مستحيل أن تنسى موطنك الصغير و قارب سكينتك ، و لكن قد تحار وسط الركام و تضيع بين تضاريس الدمار .. ربما عليك أن تشرع برسم خارطة لحارتك في ذاكرة أصابها نكران للواقع .. أشباه بيوت و بقايا حارات و قصص عشق وطن آمن ترويها الأرصفة و النوافذ ، تقابلها تلال من الحقد الصارخ تقف متوعدة انتقاماً من أياد عابثة تمرست الارهاب و تأبُط البنادق العمياء و زرع العبوات البلهاء و غرس الخناجر في الخواصر ..
منذ متى لم تزره .. كيف تحولت من ساكن إلى زائر يلقي نظرة خاطفة و يمضي هارباً حاملاً روحه على كفه كثمرة مهترئة تتهاوى ألماً كل يوم ألف مرة ؟ .. هل اشتقت إلى بيتك و ذاب مفتاحه شوقاً إلى بابك ؟ .. ربما افتقدت قبضة الباب لبصمات أصابعك و حنت عتبته إلى وقع أقدامك و تراكض و ضحكات أطفالك !! زوايا باكية .. جدران و سقف .. أرائك و وسائد ما زالت رغم تراكم غبار الزمن و الهجران تحمل رائحتك المسافرة في الحقائب ، و الأواني تفوح بنكهات و بهارات طعامك الذي تركته على المائدة دون أن تتذوقه ، ربما عليك أن تقدم اعتذارك لنباتات شرفتك فقد أُجبرت على تركها وحيدة لليباس و الموت الاضطراري ، و تطلب عفو طيورك التي طال انتظارها ففارقت الحياة دون أن تشهد يوم لقائك ..
لست وحدك من يحزن و يشتاق .. لست وحدك أيها الإنسان من يملك الأحاسيس و المشاعر و يتعلق بالأماكن .. بل الحجر يتألم و كذلك الأثاث يعشق أصحابه ، لو تكلمت جدران البيوت المهجورة لباحت بوجع الفقدان ، بيوتكم اشتاقت لكم .. تصرخ تناديكم .. عودوا إليها ..