تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


لادماء من أجل النفط!

شؤون سياسية
الأحد 9/9/2007
حسن حسن

لم تنجح الحرب على العراق في قيادة انقلاب طاقة في العالم, وظلت خريطة الطاقة العالمية على حالها.. واستمر (الشرق الأوسط)

حاكماً بأمره في هذا المجال. وتؤكد الدراسات أن الشرق الأوسط سيظل سيد الموقف في مجال إنتاج وتصدير الطاقة لعدة قرون قادمة. هذا باختصار, خلاصة ما توصل إليه مايكل كلير في كتابه (دم ونفط) الصادر عن دار الشرق للطباعة والنشر.‏

ولعل الاستنتاج الأهم الذي يراه مؤلف الكتاب هو تنامي دوامة العنف في مرحلة تلاشي المواجهة بين القوى العظمى. إذ ساد الاعتقاد أن نهاية الحرب الباردة سوف تجلب للعالم سلماً واستقراراً عظيمين. وذلك لأن العديد من النزاعات خلال الحرب الباردة: على سبيل المثال في كوريا وفيتنام وأميركا الوسطى ارتبطت بالعلاقات العدائية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي, لذا كان من الطبيعي افتراض أن العنف العالمي سوف يتضاءل حالما تنهي القوتان العظمتان عدائيتهما, حتى أن الرئيس بوش الأب بشر بنظام عالمي جديد تحل فيه الخلافات العالمية من خلال الدبلوماسية والحفاظ المشترك على السلام. إلا أن النظام العالمي الجديد لم يتحقق أبداً.‏

ويرجع الكثير من المراقبين أسباب ذلك في (سياسات الهوية): التأكيد على الروابط العرقية والطائفية والقبلية, التي برزت إثر تلاشي الايديولوجيات وعدم التوازن العالمي. غير أن مايكل كلير يخالفهم الرأي, معتبراً أن الموارد وليس الخلافات بين الحضارات أو الهويات هي أساس معظم الصراعات المعاصرة. والشواهد كثيرة, ففي أنغولا وسيراليون كانت الرغبة في السيطرة على مناجم الألماس السبب في استمرار حمامات الدم لفترة طويلة, وفي بورنيو وكمبوديا الغابات. ومما لا شك فيه أن العدوانية العرقية والدينية لعبت دوراً في التحريض على هذه المواجهات واستخدمها رؤساء القبائل وأمراء الحرب الغوغائيون الذين كانوا يرغبون في السيطرة على الثروة.‏

لقد كان النفط سبباً هاماً للصراعات خلال القرن العشرين- وكذلك كانت المياه والأراضي والفلزات المعدنية. إلا أنه يبدو الآن- في القرن الحادي والعشرين, أن النفط تجاوز قدرته الموارد الأخرى في إشعال عنف مسلح. وذلك لوجود علاقة مركزية فبين النفط الرخيص والوفير بنمو الاقتصاد الأميركي والمحافظة على (النمط الأميركي في الحياة). وعلى الرغم من أن إنتاج النفط وتكريره يشكل جزءاً صغيراً من الناتج المحلي (5 بالمئة) إلا أنه لا بد من توفير كميات كبيرة من النفط الرخيص نسبياً للصناعات الأخرى, بما في ذلك مصانع السيارات وإنشاء الطرق والطيران والبيتروكيميائيات والزراعة والسياحة والتجارة الريفية. وإذا أخذنا كل ذلك بعين الاعتبار, فإن هذه القطاعات تشكل قلب الاقتصاد الأميركي, ولا يمكن لها ولا لنمط الحياة الأميركية الاستمرار بالحياة دون توفر نفط رخيص.‏

وحيث إن توفر النفط الرخيص هو أمر أساسي لحيوية الاقتصاد الوطني, فقد شعر قادة أميركا- بغض النظر عن انتماءاتهم الحزبية, أنهم ملزمون بالقيام بكل ما من شأنه ضمان توفير كميات كافية لمواجهة المتطلبات المتزايدة دوما. وعليه, فقد أصبح يعامل بطريقة مختلفة عن السلع الأخرى, كذلك يعتبر النفط في التصريحات الرسمية العلنية مسألة (أمن قومي) أي مسألة تقع تحت رعاية وزارة الدفاع والأجهزة الأخرى المسؤولة عن حماية مصالح أميركا الحيوية. والجمهور بدوره يتسامح وعلى نطاق واسع بشأن استخدام القوة العسكرية لضمان تدفق النفط العالمي, طالما بقي النفط وفيراً وعدد الأميركيين الذين فقدوا حياتهم لضمان توفره بقي قليلاً. إلا أن الحادي عشر من أيلول, وما تلاه من أحداث, بدل كل ذلك. وقد صار الآن كل شيء واضحاً, فمواطنو الولايات المتحدة تعرضوا إلى خطر إرهاب عظيم وصدام مرتبط بالنفط بدرجة أكثر مما يتوقعها المرء وأن هذا الخطر يتنامى.‏

وهكذا يصبح العنوان الرئيسي للعبة هو احتياطي النفط, وحجر الزاوية لهذا الاحتياطي موجود في (الشرق الأوسط).وتسيطر دول الخليج على 65 بالمئة من احتياطي العالم, أو ما يقارب 600 مليار برميل.‏

إن من يسيطر على هذه الاحتياطات يسيطر بالنتيجة على اقتصاد العالم, وهذا ما يفسر الخطة التي كان بموجبها على الولايات المتحدة أن تستخدم قوتها في (الشرق الأوسط) ونفوذها المتزايد في آسيا الوسطى لتتحكم بإمدادات النفط بالنسبة إلى اقتصاد الصين المتزايد بسرعة هائلة. نتيجة لذلك, فإنه لا بد للتنافس العالمي على نفس الموارد غير الموثوقة من أن يشتد.‏

خلاصة الأمر, كما يرى المؤلف, أن الأميركيين يدركون اليوم أن الاعتماد المتزايد على النفط سوف يعرضنا لخطر أعظم في التدخل بصدامات النفط الأجنبية- لقد صرخ العديد من المشاركين في التظاهرات التي قامت ضد الحرب بعد غزو العراق عام 2003 وحملوا شعار (لا دم من أجل النفط) إلا أن السياسيين والمتفلسفين ينكرون وجود أي علاقة بين الدم والنفط. وقد قال المتحدث الرسمي في البيت الأبيض آري فليشر أواخر عام 2002 أن (المصلحة الوحيدة للولايات المتحدة في منطقة الخليج هي جلب السلام والاستقرار, وليس قدرة العراق على إنتاج النفط) وعندما تسارعت الخطا نحو الحرب أعلن وزير الدفاع دونالد رامسفيلد أن (الأمر ليس حول النفط, وأي شخص بذلك يفهم الوضع بشكل سيئ).‏

إننا نعلم أن هذه التصريحات لا يمكن أن تحمل الحقيقة- يكذبها كل تاريخ تدخل أميركا في منطقة الخليج- إلا أن معظمنا تنقصهم المعلومات ليروا الطريق عبر هذه التناقضات.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية