فجأة تحول البهلوان السياسي في اللعب على المتناقضات إلى مهرج من العيار الكوميدي الثقيل يكشف ما تحت أثواب حلفائه ويخلع ما عليه مرة واحدة.. ليقول بالفم الملآن: بإمكان أنقرة أن تتبع سياسات مستقلة إذا لم ينجدونا في ادلب.. وعلينا تغيير موازين القوى حتى لو بقينا بمفردنا.. فهل من كان معه هو ضده اليوم ؟!
المضحك في اردوغان أن لا أحد من حلفائه يريده كله ولا أحد يرميه كله.. هو على شفير التحالف مع الجميع.. فأوروبا التي تخشى تسرب ايديولوجياته الإخوانيه بكل تطرفاتها من ادلب إلى أحضانها لا تملك غير ورقته في سورية، وفي الوقت ذاته تخاف تسلله إلى ليبيا فتقلم أظافره بما يناسب مصالحها... حتى ترامب يرمي «بالسلطان» حطباً للمرحلة في الشمال السوري عله ينضج ورقة تفاوضية لواشنطن مع موسكو..
أليس لافتاً كل هذا الصمت الأميركي رغم استغاثات اردوغان بالناتو ؟..
واشنطن تصمت بخبث و»السلطان» العثماني يصرخ هذه المرة من فوق حصانه الخشبي.. فالدونكشوت التركي الذي يرى طواحين المعركة في ادلب تفتك بمشروعه الإخواني يبرر مشهد توابيت جنوده العائدة من سورية ومن ليبيا بسخافة تهين شعب تركيا بأكمله.. فأردوغان وبحسب وصفه «يناضل» في معركة استقلال ثانية.. فهل سمعتم بعد في حكايات الكتب أو بلاد العجائب عن رئيس يعلن الاستقلال من معركة في الجوار ؟!!
في حديث أردوغان للداخل التركي ينفصم «السلطان» عن بلاده ويظهر وحده يخوض معركة مشروعة الإخواني، فإما هو أو تزول تركيا.. لذلك نرى التردد في عيون حلفائه فهم يريدونه في قفص الدور.. ويصوبون على جنوحه الحر عن مصالحهم في سورية وفي ليبيا وفي المنطقة كلها.. يريدونه في اليد الغربية وليس على شجرة أوراق التفاوض!!
لذلك وأكثر، فالقمة الرباعية المرتقبة في آذار التي تذلل اردوغان لعقدها مع بوتين وميركل وماكرون قد تكون على طاولة سياسية حول ادلب، لكن المشهد الأوضح هو تحت الطاولة وما سيحدث من مكاسرة بين الأوروبيين واردوغان في ليبيا.. أما روسيا فقد وضعت ما لديها دفعة واحدة.. فالناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف قالها من بين غبار المعارك في ادلب وفي توقيت تحديد القمة: ندعم موقف دمشق في الدفاع عن أرضها.. وأنقرة لم تلتزم بسوتشي.
المعركة في ادلب مستمرة وتطهير الأرض لا يصغي إلى كل الجدل السياسي العقيم.. وكما كانت حلب مفاجأة كبرى للص أردوغان كذلك هو ما تبقى من الميدان السوري في الشمال سيكون مفاجأة في كل مرة لأولئك الذين لم يسمعوا منذ البدء إصرار خطوة الجندي السوري وثباتها...