ولا سيما أن الحروب التي تم شنها تحت هذا الهدف لم تعط إلا المزيد من الخسائر، وازدياد مظاهر التعصب، وتراجع قيم العدل والتسامح، وكذلك سياسات القوة، والحرب الاستباقية، وتجسيدها بشعار: الحرب العالمية على الإرهاب كل هذه الأمور بات النظر يتجه إلى التغيير الكامل في التوجه نحوها، وحتى في المصطلح حيث ترى إدارة أوباما وجوب التوصل إلى بدائل للحرب العالمية ضد الإرهاب بالقتال الطويل الأجل ضده، وليس حرباً بلا نهاية.
وفي إعلان عن البيت الأبيض جاء فيه أن الرئيس أوباما يرى أن إغلاق معتقل غوانتانامو سيجعل أميركا أكثر أمانا، وسوف يساعد على محاربة الإرهاب بطريقة فعالة عبر العالم، وفي تحليل لوكالة رويترز رأت أن الإدارة الأميركية الجديدة لم تسقط عبارة الحرب ضد الإرهاب من مفرداتها لكنها تحاول الحد من استخدام هذا التعبير عمداً من أجل تحسين صورة الولايات المتحدة في الخارج وخصوصاً في العالم الإسلامي، وفي هذا الموضوع قال: ديفيد غرينبرغ المؤرخ وخبير الاتصالات بجامعة راتجرز في نيوجرسي: (قد يكون الحد من استخدام مصطلح الحرب ضد الإرهاب رمزياً، لكنه مؤشر إلى أن أوباما جاد بشأن تجنب نوعية السياسة الخارجية التي كان ينتهجها الرئيس بوش والتي أثبتت أنها كانت السبب في الكثير من الانقسامات.
وفي مؤتمر الأمن الدولي الخامس والأربعين الذي انعقد في المدينة الألمانية (ميونيخ) أكد الرئيس ساركوزي أن روسيا لا تشكل تهديداً عسكرياً للاتحاد الأوروبي، وحلف الأطلسي، وإنما هنالك مشكلة ثقة بين الطرفين يجب العمل على استعادتها، وفي المؤتمر ذاته أكد سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي استعداد بلاده لمواصلة السير على طريق تقليص، وتقييد الأسلحة الهجومية الاستراتيجية بعد أخذ مصالحها الأمنية بعين الاعتبار، وخلال المؤتمر فهم أن الولايات المتحدة الأميركية بإدارتها الجديدة تتجه إلى البحث في العدول عن قرار نصب صواريخ تابعة لمنظومة الدرع الصاروخية الأميركية في شرق أوروبا.
وحال تأكيد هذا التوجه ستعيد روسيا حتماً النظر بنشر صواريخ اسكندر في كالينينغراد قرب حدود الاتحاد الأوروبي، ومن الواضح أن الرئيس أوباما يبدي ميلاً واضحاً إلى حل المشكلات في العلاقات بين واشنطن وموسكو من خلال الحوار، وفي هذا الخصوص يؤكد المحللون الاستراتيجيون أن مجيء أوباما إلى البيت الأبيض قد أعطى دفعاً قوياً لتعافي العلاقة بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا، ولهذا الحال منعكسه الإيجابي الكبير في نسف ذهنية التمحور، وإظهار ذهنية التحاور، فالتمحور بنتائجه كلها ستكون الحروب، أما التحاور فهو السبيل الوحيد لعلاقات دولية متوازنة ومتكاملة المصالح والمنافع.
