تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


دلالات المظهـــــر و سر الجـمـــال

شباب
الأحد 27-1-2013
إرَم ديّوب

«ليس الجمال بأثواب تزيننا, إن الجمال جمال العلم و الأدب» قول مأثور يردده كل من درس في مدارس سورية بتململ لما له من انتشار أضحى فيه هذا القول مبتذلاً. لا نرمي إلى نقض هذه الرؤية الحقَّة و إنما نبحث في أسباب لكونها قاصرة عن إرضاء رؤية الشباب من جهة و لكونها لم تصِب في إيصال الجوهر الأساسي لمفهوم الجمال من جهة أخرى.

مما لا شك فيه أن الفرد يترك أثره الخاص في كل أمر يفعله, ذلك أثرُ سماته و مميزات شخصيته. و يظهر الأثر ذاته في الاختيارات التي يتخذها لإكمال هيئته. حيث يعطي شكلُه للآخرين الانطباعَ الدقيق حول أسلوب رؤيته لنفسه من جهة, و مدى تقبّله للأمور و العادات الشائعة في مجتمعه من جهة أخرى و كم يدخل في ذلك من وعيٍ و إدراكٍ و قناعةٍ. و لا يمكن أن تتبدّى لنا الدلالات المعنوية لآثار شخصية الفرد في مظهره ما لم نحرر رؤيتنا من المقاييس الشائعة لما هو جميل و مقبول. فالمهم هنا ليس الجمال بقدر ما هو رؤية الفرد للجمال و المقاييس الشائعة, و رؤيته أيضاً لما تراه نفسُه مناسباً و معقولاً. إذ إنَّ مستوى الانسياق وراء تلك المقاييس في اختيار المظهر المناسب—على أنه قد يُظهر شيئاً من أثرنا و أسلوب تفكيرنا أيضاً—يعكس مدى تقبّلنا للخضوع للثوابت و المُسلَّمات و التقاليد بصورة عامّة.‏

و في المقابل, يأخذ تناسب مظهر الفرد مع بيئته و جماعته دوراً في اندماجه فيها و ترك انطباع إيجابي عن شخصيّته و رغبته في التعاون و الانخراط مع الجماعة. يختار الناس الملابسَ المناسبة لنوع الأماكن التي يقضون وقتهم فيها و قد تتعدد و تختلف الأماكن و مقتضياتها الاجتماعية فتختلف مظاهر مُرتاديها و بالتالي يخلف الانطباع الذي يريدون تركه في نفوس الآخرين.‏

أما بالنسبة للأشخاص الذين لا يكترثون بالانسجام مع من حولهم في المظهر, فإنهم ربما يبغون إيصالَ انطباعٍ معيّنٍ إلى الآخر أو التعبير- بصورة واعية أو غير واعية- عن ردة فعل معينة تجاه أحد أساليب عيش مجتمعهم و مقاييسه. كل تفصيل له قيمته و مدلوله المعنوي الذي يساعدنا على فهم صاحبه و ردود أفعاله, فيجيب ألا نستخفّ بذلك أو أن نُقصي أحداً من سعة تعاطفنا الاجتماعي و الإنساني دون التفكّر الموضوعي في دلالات اختلافه, و ليس ذلك مقتصراً على صعيد المظهر. فكما تقبَل الحياة مختلف احتمالات الحادثات التي تؤثر على نفسيّة الفرد و ردود أفعاله مهما كانت غريبة, كذلك ينبغي للفرد أن يتقبّل آثار ردود أفعال الآخرين لتلك الوقائع من أجل التفكر الموضوعي فيها, فقد يكون ذلك سبيلاً في ترك أثر إيجابي على أصحابها.‏

أما بالنسبة للذوق في إضفاء اللمسة الفردية على الأمور, فهي مسألة رؤية الفرد لخلاصة هذا الفعل و هدفه. على سبيل المثال, قد تتعامل بعض الشابات مع استخدام المستحضرات التجميلية على أنه أمر اعتيادي أو حتى واجب و لا بد منه, فيظهر ذلك في أسلوب استخدامه, إذ يخلو وقتئذٍ من الذوق أو إدراك صاحبته لخصوصيّة تقاسيم وجهها و طابع جماله. و يغدو استخدام الألوان و تدرّجاتها في حالة كهذه أمراً تؤديه الشابة كما تنظّف زجاج نافذة مثلاً!‏

و من الآثار الجليّة لأسلوب عيش المجتمع على مظهر أبنائه هو أنَّ تزينَ المرأة يزداد بروزاً و قوّة و يصبح أكثر لفتاً للنظر في المجتمعات المحافظة التي تركز في جميع نواحي حياتها على الفروقات بين المرأة و الرجل. و وفقاً لفصل الناس إلى هاتين المجموعتين -فصلاً عازلاً يُبعِد بين الجنسين و يزيد من اختلافاتهما- يكتسب كل من الرجل و المرأة صفات ثابتة جمعيّة تُمحى فيها السمات الفردية للشخص. و بالتالي تجد الناس تخضع في أشكالها (كما أفكارها) إلى صور ثابتة دون النظر إلى مظهرها الفردي الحقيقيّ, و دون التفكّر بمنطقٍ فرديّ فيما يُفرَضُ علينا من أفكار و مظاهر و أساليب عيش و تزيّن.‏

و في الخاتمة, بما أن عيون الأشخاص تترك أثرَها و طابعها و رؤيتها في الأمور التي تخصّها, يكمن سر ’الجمال‘ إذاً في نظرة الفرد إلى نفسه حراً من المؤثرات الخارجية و مندمجاً في الوقت ذاته مع بيئته بطريقته الخاصة و وفقاً لمنطقه و عقله الحر, إذ ذاك سيظهر الجمال في آثار روح و فكر صاحبه المفكّر الواثق المستقل.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية