي الذي يحتل القسم الشمالي من الأراضي السورية، إن لم يخرج بالتفاوض السياسي، فلا بد أن يخرج بالقوة. هذا ما سنقوم به، هذا هو الواجب الوطني أيضاً لنا كسوريين.
السؤال التاسع عشر:
من الجيد أننا وصلنا إلى هذا الموضوع الصعب، إذا تحدثنا عن الأكراد الذين يعيشون في شرق وشمال شرق البلد، الذين من المحتمل أن يكونوا غير راضين عن الأميركيين والأتراك، وخاصةً الأتراك، وهناك عداوة قديمة بينهم، وعلاقة دمشق معهم صعبة بسبب كونهم انفصاليين، ووقفوا إلى جانب الولايات المتحدة في وقت ما، وأصبحوا حلفاء لها. والسؤال هنا يتعلق بإعادة توحيد الجمهورية العربية السورية وإعادة دمج أراضيها ضمن حدودها القانونية. كيف ستبنون سياستكم فيما يخص الأكراد؟ مع العلم أن دمشق كادت تتهمهم بالخيانة لأنهم وقّعوا اتفاقاً مع الأميركيين. هل لديكم خطة فيما يخص ذلك؟ ما ثمن دمجهم؟ ما الذي يمكن أن تقدموه للأكراد؟ وما الذي لا يمكن تقديمه لهم؟
الرئيس الأسد:
نحن نتواصل مع المجموعات الكردية السياسية الموجودة في المنطقة الشمالية من سورية، ولكن المشكلة هي أن بعض هذه المجموعات، وليس كلها، تعمل تحت السلطة الأميركية. نحن لا نقول الأكراد، لأن الجزء الكبير من الأكراد هم من المجموعات أو العشائر الوطنية السورية الذين وقفوا مع الدولة، ولكن هذه المجموعات ليس لها صوت. من يسيطر على المنطقة هم مجموعات صغيرة تعمل مع الأميركيين.
بالنسبة لما يسمونه أحياناً «القضية الكردية»، لا شيء اسمه القضية الكردية في سورية، لسبب بسيط.. هناك أكراد يعيشون في سورية تاريخياً، ولكن تلك المجموعات التي قدمت إلى الشمال أتت خلال القرن الماضي فقط بسبب القمع التركي لها واستضفناهم في سورية، وأتى الأكراد والأرمن ومجموعات مختلفة إلى سورية.. ولم تكن هناك مشكلة. لا توجد مشكلة سورية - أرمنية مثلاً، وهناك تنوّع كبير في سورية.. لا توجد لدينا مشكلة معهم، فلماذا تكون المشكلة مع الأكراد؟! المشكلة هي مع المجموعات التي بدأت تطرح طروحات انفصالية منذ عدة عقود.. بشكل أساسي في بداية الثمانينات. ولكن عندما قامت الدولة التركية في مراحل مختلفة بقمع وقتل الأكراد في تركيا، نحن وقفنا معهم، لم نقف ضد قضيتهم إذا كانوا يسمونها قضية.
في سورية أخذوا جنسية، وهم لم يكونوا سوريين بالأساس، إذاً كنا دائماً إيجابيين تجاه الموضوع الكردي، وما تسمى «القضية الكردية» هي عبارة عن عنوان غير صحيح، عبارة عن عنوان وهمي كاذب.
المشكلة في الوقت الراهن هي التعامل مع الأميركي، الأميركي محتل.. احتل أراضينا، والأميركي لصٌّ يسرق النفط السوري. لا يمكن أن تكون في الوسط بين من يحمي القانون وبين من يخالف القانون، لا يمكن أن تكون مع الشرطي بالوقت نفسه مع اللص.. إما أن تكون مع الشرطي أو مع اللص. هذا كلام مستحيل. فلا يمكن أن نصل لنتائج في أي حوار معهم لو التقينا آلاف المرات، إلا عندما يحددون موقفاً واضحاً، وهو موقف وطني، أن تكون ضد الأميركي، ضد الاحتلال وضد التركي لأنك أيضاً ضد الاحتلال.. التركي محتل والأميركي محتل. هذا هو مطلبنا بكل بساطة، هو موقف وطني، لا يوجد لدينا شيء خاص نحن كحكومة مسؤولة عن الدستور وعن مصالحنا الوطنية، وكل الشعب السوري لا يقبل منهم إلا أن يكونوا ضد الاحتلال. أي شيء آخر، إذا كانت لديك مطالب أخرى، فكل الشعب السوري لديه مطالب مختلفة.. كيف نصل إلى نتيجة؟ نتحاور، وعندما نتحاور نحدد هل نغيّر الدستور؟ هل نغيّر القانون؟ هل نغيّر أي إجراءات أخرى؟ هذا ممكن.. هذا حوار سوري - سوري.. ولكن الحكومة في سورية لا تملك الدستور، الشعب هو الذي يملك الدستور، وهو الذي يغيّر الدستور.
السؤال العشرون:
إذا أخذنا بالاعتبار ما يحصل في إدلب والذي تحدثنا عنه في بداية اللقاء، وأن تركيا تعتبر واحدة من الخصوم الأساسيين للأكراد، فهل تغويكم فكرة المصالحة مع الأكراد انطلاقاً من هذه الأرضية؟ يمكنكم ألا تجيبوا عن هذا السؤال إن رغبتم.
الرئيس الأسد:
بالعكس هذا سؤال منطقي، ولكن هذه المجموعات الكردية التي تقول إنها ضد الاحتلال التركي، وتصدر البيانات بأنها ستقاتله، عندما دخل التركي لم تطلق طلقة واحدة، لماذا؟ لأن الأميركي هو من حدد أين يدخل التركي.. ما حدود المنطقة التي يصل إليها.. وأين تخرج هذه المجموعات، فهل نتفق على البيانات أم نتفق على الأفعال؟ نحن نريد أن نتفق على الأفعال. بالبيانات هم قالوا إنهم ضد التركي، ولكنهم الآن لا يقومون بأي شيء ضده على الإطلاق، هم حياديون، هم يسايرون الأميركي والتركي، نحن فقط كحكومة سورية وباقي شرائح الشعب السوري من يقاتل التركي ويخسر شهداء في كل يوم، أما عدا ذلك فأنا متفق معك.. لو قالوا نحن سنتفق معكم ضد التركي سأقول لهم نحن جاهزون، أرسلوا لنا مقاتلين لنبدأ القتال معاً وندافع عن أرضنا.
السؤال الحادي والعشرون:
في هذه المنطقة يوجد أيضاً لدى الجمهورية العربية السورية عدو آخر قديم جداً، والذي يذكّر بنفسه دائماً، وهو «إسرائيل» أو كما تسمونها هنا الكيان الصهيوني، كيف تنظرون إلى صفقة القرن «العظيمة» التي أهدانا إياها الرئيس الأميركي دونالد ترامب؟ إلى أين يمكن أن توصلنا؟ لا أقصد أن أؤثر بأي شكل على جوابكم، إنما أذكر فقط بما يتم النقاش حوله في روسيا، بأن الصفقة هي ببساطة طريق مسدود نهائياً كحل للقضية الفلسطينية.
الرئيس الأسد:
علاقاتنا مع الولايات المتحدة عادت في عام 1974 أيام نيكسون، ومنذ ذلك الوقت التقينا عدداً كبيراً من المسؤولين الأميركيين في الحكومة والرؤساء وأعضاء الكونغرس، وتعلمنا شيئاً وحيداً هو أن أي شيء يقوم به السياسي الأميركي، هو بالدرجة الأولى لخدمة مصالحه الشخصية المرتبطة بالانتخابات القادمة.. لا يفكر بالمصلحة الأميركية الكبرى.. لا يفكر باستقرار العالم.. لا يفكر بقانون دولي.. لا يفكر بحقوق الشعوب، هذا الموضوع غير موجود بالنسبة لهم في السياسات، هم يفكرون بانتخاباتهم فقط، لا شيء آخر. بالنسبة لصفقة القرن، قُدّم هذا الطرح في هذا الوقت فقط من أجل الانتخابات الأميركية القادمة.. الانتخابات الرئاسية في نهاية هذا العام. فإذاً الفكرة ليس لها معنى.. الفكرة فارغة.. الفكرة إذا طُبقت هي ليست ضارة، بل هي مدمرة لمنطقة الشرق الأوسط ومدمرة لعملية السلام التي انطلقت في بداية التسعينيات، لكن متى تنجح فكرتهم؟ ومتى تفشل؟ ستنجح إذا وافقت الشعوب هنا في هذه المنطقة على نجاحها. لو عدت لكل التصريحات الحزبية والرسمية والشعبية، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، هناك رفض كامل لهذه الخطة، بما في ذلك من الدول والحكومات الحليفة لأميركا، ومن الدول والحكومات التي لها علاقة مع «إسرائيل.» فإذاً نستطيع أن نقول: إنها مولود ميّت.. خطة ولدت ميتة، ربما يتمكن ترامب من الاستفادة منها في انتخاباته المقبلة خاصة لإرضاء اللوبي الموالي لإسرائيل في الولايات المتحدة، ولكن بعد هذه الانتخابات ربما لن نسمع عن صفقة القرن حتى الانتخابات القادمة.. سيكون هناك صفقة أخرى أسوأ منها للانتخابات القادمة.
السؤال الثاني والعشرون:
شكراً جزيلاً سيادة الرئيس، لدي سؤال أخير، ربما أكثر عاطفيةً.. إلى أيّ حدّ كانت هذه السنوات التسع صعبة من الناحية النفسية بالنسبة لكم؟ إلى أي حد كانت صعبة بالنسبة لعائلتكم؟.. زوجتكم أسست وتدير واحدة من أكبر الجمعيات الخيرية في سورية التي تقدم الكثير للأطفال والجرحى ولإعادة الحياة الطبيعية.. أدرك أنني ربما أطرح هنا أسئلة محرجة، وأعتذر عن ذلك.. ولكن إلى أي حد عانيتم ضمن عائلتكم مما يحدث؟ وعندما تراجعون ما قمتم به خلال السنوات التسع الماضية.. هل تقولون لأنفسكم إنكم لم تقوموا بما يجب القيام به في بعض الأمور، أو أنه حصل هناك خطأ في هذا الجانب، وصواب في جانب آخر.. وأنه كان يجب فعل المزيد؟
الرئيس الأسد:
هناك جانبان لهذا السؤال، هناك جانب رسمي، عندما أفكر بهذه الحرب من خلال موقعي الرسمي أو موقعي كمسؤول، وهناك الجانب الشخصي.
أولاً: بالنسبة للموقع الرسمي، أول ما تفكر به في مثل هذه الحالة هو حماية الوطن، هذا هو واجبك كمسؤول في الدولة، وهنا نأخذ مثالاً أنتم تعيشونه كتراث هو الحرب الوطنية العظمى في روسيا.. كانت علاقاتكم جيدة مع ألمانيا، كأي دولة، وكانت هناك اتفاقيات، وعلاقات ولقاءات وكل شيء طبيعي، ولم تقوموا بأي عمل ضد ألمانيا، ومع ذلك قام النازيون بالهجوم على روسيا وخسرتم حوالي 26 مليون شهيدٍ وربما أكثر، ولكن هل كان هناك خيار سوى أن تدافعوا عن وطنكم؟ لا، هذا هو الخيار الوحيد. القرار الذي اتخذته القيادة الروسية في ذلك الوقت هو قرار صحيح ووقف معه الشعب الروسي ودافع عن بلده.. هل هناك أخطاء أخرى؟ طبعاً، كل عمل فيه أخطاء، هل هناك قرارات سياسية أو عسكرية كان يمكن أن تكون أفضل؟ بكل تأكيد، أي شيء فيه ثغرات وأخطاء. الشيء نفسه لدينا في سورية، القرار الذي اتخذناه منذ اليوم الأول هو أن نحافظ على استقلالية القرار السوري، وأن نقوم بمحاربة الإرهابيين حتى آخر إرهابي وما زلنا مستمرين، أنا أعتقد بعد تسع سنوات بأننا لو سرنا في اتجاه آخر كنا خسرنا الوطن منذ اليوم الأول، فلذلك هذا القرار كان صحيحاً، أما الأخطاء بالأمور اليومية فطبعاً هي موجودة بشكل مستمر، وكلما كان هناك خطأ، علينا أن نقوم بإصلاحه ونغيّر القرار، هذا هو الشيء الطبيعي.
أما من الناحية الشخصية، فهنا يكون شعورك كمواطن.. فدائماً أي إنسان يكون له طموحات تجاه وطنه، وخاصة أننا قبل الحرب كنا نتقدم في مسيرة نمو متصاعدة.. وكانت البلد تتطور بشكل سريع، صحيح كان لدينا مشاكل كثيرة لأن عملية الإصلاح عندما تسير بسرعة فلديها أيضاً سلبيات.. ربما يكون الفساد، ربما يكون الأخطاء في السياسات، ولكن بالمحصلة كانت القدرات الوطنية تتحسن وتتطور. عندما ترى أنك بعد تسع سنوات عدت إلى الخلف كثيراً من الناحية الاقتصادية والتقنية والثقافية والتعليمية فلا شك أنك ستشعر في لحظات معينة بالإحباط على المستوى العائلي وعلى المستوى الشخصي. بكل تأكيد نستطيع أن نقول بالمحصلة: إن أي حرب مهما كان سببها ومهما كانت نتائجها هي شيء سيّئ جداً، لا يمكن أن يكون شعورك إيجابياً تجاه أي حرب، دائماً تشعر بالألم وبالإحباط، دائماً أفضل الأشخاص تخسرهم يومياً، الموارد تخسرها يومياً، فبكل تأكيد هذا نوع من الألم الذي تعيش معه يومياً على المستوى الشخصي، ولكن بالوقت نفسه هذا الألم يجب أن يكون هو الدافع وهو الحافز لكي تعمل أكثر، ولكي يكون لديك الثقة والأمل بأنك قادر على أن تعود أقوى وأفضل من قبل.
الصحفي:
أكدتم مرة أخرى أن إنساناً مثلكم لا يمكن أن يكون لديه موقف سوى موقف رجل دولة، لأن وجهات النظر هذه هي ما تكون عليه وجهات نظر ومواقف رجل الدولة.
شكراً جزيلاً سيادة الرئيس لأنكم وافقتم على هذه المقابلة، اليوم كان معنا رئيس الجمهورية العربية السورية بشار الأسد، كان هذا برنامج الاستعراض الدولي. أنا يفغيني بريماكوف، أتمنى لكم كل الخير والتوفيق.
الرئيس الأسد:
شكراً لكم.