|
الفـســــــــــاد.. في الثلاثـــــــاء الاقتصــــــادي ..الرشاوى والموارد الضريبية مصادر لتمويله ..وارتباطه أكبر بالمناقصات اقتصاديات
فإذا كان الباحث الدكتور حسين القاضي صاحب الخبرة الطويلة في المجال الاقتصادي آثر عدم الخوض في تعريفات الفساد فقد اعترف بأن هذا المصطلح بات الاكثر شيوعاً حيث تعددت اشكاله بدءاً من استخدام المنصب العام للمصالح الخاصة والتهرب من تحمل المسؤولية أو التضحية بفرص تنعكس على المصلحة العامة. مؤكداً أنه ليس بالضرورة ارتباط الاساءة بالمصلحة العامة بتقاضي الرشاوى والأتاوات فقط ورغم تعداده للكثير من مظاهر الفساد المألوفة حذر الباحث القاضي من أن تتحول أجهزة الرقابة الى أجهزة لحماية الفاسدين وأداة بيد المفسدين والآن هذا الامر من شأنه أن يجعل عملية الاصلاح الاقتصادي أكثر صعوبة ويعرقل التنمية الاقتصادية ويرفع تكاليف الاستثمار مما يؤدي الى هروب مزدوج للاستثمارات والكوادر الادارية والكفاءات المحلية فتتراجع معدلات النمو وتتم حالة الكساد وتزداد معدلات البطالة مع اتساع دائرة الفقر. وأضاف : إن دراسة ظاهرة الفساد تشير الى أنها كانت أكثر ارتباطاً بالعطاءات أو المناقصات التي تعرضها الجهات الحكومية المختلفة تنفيذاً لموازنة الدولة سواء كان المتعاقدون ( دافعو الرشاوى) محليين أو شركات دولية.. ومع ذلك فإن الشعب السوري المعتز بالقيم الوطنية والاخلاقية يرفض القبول بثقافة الفساد. الباحث القاضي عرض لأهم اسباب تنامي ظاهرة الفساد في وقتنا الحاضر مشيراً الى ما تعرض له الاقتصاد السوري خلال العامين 1975-1980 تحديداً والخطة الخمسية الرابعة وما نجم عنها حيث شهدت سورية المزيد من الانفاق الاستثماري على الخطة بفعل الظروف الاقتصادية والسياسية حيث كانت الشركات الأوروبية الموردة تتعرض لطلب دفع الرشاوى حتى أنها اطلقت على أحدهم في ذلك الوقت لقب السيد (10٪) وقد أدى ذلك الى تشييد بعض المشروعات بتكاليف مرتفعة جداً كما حدث أن تم تركيب آلات قديمة عوضاً عن الآلات المتفق عليها وكان المأمول أن ترفع هذه الخطة من الانتاج والناتج القومي بعد تنفيذها بفعل ما تقدمه من انتاج يزيد الصادرات ويخفض الواردات لكن ما حدث كان مختلفاً فانخفضت القوة الشرائية لليرة وارتفع معدل صرف الدولار الامريكي الى حوالي عشرة أضعاف وارتفعت الاسعار وفقدت بعض السلع من السوق واتسعت قاعدة الفقر. ولم يكن موظفو الجمارك المستفيد الأكبر من تهريب السلع بل صار الموظف العادي يألف اقتصاد الظل الذي يعتمد على الفساد. ومع توسع الدائرة انتقل الفساد الى الدوائر الضريبية ليمتد الى المحاسبية القانونية متوجاً اشكال الفساد الاداري بالتأثير على البيانات المتعلقة بموازنة الدولة وقيام مراقبي الدخل بالاشتراك بلعبة الفساد. وتابع القاضي تأكيداته بأن الفساد لم يولد مع الخطة الخمسية فقط لكنه تفاقم ليصبح ظاهرة حظيت بترحيب العناصر المستفيدة في النظام الاداري وفتحت المجال لاقتصاد الظل الذي سببته الأزمة الاقتصادية. وفي رده على سؤال افتراضي يقول أين تذهب أموال الفساد؟ جاءت الاجابة لتفرق بين الاموال التي تذهب لتغطية مخالفات بسيطة تساعد على تحسين مستوى معيشة المستثمرين من الفساد دون أثر جوهري على الحركة الاقتصادية وبين الفاسدين الكبار الذين يفضلون الصفقات الكبيرة وهم قليلو العدد ولهم تأثير جوهري في الحياة الاقتصادية وأموالهم تذهب الى البنوك الخارجية للاستفادة من شعار السرية المصرفية.. وآثار ذلك مدمرة لأنها تحرم اقتصاد الوطن من ثرواته والملفت أن بعض جماعات الفساد فضلت استثمار أموالها في الداخل لعدم شعورها بالأمان في الخارج ولخبرتها في السوق المحلية. أمام ذلك قدم الباحث جملة من الآراء لمواجهة الظاهرة حددها بضرورة شفافية موازنة الدولة وتدعيم استقلال أجهزة الرقابة العليا وتقوية السلطتين القضائية والاعلامية واصلاح نظام الاستثمار.. الباحث سنان علي ديب وهو أيضاً كان محاضراً في الندوة أكد أن عالمية الفساد لا تبرر وجوده في مجتمعنا على الاطلاق إلا أنه قسم الفساد الى تصنيفات منها العرضي والمؤسساتي ومنها المنظم ومنها الصغير والكبير والمحلي والعالمي. أما مظاهر الفساد ففي مقدمتها الواسطة والمحسوبية والمحاباة الادارية والرشوة والتهريب وهناك الفساد في هدر المال العام والفساد الاداري والاختلاس والتهرب الضريبي والاحتكار والتزوير والتقاعس بآداء المهام أما أسباب انتشار الفساد فهي اقتصادية تجسدها ضعف الرواتب والاجور مقارنة مع تكاليف المعيشة ومنها اداري يتمثل في سوء الادارة وتعقيد القوانين وضعف الاجهزة الرقابية والتفتيشية وغياب المعايير في انتقاء العاملين في الادارات والوظائف العليا وبرأي الباحث علي ديب أن مواجهة انتشار الفساد تكون بالتوصل لاستراتيجية شاملة للمعالجة تتضمن اصلاح منظومة الرواتب والاجور واصلاح القطاع العام والوصول الى جودة الخدمات مؤكداً أن عملية الاصلاح الاقتصادي لا تكتمل دون الاصلاح الاداري والتشريعي والتخلص من المركزية والدعوة الى تشكيل لجان مستقلة لانجاز عملية الاصلاح. وقفة مع المداخلات أجواء الندوة عكست اهتمام المتابعين فالدكتور محمود زنبوعة أول المتحدثين اشاد بالتحليل الكمي الذي قدمه الباحث القاضي مشيراً الى أن الفساد كالمنشار صاعداً يزيد النفقات وهابطاَ يأكل الايرادات ويزيد العجز في حين قدم نبيل نصار رأياً يشير الى أن تراكم الأعمال لسنوات عديدة لأي نظام اداري يأتي بالفساد والمعالجة تكون بايجاد نماذج واجراءات لها مدخلات ومخرجات للسنوات القادمة. الدكتور أكرم الحوراني سأل عن عدد اللجان التي تعد مسودات التشريعات واصرارها على كلمات مثل يجوز.. يمكن.. يحق . وعاطف الطيب دعا الى اعادة احياء ديوان المحاسبة وعدم ارتباطه بالجهات التنفيذية وقدري جميل رأى أنه لم يعد بالامكان أن يترافق الفساد مع النمو لأن الموارد خفت والامكانات ضاقت ومدخلات الاقتصاد قليلة وعلاج الفساد يكون بالقرار الحازم.. وفيصل سرور تحدث عن دور المستشارين المتعاقدين بعد التقاعد مع جهات ادارية مطالباً باستقلالية هؤلاء حتى لا يكونون سلاحاً بيد اداريين فاسدين. تصوير نبيل نجم
|