إلى حقوق الإنسان وصولاً إلى مواجهة الارهاب بالدمار وشريعة الغاب فإن جميع المعطيات تبدو صارخة التناقض إلى حد تجاوز كل التوقعات.
وهذه المعطيات تدعو الجميع إلى الصحوة من أحلام اليقظة التي بدأت تتهاوى على وقع الاستهداف الإجرامي المدمر لكل حقائق الحياة والحقوق الأولى لإنسانية الإنسان على الأرض العربية.
وفي العدوان على لبنان وغزة وما سبق من اعتداءات وما يحضر للآتي من الأيام وما رافق ويرافق العدوان من مواقف ومخططات تهدف إلى هزيمة الروح وقتل الإرادة ومصادرة حق الوجود لأبناء الشرق بشكل عام ولأبناء الأمة العربية وقضيتهم الجوهرية بشكل خاص، إن في ذلك كله ما يدعو إلى مراجعة جادة ومسؤولة لمجمل المواقف الغربية وخفاياها تجاه العروبة وقضاياها.
فما جذور تلك المواقف الأوروبية المتلونة؟ وما الأبعاد الكامنة وراء هذه المواقف؟!
ليس في الأمر إشكالية، وليست الإجابة معجزة على الإطلاق، فمن يقرأ تاريخ العلاقة بين الغرب والمشرق العربي لابد أن يمسك بكثير من الخيوط الخفية وغير الخفية لهذه العلاقة والتي تمتد منذ بدايات القرن التاسع عشر ولا تزال مستمرة حتى يومنا هذا بأسماء وألوان وأشكال وأحجام من التأثر والتأثير الذي يطفو على السطح في بعض الأحيان أو يغيب وراء جدران المشاريع أحياناً أخرى.
والموقف الأوروبي من العرب والعروبة ومن المشرق والمشرقيين على اختلاف ولاءاتهم وانتماءاتهم واحد من حيث المبدأ ولكنه متعدد الأساليب وفق معطيات الزمان والمكان والأنظمة السائدة في تلك البلدان.
لقد بدأت العلاقة الأوروبية مع العرب على قاعدة الروح الاستعمارية الاستغلالية القائمة على مبدأ التفتيت والتشتيت لإضعاف الموقف العربي في مواجهة الدور الأوروبي على الأرض العربية.
ومن هذه المرحلة الاستعمارية بدأ تطبيق (سايكس بيكو) والبدء بتطبيق وعد بلفور على حساب العرب وحاضرهم ومستقبلهم، وهنا يكمن الخطر الأكبر والاستغلال المشين لواقع عربي رسخ المستعمرون قواعده وآلياته ورسموا خطوط تطبيقاته.
وبالرغم من كل ذلك لايزال البعض منا مهووساً أو ممسوساً بالغرب وحضارته التي كادت أن تدمر العالم من خلال حربين عالميتين لا يستطيع أحد أن يمحوها من ذاكرة التاريخ والحياة، كما لا يستطيع أحد أن ينكر الارتدادات الكارثية على مستوى العالم بأسره!! وبالعودة إلى الإنجاز الأوروبي الأخطر في تاريخ المشرق العربي ألا وهو إقامة الكيان الصهيوني ودعمه بجميع الوسائل والإمكانات ليكون رأس حربة المشروع الغربي في تمزيق المنطقة واستمرار استعمارها واستثمارها بأشكال متجددة تتخذ من الخداع والتضليل وسيلة في حضور الموقف العربي المتضامن، أو تمارس الدعم المفتوح والمفضوح للعدوان الصهيوني الارهابي عندما يضيع الموقف العربي في متاهات التمزق والانقسام.
ومن هنا فإن أبعاد مواقف الغرب لم تخرج في يوم من الأيام عن منطلقاتها الداعية إلى السيطرة بشكل كلي أو جزئي بالمشاركة مع قوى الهيمنة الأميركية الجديدة التي بدأت مسيرة التفلت من جميع الالتزامات الدولية والأخلاقية منذ تراجع المد الشيوعي والدور الاشتراكي في أواخر القرن الماضي.
ويبدو هذا الموقف أكثر وضوحاً ووقاحة في مرحلة العدوان الإجرامي على غزة وما رافقه وما تلاه من مواقف اسهمت بمعظمها في تبني العدوان والعمل على فرض شروطه وتحقيق ما عجز العدوان عن تحقيقه وإطلاق رصاصة الرحمة على حقوق الإنسان التي لا تشكل في حقيقة السياسة الغربية سوى مادة دعائية وسوقاً استثمارية في أحسن الأحوال.
ولم يكن العدوان الإجرامي على غزة سوى صورة أخرى للعدوان على لبنان.
وثمة أمر آخر في جذور وخلفيات الموقف الغربي يصل إلى حد الصفقة السرية حيناً والعلنية حيناً آخر بين الغرب والصهيونية، ويتبلور في التلاقي على نفس الأهداف والغايات وإن اختلفت المظاهر والتكتيكات بحيث يشكل كل من الموقفين عنصراً ضاغطاً من أجل الآخر وليس عنصراً ضاغطاً عليه، ولا يجوز لأحدهما الخروج من الصفقة كي لا تهتز الصورة وتسقط الأقنعة عن دعاة الحضارة «الأورو -صهيونية» التي أغرقت العالم بأكاذيبها وأضاليلها الإجرامية منذ ما يقرب من قرن من الزمان دون حسيب أو رقيب. ومن هنا نستطيع أن نتلمس حقائق الموقف انطلاقاً من وعد بلفور المشؤوم مروراً بالمال الألماني المسموم والدعم الأميركي المحموم في عصر عربي مقسم لم يبق لنا فيه لولا بقية من إرادة مقاومة وموقف تركي متميز وانتفاضة أميركية لاتينية غير مسبوقة.