وحسب الشكوى رقم 291 لعام 2008 التي تقدمت بها ولية أمر التلميذ إلى مديرية تربية ريف دمشق تقول:
لم تتمالك المديرة نفسها، وأمسكت بعنق ابنها محاولة خنقه بكلتا يديها، ماأدى إلى غرس أظافرها في عنقه، وحين حاول التملص منها،قفز هاربا من على سور المدرسة. فأطلقت الأولاد خلفه ليعيدوه إليها، فأخفقوا بالمهمة وعادوا إليها بحقيبته فقط التي حجزتها لديها، ومنعته بعدها من الدخول إلى المدرسة لمدة ثمانية أيام، رغم أنه كما تقول والدة التلميذ المدعوة دلال عزيز محمد- كان عنده مذاكرات طلبنا من دلال توثيق الشكوى، فأبرزت تقرير الطبيب الشرعي (باسل ديب ) الذي حصلت عليه بعد ذهابها بابنها المصاب إلى مديرية الصحة المدرسيةبقطنا، والذي يحمل الرقم 6938 لعام 2008 الذي تضمن ما يلي: لدى معاينة المذكور، تبين إصابته بسحجات خطية على جانبي الرقبة وإن تلك الاصابات تشفى بمرور ستة أيام، مع تعطيل عن العمل ليومين ..
تداعيات
تداعيات هذه الحادثة المضمنة في أكثر من شكوى رفعتها ولية أمر التلميذ إلى الجهات المعنية، وضعتنا بداية أمام السؤال من الذي يدفع بأبنائنا إلى أحضان المجهول ؟!
قسوة الادارة .. أم رفاق السوء ... أم آباء لا يكترثون ...
أقول ذلك، وأنا أدرك أن خلف أسوار المدرسة عالم يغري طلابنا بالهروب لا سيما وإن هذه المشكلة غدت التحدي الحقيقي الذي تواجهه مختلف المدارس في بلدان العالم، أمام غياب عامل التشويق عن المجتمع المدرسي كما تقول المرشدة الاجتماعية نسرين دواي وانعدام جسور التواصل الانساني ما بين الادارة والهيئة التعليمية من جهة وبين الطلاب وأوليائهم من جهة أخرى.. الأمر الذي فتح الباب على مصراعيه،أمام منتديات فكرية وتربوية على عرض وطول العالم، لمناقشة أسباب تصاعد هذه الظاهرة التي رأى بعضهم أنها تعكس -انحسارا -في الأداء التعليمي وقصورا في الأدوات التربوية.. فأغلب الهاربين من المدارس يعانون من العنف بشقيه الجسدي واللفظي داخل وخارج المدرسة، لا سيما الواقع منهم تحت وطأة التفكك الأسري، فهم بحاجة أكثر من زملائهم لمن يبوحون له ويسمعهم، فيهربون بحثا عن شريك أو صديق..
وبعضهم يهرب كما أكد لنا /ممدوح معلا وماجد قعيري، ورأفت دحدوح/ من المذاكرات والامتحانات والواجبات المدرسية إلى شارع في حل من كل هذه الالتزامات لأنه ليس فيه غير التسكع ومغازلة البنات وأحيانا إذا توفر لهم المال هم يدخلون إلى دور السينما أو يرتادون مقاهي الانترنت ليتوغلوا في عالم بديل من الليزر ،وثقافة من أقراص..
المفارقة العجيبة أننا وقعنا بين التلاميذ الهاربين، على من يعمل في مسح زجاج السيارات ..وبيع الدخان.. وحتى التسول من أجل توفير خرجيته.
ما يعكس في النتيجة نكوصا حقيقيا عن الأهداف العامة للتعليم كاستثمار قومي هام وتسربا واضحا منه، أضف لهذه الآثار الاقتصادية آثارا نفسية تقض مضجع التلميذ أو الطالب الهارب من المدرسة كالقلق والتوتر والخوف والاضطراب.. لأنه يعيش في غربتين بآن معا.. غربته عن المجتمع المدرسي، وعدم الاحتواء الأسري له من آباء منشغلين أو غافلين ولا يكترثون...
أطرف مافي الأمر، أن تؤكد لي الموجهة التربوية بشيرة زكية أنه عندما طلبت الادارة مرة من طالبة إحضار ولي أمرها ذهبت وعادت بشخص احتالت على الادارة فيه،بأنه ولي أمرها ومن ثم تبين إن هذا الشخص قريب لأمها وأنها لجأت إلى هذا الأسلوب فقط لأنها لا تملك شجاعة
التواصل مع ولي أمرها الحقيقي، الذي تبين أنه جلاد وقد عرفنا ذلك من العلامات - المزرقة -على كافة أنحاء جسدها، عندما علم بأمرها...
وتتساءل الموجهة بشيرة.. هذا نموذج على عدم تواصل الطلاب مع آبائهم ،ولعل هذا يفسر سبب نسيان معظم الآباء موعد حضور مجالس الاولياء، وبعضهم لا يحضر أبدا، السيدة علا اسكندراني تعمل في المجال التربوي قالت:
أن ظاهرة الهروب من المدارس تعكس باختصار عدم الرغبة بالتعلم وهذا من الاتجاهات السيئة نحو التعلم..كما تعكس من جانب آخر ضعف المستوى التعليمي للطالب حيث يكون تحصيله الاكاديمي متدنيا، ما يخلق فجوة معنوية بينه وبين أقرانه من الطلاب من جهة وكذلك بينه وبين المعلمين من جهة أخرى، ما يبرز في المحصلة عدم قدرة الطالب على التكيف وانعدام التواصل مع الهيئة التدريسية فيميل إلى حب المغامرة والتمرد بالهروب المدرسي، في الختام لا يمكن اختزال هذه المشكلة،إلا حين النظر إلى البناء المدرسي الذي يبدو بأسواره العالية من الخارج أشبه بثكنة أو سجن وحل هذه المشكلة لا يكون بغير التفكير بجعل البيئة المدرسية، جذابة باحاطتها بالحدائق والملاعب والورود قبيل التفكير باعلاء أسوارها وإحكام مغالق أبوابها وتوظيف حارس لها كما تحل المشكلة بغير تفعيل مجالس الأولياء مرة لكل شهر والذين لا يأتون منهم ،نوفد لهم المرشد الاجتماعي لوضعهم في واقع ما جرى ويجري وسيجري مستقبلا للتغلب على هذه المشكلة وسواها من المشكلات المدرسية التي لاتحل بغير التعاون بين الأسرة والمدرسة..مع التأكيد أخيرا على أهمية تنويع الأساليب التعليمية وإثاره الدافعية لدى الطالب للتعلم بتبسيط المناهج وتفعيل الأنشطة اللاصيغية وانعاش البرامج الترفيهية والرحلات المدرسية وإحياء الأمسيات الثقافية (كسينما ومسرح وحفلات مدرسية) لجذب الطالب وتعميق أواصر الصلة بينه وبين المجتمع المدرسي ..