ومجسدة لتبعاتها بالشكل الأكثر ايضاحاً، هنا يقترب العرض من الواقع بمشهدية مدهشة، مهما ظهر الأسلوب مبهجاً، حيث يبدو وجهاًً مختلفاً لحزن صنعه ذلك الواقع المرير، إنه الابداع الحقيقي الذي تميز به العرض (فانتازيا الجنون) على صالة مسرح الحمراء بدمشق, تأليف عبد الفتاح قلعجي,إعداد وإخراج الفنان حسن ادلبي، غلب على العرض الطابع الاستعراضي، إذ استخدم جميع أشكال الفنون، الرقص والغناء والموسيقا، مضافا الى الدراما، محافظا على مضامين العرض التي تحلت بأبعاد, أبحرت بدقة في كل مجالات حياتنا....
يدور العرض (فانتازيا الجنون) في عوالم متشابكة بعيدا عن المباشرة، لينسج فضاءاته الدرامية وفق محاور، واسعة الطيف في أبعادها، وقد استطاعت أن تدخل مساحات مختلفة، قاربت أفكارا معاصرة وحالات عايشناها بدءا من القضايا المصيرية في المجال السياسي والاجتماعي والوطني، وانتهاء بمكنونات النفس البشرية, التي انطلق منها العرض الى عالمه الخاص، ليقدم مجموعة من القراءات التي ارتبطت بالواقع وقضاياه المختلفة، فاقترب من معالجة ما يخص السياسات الغربية التي تحاول العبث بمصائر الناس في عالمنا العربي، وصنع الفوضى في كل مجالاته الثقافية والحياتية والنفسية، والتي تسعى بشكل أو بآخر الى الخراب على جميع الصعد، وفي كل الاتجاهات، وقد اعتمد العرض على مجانين قدموا افكارهم بتجرد مطلق، وذلك من خلال مجموعة من المجانين الذين هربوا من مشفى الامراض العقلية, وقاموا بتجسيد عرض مسرحي قدموا عبره حكايا عديدة، اقتربت من واقع حياتنا بشكل كبير وأثر الحرب، ولم يتجاهلوا شيئا, بدءاً من حضور الجنرال الامريكي الذي يحيك المؤمرات ويصنع الفوضى التي تؤدي الى الخراب، إلى شخصية المهرج الذي يكشف كل شيء، دون أن ينسى العرض إظهار قوة المرأة السورية ومقدرتها على مجابهة الحياة مهما كانت قاسية.
قدم العرض وقائع وحقائق على لسان المجانين كما هي دون تزييف أو مجاملة أو خوف, لتكون صورة دقيقة عن الواقع الحقيقي، وقد استفاد العرض من صفات الشخصيات الدرامية تلك، حيث لا محسوبيات ولا خوف ولا قيود، فاستفاد من الصفات التي أبعدته عن إمكانية الفبركة، لتنطق شخصياته بعفويتها الاجبارية بكل ما هو صادق، وهذا ما وظفه العرض ووجهه بالشكل المراد عبر بيئة درامية، استثمرت صفات شخصياتها بتميز، لتقديم كل ما هو واقعي بعفوية مطلقة، وتضيء على معطيات تاريخية وحياتية على غاية من الدقة... وهكذا ليكشف العرض بطريقته غير المباشرة حقائق كثيرة.