من الناحية السياسيّة ومن الناحية الاقتصاديّة بالنظر لموقع مالي في وسط إفريقيا وغناها بالموارد الطبيعيّة ( الذهب والمنغنيز ) ،حيث أعلن الرئيس الفرنسي / فرانسوا أولاند / في 13/ 1/ 2013 ، صراحة بضرورة التدخّل العسكري في مالي لمواجهة الإرهابيين ، وأعلن حالة التأهب في فرنسا لمواجهة هجمات قد تقوم بها تلك العصابات الإرهابيّة ، بعدما أعلنت تهديدها بالعمل في عمق الدولة الفرنسيّة .
ولم يكد الرئيس الفرنسي يعلن عن هذا التدخّل ، حتى بدأت الطائرات الفرنسيّة بالفعل تقصف مواقع المتمرّدين /الإرهابيين في مالي ، وبعدما طالب وهو في ( أبو ظبي) من دول الخليج مساعدته في مكافحة الإرهاب في مالي ، فيا للعجب ، يطلب من الخليجيين دعمه في مكافحة الإرهاب في مالي ، بينما طالبهم بدعم العصابات الإرهابية في سورية ..!! ولم يكتف بذلك ، بل وصل الأمر بحصوله على شرعنة مجلس الأمن بتدخّله في مالي ، وسط تأكيده في 19/ 1/2013 ، بأنّه سيستمرّ في مكافحة الإرهاب حتى يقضي عليه في هذا الجزء من العالم .
لقد سمحت فرنسا لنفسها التدخّل في دولة أخرى لمساعدة نظامها في مكافحة الإرهاب الذي يهدّده، وبتأييد أوروبي وأمريكي، بل وأممي أيضاً ، بينما تنكر حقّ الدولة السورية في مواجهة الإرهاب الذي يقتل ويفجّر ويخرّب المؤسّسات العامة والخاصّة ، منذ ما يقرب من سنتين . لا بل تطالب بالتدخّل إلى جانب هذه العصابات لإسقاط النظام في سورية . ففي مالي ، تسمّى العصابات المسلّحة، متشدّدين إرهابيين ، بينما تسمّى العصابات الإرهابية في سورية فصائل جهاديّة، أو انتفاضات ثورية تطالب بالحرية وتغيير النظام،مع أنّ الهدف واحد والأسلوب واحد، وقد يكون أشدّ إرهاباً في سورية . فهل يدرك هذه الحقيقة الرئيس الفرنسي المتهوّر، ووزير خارجيته / لوران فابيوس / الصهيوني الفاجر .
وإذا أعطى الرئيس الفرنسي الحق في مساعدة دولة ( مالي) على مقاومة الإرهاب ، وحذّر من امتداد خطره إلى فرنسا ذاتها ، فعليه أن يعترف بوجود الإرهاب في سورية، ويقرّ بحقّها المشروع في مقاومته أيضاً ، وفق القوانين الأخلاقيّة والشرعية الدولية في مكافحة الإرهاب ، وألاّ تكون الموازين مزدوجة في هذا الموضوع ، وبناء على معايير تفسّر الإرهاب وفق مصالح معيّنة ، ولا سيّما الدول التي ترعى الإرهاب والدول التي تدعمه . والسؤال الذي يوجّه هنا إلى الرئيس الفرنسي : ماذا لو انتقل الإرهاب فعلاً إلى فرنسا ، هل سترحّب به ، أم ستتّخذ كل ما لديك من الإجراءات الأمنية والعسكرية لردعه ومقاومته ؟
فسورية من أكثر الدول التي عانت من الإرهاب ، منذ بداية الثمانينات في القرن الماضي ، وطالبت في العام 1985 ، عقد مؤتمر دولي لتحديد مفهوم الإرهاب ، وكيفيّة التعامل معه . ولكنّ الدول التي ترعى الإرهاب لتوظيفه في خدمة مصالحها ، ولا سيّما الولايات المتحدة الأمريكيّة وحلفاؤها في أوروبا والكيان الصهيوني ، لم يوافقوا على هذا المؤتمر ، لأنّه يتعارض مع مفهومهم للإرهاب وازدواجيّة مواقفهم في مواجهته والتعامل معه .
وها هي سورية تواجه الآن أعتى أنواع الإرهاب ، الذي أصبح مكشوفاً تحت مسميّات متعدّدة ، من لواء التوحيد إلى لواء الإسلام ، وكتائب الرسول ، إلى جبهة النصرة التي أدرجتها الإدارة الأمريكيّة ( ولو ظاهريّاً ) على لائحة المنظّمات الإرهابية التابعة للقاعدة.. وغيرها من التنظيمات التي توظّف الإرهابيين المرتزقة ( الجهاديين) ، من بلدان مختلفة في العالم ، كشفت هوياتهم في سورية وفي وسائل الإعلام العالمية ، والأوروبية والأمريكيّة بشكل خاص . وقاموا بعشرات التفجيرات التدميرية في مناطق سورية متعدّدة ، وآخرها منذ أيام قليلة ، ما جرى في جامعة حلب في 14/1/2013، في اليوم الأول للامتحانات الفصلية، وبعده بثلاثة أيام في حي الكلاسة السكني عقاباً لقاطنيه الذين قاموا بمظاهرة تطالب برحيل العصابات الإرهابية من حيّهم .
ألا يكفي ذلك كلّه لتأكيد وجود عصابات إرهابية في سورية، مدعومة من قوى إقليمية ودولية ، لسفك الدم السورية وتخريب الدولة السورية ؟ ألا يحدو ذلك كلّه الدول التي تتّخذ مواقف مزدوجة من الإرهاب ، وفي مقدّمتها فرنسا ، أن تغيّر هذه المواقف ، وتعترف بخطورة الإرهاب على غيرها ، كما هو خطر عليها ؟ ولا سيّما أن الإرهاب ، كما يقرّ الجميع ، بأّن لا وطن له ولا دين ، وبالتالي أية دولة معرّضة لخطر الإرهاب ، إذا ما وجد فيها البيئة الحاضنة له ، والمشجّعة على أعماله الإجراميّة لمآرب خاصة .وبالتالي أن تعترف هذه الدول بحقّ أية دولة في مقاومة الإرهاب بالوسائل المختلفة ، كما هي الحال في سورية ؟ وإلغاء ازدواجيّة ( المسموح والممنوع ) ، وأن يكون المبدأ واحداً بالنسبة لجميع الدول، وهو : ( الإرهاب وباء قاتل أينما وجد ، ويجب منع انتشاره والتعاون على مكافحته ..!! ).