وفي مسألة أفغانستان انتقد شيفر الأمين العام لحلف الأطلسي (الناتو) تردد أوروبا في التجاوب مع الدعوات الأميركية لإرسال المزيد من القوات إلى أفغانستان، وفي المؤتمر ذاته لمؤتمر الأمن في ميونيخ قال شيفر: (ينبغي أن يكون هناك طريق ذو اتجاهين لإعادة التوازن إلى العلاقة بين الولايات المتحدة الأميركية، وأوروبا، وأضاف أنه يشعر بالقلق من عدم رغبة أوروبا التخطيط لإرسال المزيد من الجنود إلى أفغانستان، فالالتزام الذي تظهره أميركا يستبعده الأوروبيون من خيارهم، وليس هذا بالأمر الجيد بالنسبة للتوازنات السياسية، واختتم شيفر بأن تعزيز القوات العسكرية في القوة الدولية المساهمة في إرساء الأمن في أفغانستان (إيساف) لا بد أن تتزامن مع جهود مدنية، فالشراكة الأطلسية لا يمكن أن تكون قوية إلا إذا تحملت ضفتا الأطلسي قسطيهما من العبء.
ومن جهته أكد الجنرال المتقاعد جيمس جونز مستشار الأمن القومي الأميركي أنه يجب على حلف شمال الأطلسي أن يوافق على استراتيجية شاملة لأفغانستان قبل اجتماع قمة الحلف المقررة في نيسان 2009 وأضاف جونز أن المشكلات في أفغانستان تحتاج إلى ما يتجاوز الرد العسكري..).
وقد عرضت (فورن أفيرز) في دراستها للوضع ما بعد العراق أن إدارة أوباما يجب أن تجد السبل للتعامل البناء مع إيران، ولحلول جديدة لعقد اتفاقيات نهائية بين الإسرائيليين والفلسطينيين وخاصة أن الوقت سيكون ضد أوباما إذا لم يسارع لإيجاد حلول لهذه المشكلات طالما أن هيبة، ومكانة أميركا آيلة إلى ضعف في العالم بعد سنوات من الفشل، والانجراف وراء أوهام القوة، وهذا الحال بدوره يؤكد ضرورة التركيز على الدبلوماسية كأداة لسياسة الأمن القومي الأميركي، فالولايات المتحدة لا يمكنها إنجاز أهدافها من دون تأييد حلفائها الإقليميين بالإضافة إلى الصين، وأوروبا، وروسيا.
وتشير دراسة (فورن أفيرز) إلى أن إدارة بوش قد كسبت الكراهية وتراجع دورها في العالم العربي والإسلامي لاستخدامها الحرية، والديمقراطية بطريقة خاطئة إضافة إلى استعمالها للمعايير المزدوجة في التعامل مع قضايا المنطقة والعالم. فالخطوات الأهم التي يجب أن تتبعها إدارة أوباما هي الرؤية الصحيحة لمرحلة ما بعد العراق، وتكريس الانتباه إلى القضايا الإقليمية الأخرى، وعدم استعمال المعايير المزدوجة.
أما على صعيد الصراع العربي ضد إسرائيل فالواضح أن مرحلة ما بعد غزة تلقي بظلالها الخطيرة على الانتخابات الإسرائيلية المبكرة القادمة، وها هي هآرتس تقول: (التهديد بحرب جديدة على غزة لكسب الانتخابات من قبل الثلاثي: أولمرت، باراك، ليفني) وبهذا الخصوص قال عكيفا ألدار في صحيفة هآرتس: (بعد أن انهار اختراع الاحتلال المتهور فوق رؤوس الآلاف من المدنيين جاءنا الرأس اليهودي ليبتدع اختراعاً جديداً هو إسقاط حماس، أما إسحق ليئور فقد كتب يقول: حرب غزة زادت من عنصرية الشارع الإسرائيلي الذي يصفق للجرائم بلا خجل ولا أخلاق، وصار يعتبر كل شيء مباحاً). ويؤكد المحللون لانتخابات إسرائيل القادمة أنها تقوم على أمور أربعة: الخوف، الكذب، العنصرية، وتشتيت الانتباه. فإذا كان العالم اليوم بحاجة ماسة إلى الحوار، والمشاركة والسلام، والتعايش الآمن فهل تقلع إسرائيل عن العمل من أجل فرض سياسة المحاور من أجل التقدم نحو إحقاق السلام العادل والشامل؟!! إن تاريخها لا يمنحها الثقة بها.