تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


16 فناناً وأكثر من مئة لوحة في معـرض جماعي بطرطوس القديمة .. تجارب متنوعة.. تبحث عن موقع على خارطة الفن التشكيلي

ثقافـــــــة
الأحد 27-1-2013
 محمد حسين

لاشك أن طرطوس قدّمت للحركة التشكيلية السورية العديد من الأسماء الهامة التي لها حضورها الفردي الخاص المميّز ولكن هذه المحافظة الساحلية الصغيرة لم تتبلور فيها حركة تشكيلية واضحة الملامح واقتصر الأمر على بعض المعارض الفنية القليلة نسبياً

التي يقيمها على الأغلب فنانون هواة في صالة خصصت لهذه الغاية تفتقر لأبسط مقومات صالة عرض للفنون الجميلة في المركز الثقافي العربي وبين الحين والآخر تقام معارض أخرى في صالة أثرية في طرطوس القديمة.. لا يقتصر نشاطها على هذه المهمة..‏

فتقام فيها عروض سينمائية وشعرية وما إلى ذلك.. بالإضافة إلى بعض ملتقيات النحت التي أقيمت على شاطئ البحر (الكورنيش) أو في بعض مناطق الريف..‏‏

من هنا يمكن تفهّم أسباب عدم تبلور حركة فنية تشكيلية في طرطوس.. رغم وجود الكثير من المواهب والكثير من المتابعين الذواقة لهذا الفن الجميل..‏‏

والمعارض التشكيلية على قلتها تشهد إقبالاً لافتاً من قبل الجمهور المتعطش لتذوق هذا الفن وآخرها المعرض الجماعي بمشاركة /16/ فناناً وفنانة من مختلف الأعمار والسويات الفنية التي يمكن أن تعطي الصورة الأوضح عن ملامح الحركة التشكيلية في طرطوس..‏‏

حيث يمكن تقسيم هذه المشاركات إلى ثلاثة طوابق الأولى وهي أعمال شبه احترافية تتكامل فيها عناصر اللوحة بشكل يجعل منها لوحات فنية متكاملة والثانية تجارب شابة خجولة لا تزال تبحث عن شكلها الأمثل وإن كان من يرسمها من كبار السن الهواة أو أطفال يشاركون للمرة الأولى.. والأخيرة اللوحات النحاسية التي تصور حالات وطقوس وشعائر دينية قد لا يمكن تسميتها بالعمل التشكيلي ولكنها أعمال جميلة ومن قام بها يملك الحرفية العالية..‏‏

والمعرض أقامه مرسم أورنينا بالتعاون مع جمعية العاديات في طرطوس تحت عنوان تحية للفنان نجيب داود في ذكرى رحيله و ضم المعرض مئة وثلاث لوحات لستة عشر مشاركاً تنوعت أعمالهم بين قلم الرصاص والقلم الأسود والباستيل والضغط على النحاس والتصوير الزيتي.‏‏

منظم المعرض الفنان جورج شمعون كان له رأيه الخاص في هذه الاعمال الذي يعكس حسّه الفني المسؤول تجاه هذه التجارب الفنية..‏‏

عن تجربة الفنان التشكيلي (علي فاضل) قال: نجد في أعماله خروجاً عن الواقع وانسحاباً إلى الداخل كضرب من ابتلاع سيكولوجي يستلهم فيه هواجسه الدفينة والأعماق المختلفة للعقل الباطن مستفيداً مما شاع من نظريات (فرويد) في علم النفس، وتجارب شخصية وأحاسيس شعرية وأحلام مكثفة، كما تمتزج في أشكاله الرومانسية العاطفية التشكيلية السوريالية ضمن أطر قريبة من الإيماءات الرمزية.‏‏

وعن مشاركة الفنانة (سمر دلا) قال: تعالوا ننصت إلى أعمالها بأعيننا مثلما أوصى (بول كلي) في عبارته الشهيرة (تعالوا ننصت إلى اللوحة بأعيننا).. فمن خلال ثلاث لوحات انفتحت نوافذها على صيغ جمالية اعتمدتها من نواظم فراغاتها المسكونة بلمسات حميمية.. إنها تقدم القيمة التشكيلية التي تختزن شاعرية الكرمة وورود الريف الساحلي الذي يملأ جو اللوحة عبق المكان.‏‏

أما المشاركة (علا يوسف) قالت: قدمت أعمالاً واقعية راعت فيها كل قواعد الظل والنور.. استطاعت أن تنقل إلينا سحر الطبيعة في كل فصولها.. تقول عن لوحة الغروب إنها لحظة الفصل والوصل بين الليل والنهار بين الأبيض والأسود وهل هناك معادل أكثر تلاؤماً من لون الليل مع لون النهار، أنا أريد أن أتمكن من الواقعية لأمتلك أدواتي ثم أختار الأسلوبية التي تتوافق مع رؤيتي الخاصة للأشياء.. لأن المضمون أحد أهم مقومات اللوحة خاصة أننا نعيش عصراً ينبغي أن يمثل فيه الفن الأفكار الرفيعة تمثيلاً حسياً.‏‏

والمشاركة (ولاء قليشة) وهي طالبة سنة ثانية في معهد الفنون بطرطوس اشتركت بخمس لوحات رسمتها بأسلوب أكاديمي.. الفن لديها أنيس وصديق يُجمّل أجواءنا الداخلية والخارجية ويخفف حدية الظروف ويُلطف تعقيد الواقع..‏‏

المشاركة (نور عبد القادر) طالبة سنة ثانية اقتصاد.... قدمت أربع لوحات اثنتين منهما بالزيت والأخرى بالرصاص كان مشروعها غاية في الروعة.. إذ إنها عالجت قضية الطفل بواقعية رومانسية... في اللوحة الأولى طفلاً يمد يده ورأسه من خلال ورقة بيضاء وفي يده ريشة ليرسم على الورقة طائر حمام.‏‏

أما اللوحة الثانية رسمت صورة لطفلة بالرصاص تحمل باقة ورد وطائر حمام يقترب من هذه الورود وفي أفق اللوحة غيوم تشكل رأس رجل.. إنها لوحة ابنة الشهيد التي استطاعت أن تعبر عنها بشفافية رائعة.‏‏

المشاركة (نور اسماعيل) عملت مشروعها بالضغط على النحاس وهذا النوع من الفن سوري بامتياز وقد عمل به العديد من فناني القطر.. إنه شرقي الإحساس وقد أجادت التعامل مع هذه المادة بإتقان فكانت اللوحات الخمس التي قدمتها تمثل العشاء الأخير وعربة الصيد عن آشور ناصر بال وعربة مار إلياس ولوحتين عن الأمومة.‏‏

والفنان التشكيلي جهاد شمعون يعيد الأيقونة إلى منبعها السوري حيث قدم ثلاث أيقونات بمادة النحاس ليكسبها عتق حضارة الشرق وبريقه من خلال تعتيق السطوح الغائرة عن طريق الأكسدة وتلميع السطوح النافرة لأنه قدّم أعماله على شكل (رولييف) أي طريقة النحت البارز الذي كانت تزيّن به قصور بابل ونينوى وآشور.. وكان تأكيده على الخط يتفق تماماً مع خطوط جداريات مملكة ماري.‏‏

المشارك الذي لم يتجاوز عمره ستة أعوام (جابر حسين) الذي أدهش كل زوار المعرض إنه يرسم بقلم أسود خطوطاً واثقة لأشكال حيوانية ونباتية وبشرية لكنها لا تشبه إلا أشكاله.... لقد تجاوز الفن التشبيهي للواقع.. يلجأ إلى الخيال والحلم فتراه يقفز إلى العالم اللاواقعي، وقد بدا ذلك من خلال حريته في تصوير الأشكال.‏‏

(مارسيل بريون) كشف الغطاء عن الردة إلى المنابع الكلاسيكية وأبان أن التجريدية التي لم تبحث عن المنطق بل عن اللاشيء.. لكننا وفي أعمال (الدكتور محمد الحاج صالح) نرى خلفية مليئة بالانفعالات اللونية يتقدمها تجريد نباتي مستمد من الزخارف النباتية العربية (كالنخيلة والنوارة والسبلة) ملونة بدفء ألوان الشرق, تحاكي الرقش العربي في بحثه عن الخصوصية داخل هذه الثنائيات و بذلك يفتح المجال لإبراز الإنفعالات الغامضة.‏‏

والفنان (فواز حسين) متفرداً بأسلوبه نازحاً إلى عوالم أعماله المحورة لتكون أجوبة على طوفان الحزن في مفرداته التشكيلية و التبسيط الذي تجلى في رسمه يقوم على الحذف والابدال والمجاز والتعادل. وهي سمات عرف بها الرقش العربي وفن الترقين عند الواسطي.‏‏

الدكتورة (غادة زغبور) أعمالها اتسمت بالواقعية الاجتماعية فكان لها ثلاث لوحات الأولى دراسة (اسكيتش) للمرحوم نجيب داود.. والمرأة السبعينية العاملة (عمريت) ولوحة (بيكاسو).. هي تعتبر أن مهمة الفن إيقاظ المشاعر الراقدة فينا ليضعنا في حضرة اهتمامات الروح الحقيقية.. فهو يحرك جميع المشاعر الإنسانية في عمقها وغناها وتنوعها.. وبدمجه كل ما يجري في المناطق الباطنة من النفس في حقل تجربتنا.‏‏

وعن تجربته يقول الفنان التشكيلي (جورج شمعون): لما كان الفكر يشكل ماهية الروح ومفهومه نجد الفنان يخلق ظواهراً ويحيا على هذه الظواهر إنه يتفوق على (زوكسيس) الذي كان يرسم عنباً له ظاهر كأنه طبيعي فيخدع برسمه الحمام، لكن (شمعون) يرسم روح العنب.. ولا يتفق مع (براكسياس) الذي رسم ستارة خدع بها إنسان هو الفنان نفسه، فما النفعية في أن نسمع صوت عندليب ونعرف أن وراء هذا الصوت رجلاً وليس عندليباً! إننا سنشعر بالغثيان وانعدام المعنى.‏‏

(جورج شمعون) يعتمد التلميح أكثر من التصريح.. إنه يحاول اكتشاف جوهر الجوهر في الخلق التشكيلي، ويؤكد أن للإنسان وجوداً مطلقاً ومركزاً لمسار دائرة الوجود الكوني العام، فهو يؤكد أن الإنسان قيمة فكرية ومصدرها الروح.‏‏

لذا نرى شخوصه شفافة روحانية وكأنها بخور مقدس ينبسط على سطح اللوحة ليقول لك نحن أخيلة على المكان فلما لا نرتقي على حيوانية الجسد ونتسامى في مملكة الروح فإيقاظ النفس هو الهدف النهائي الذي يسعى إليه الفن وهو ما يتوجب علينا أن نهتم به في المقام الأول لأننا نبتدئ حيث ننتهي.‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية