إيهود أولمرت أبلغ في مؤتمر صحفي (3/9/2007) بأن حكومته التي تنظر بخطورة إلى تواصل عمليات إطلاق الصواريخ ستواصل ضرب المستويات القيادية الأعلى التي توفر الرعاية للخلايا العاملة على ضرب إسرائيل, وإذا كان أولمرت قد جدد بذلك الالتزام بمواصلة سياسة الاستهداف (النقطية) في مواجهة القياديين الفلسطينيين, وهو منهج سبق لأستاذ علم الاجتماع في الجامعة العبرية البروفيسور باروخ كيمرلينغ أن وصفه بأنه (تصفية) الغاية منه القضاء على المستوى القيادي الفلسطيني من جهة, وإرهاق المؤسسات الفلسطينية من جهة أخرى, فإن أولمرت لم يجد مفراً من الاعتراف, وهو يتحدث في مؤتمر صحفي مع المستشار النمساوي, بأنه (حتى لو دخل الجيش إلى قطاع غزة فإن ذلك لن يحل المشكلة, لأن الصواريخ كانت تطلق باتجاه المستوطنات بينما كان الجيش الاسرائيلي في القطاع).
بعد أن أحكمت حركة حماس قبضتها على قطاع غزة وما أعقب ذلك من تطورات سعى الإسرائيليون إلى تحقيق جملة أهداف منها: تعزيز الانفصال القسري بين الضفة والقطاع, وقد تحولا إلى كيانين متباعدين جغرافياً, ما يعني أن هناك نية إسرائيلية للإبقاء على التاريخ بعيداً عن الجغرافيا, والذي يعني أن التعامل مع السكان هناك, وهم الذين يصنعون التاريخ, باعتبارهم أفراداً وليسوا جماعة أو كتلة بشرية ذات حقوق سياسية, وهذه كانت واردة لدى المخطط الإسرائيلي منذ أن سجلت حركة حماس فوزاً لافتاً في الانتخابات التشريعية التي جرت يوم 25 كانون الثاني ,2006 خاصة وأن كلا من (فتح) و(حماس) منذ شكلتا حكومة الوحدة الوطنية لم تمارسا سلطة فعلية موحدة, بل على النقيض من ذلك كان التناحر بين الطرفين يحول دون ممارستهما سلطة فعلية تشير إلى أنهما تمثلان كياناً واحداً. إذاك كانت فتح تمارس سلوكاً يشي بأنها لم تستوعب إخفاقها في الوصول إلى مبتغاها في الانتخابات, ومن شأن هذا السلوك أن فتح الباب أمام الجهات الدولية لمواصلة حصارها الذي فرضته على الشعب الفلسطيني عندما تبين أن ممارسة عقوقه الديمقراطي لم تحقق المبتغى الذي كانت الولايات المتحدة ترجوه: (نشر الديمقراطية يساعد على تحقيق السلام ) بين الشعوب. وإذا كان صموئيل هنتنغتون قد أشار إلى ذلك في حديثه عن صراع الحضارات, وهي نظرية تبناها بنيامين نتنياهو في كتابه (مكان تحت الشمس ) جاعلاً من عدم شيوع الديمقراطية في المنطقة سبباً لعدم الدخول مع دولها في اتفاقات سلام, وهي نظرية تهاوت عندما أدرك هنتنغتون أن الدول التي وسمها بالديمقراطية يمكن أن تدخل في حروب بينها, مفسراً هذا التطور السلبي باعتباره حنيناً لأيام (النضال).
كان ما جرى في غزة مدعاة للدول المانحة والمتحالفة مع الولايات المتحدة لتواصل حصارها على حكومة هنية في حين رفعت القيود التي فرضت بداية على السلطة الفلسطينية على تباعد إقليميها الجغرافيين : الضفة والقطاع.
أن تواصل حماس سيطرتها على قطاع غزة من شأنه أن يخلق, على ما يقوله شلومو بروم الباحث في (معهد دراسات الأمن القومي) في جامعة تل أبيب, وضعا تزداد فيه مكتسبات الحركة, التي ترفض الاعتراف بخارطة الطريق أو القبول بما بات يعرف بشروط الرباعية الدولية التي تقضي بأن يتم نزع سلاح الفصائل الفلسطينية باعتبار ما تقوم به إرهاباً, وهذا الوضع بقدر ما يبعث على القلق لدى اسرائيل, فإنه في الوقت عينه كفيل بإطلاق يد اسرائيل في عمليات تستهدفها, كما أشار اولمرت في مؤتمره الصحفي, ما يستدعي قيام المقاومة الفلسطينية بعمليات مضادة.
وهكذا فإن الوضع الناشئ سيضع حركة حماس أمام الاختبار الجماهيري: هل تستطيع الصمود إزاء ما تتعرض إليه من ضغوط خارجية, وهي إسرائيلية أولاً?, وهل يمكنها أن تطبق القانون وتحفظ الأمن والنظام? نكاد أن نجزم أن قطاع غزة يتعرض يومياً لهذا الاختبار.
الاختبار الذي تتعرض له حماس ليست ساحته قطاع غزة وإنما الضفة الغربية, إذ المطلوب من الحركة أن تثبت أنها قادرة على حفظ الأمن الداخلي في وقت تحرص فيه سلطات الاحتلال على مواصلة عملياتها في مدن الضفة وأريافها, ذلك أن الضفة الغربية في النهاية هي أرض الصراع من حيث إن اليهود يزعمون أن لهم فيها تاريخاً يقولون إنه عمر طويلاً وكان ارئيل شارون قد ترجم هذه المزاعم عند زيارته موسكو في تشرين الثاني عام 2002 بقوله: إن (الضفة الغربية أرض يهودية وعدنا بها الرب والفلسطينيون فيها سكان مؤقتون) بمعنى أنه لن يكون هناك سلام يمكن للمهرولين نحو وعوده أن يدركوه. وقد ترجم إيهود أولمرت هذا التوجه وهو يتحدث عن عمليات متواصلة ضد المستوى القيادي الفلسطيني في القطاع, وهو لا يرى في ذلك تصعيداً بل عمليات عسكرية متواصلة ضد الفصائل الفلسطينية المسلحة, التي قال متحدث بلسان الجيش الإسرائيلي: إنها تواصل القيام بعمليات استفزاز محدثة عدم استقرار في المنطقة.
ومهما كانت التوصيفات التي يطلقها العدو الإسرائيلي على ما تقوم به المقاومة, فإنه من نافلة القول أن نشير إلى أن المستفيد الأول, إذا كان هناك أكثر من مستفيد, مما جرى في الضفة والقطاع, هو إسرائيل التي يكابر من أنكر أنها كانت ضالعة في ما شهدته وتشهده الساحة الفلسطينية من أحداث وصراع بين رفاق السلاح.
* باحث فلسطيني