أقرأ ولا أفهم لكنني أجد آخرين يقرؤون مثلي ويدعون مثلي أيضاً أنهم لا يفهمون، وقد يحتجون، لكن أصحاب الجرائد يمضون في نشر (القصائد) النثرية غير مبالين، مؤمنين أن هذا هو الشعر المتطور.
عنّ لي أن أجرب حظي في كتابة قصيدة طابعها مبهم وكلماتها غامضة وموضوعاتها غير مترابطة كأنها صيغت كلمة من الشرق وأخرى من الغرب، حتى أصبح مشهوراً، وأحمل على كتفي لقب شاعر بامتياز!
جلست أكتب بعد أن «صفنت» طويلاً، ونفخت نفخة تطبخ طبخة:
(ضفدعة تنق..وهي خرساء
الغيم يملأ السماء
أصوات الجن تأكل السمع
لست أدري لماذا أنا منشرح الصدر جداً..
كحمامة تركت بيضها في العش وطارت..
آه يا صديقي كم أنا مشتاق إليك..
أريد أن أراك فلماذا تضن علي ، بمرأى سحنتك؟
أصافحك وأنت تنق كضفدعة خرساء
قرأتها عدة مرات لمست فيها ما أريد من غموض وإبهام وعدم ترابط فقلت لنفسي: هذا هو المطلوب كشعر في هذا الزمان، لكنني كنت قلقاً ؟ ترى هل يفهم صاحب صفحة (الشعر) أن هذا شعر جادت به قريحتي، أم أنه يقرأ أبيات قصيدتي العصماء فيقهقه ويعرف أو بالأحرى يخمن أن صاحبها موهوب جديد بل شاعر من شعراء هذا الزمن الأخير؟
أرسلت القصيدة إلى صحيفة مسائية تمتلئ بقصائد من النوع نفسه، المتطور الذي لا يعبأ بوزن أو قافية أو روي أو موسيقا، لأنه كباقي شعراء الزمان الأصيل لايؤمن بكل هذه الخزعبلات بل يؤمن بأن للقصيدة موسيقاها الداخلية، التي على القارئ أن يشارك الشاعر في استنباطها وبذلك يكون أول (شاعر) يشارك المتلقي في عملية الخلق الفني، ويكون بذلك غير أناني أو متمسك بفنه.
مضت أيام ولم تظهر قصيدتي العصماء فشابني شيء من الحزن، كيف لا ينشرونها وهي درة من درر موهبتي المتفجرة التي ولدت في ذلك المساء يوم اكتشفت أنها الضفدعة الخرساء تنق نقيقاً متواصلاً، وقررت أن أرسلها سريعاً إلى جريدة أخرى مملوءة بقصائد النثر التي تشبهها، لكنني فوجئت في مساء اليوم التالي أن القصيدة تتصدر صفحة الشعر مع كلمة من المحرر يطري فيها على هذه الموهبة الجديدة التي اكتشفتها الصحيفة والتي تعتبرها من الاكتشافات المهمة في الشعر الطلق الجديد، ففرحت جداً لا بالقصيدة فقط بل بالإطراء أيضاً الذي جاء من قلم ناقد همام رفعني إلى الأعالي.
وهكذا بين ليلة وضحاها وبسبب قصيدتي العصماء أصبحت شاعراً يشار إليه بإصبع من الأصابع الخمسة!!
ومجنون يحكي وعاقل يسمع