حذرت كل من منظمة العفو الدولية وعدد من سياسي غرب افريقيا من كارثة قادمة الى تلك المنطقة اثر التدخل الغربي فيها بعد ان انهالت مئات القنابل القاتلة فوق مدن في مالي على غرار كونا وليري ودونتزا او سواها.
فحالة الاحتضار التي تعيشها مالي لم تظهر في وسائل اعلامنا الغربي الى الان يقول الصحفي البريطاني اون جونز كاتب هذا المقال علماً ان جذورها تعود الى عقود سابقة . وعلى غرار القوى الاستعمارية الغربية التي غزت مناطق متفرقة من قارة افريقيا في الماضي واحتلتها منذ القرن التاسع عشر فها هي فرنسا اليوم تستخدم تكتيك فرق تسد للسيطرة على مالي واختلاق الخلافات بين قبائل الطوارق الرحل الذين كانوا وراء التمرد المسلح في تلك البلاد وبين بقية سكان مالي من غير الطوارق لتغدو تداعيات ذاك الماضي الاستعماري تعود الى واجهة الاحداث مؤخراً في تلك البلاد .
وكان وزير خارجية فرنسا لوران فابيوس قد صرح قائلاً: بأن الارث الاستعماري لبلاده يحول دون تدخل القوات العسكرية الفرنسية هناك لذلك كان تورط باريس المفاجئ اسرع مما توقعه المراقبون وتأتي تلك العمليات العسكرية الفرنسية في مالي كنتيجة لاحقة لتدخل اخر فالحرب على ليبيا لا تزال «ساخنة» كما يكرر عدد من المحللين تشبه قصة ناجحة لما يسمى التدخل الليبرالي الغربي «المشروع» فقد ادت تلك الحرب الى الاطاحة بمعمر القذافي وهي تداعيات لم تحسب لها الاستخبارات الغربية حساب.
وكانت قبائل الطوارق وموطنها المناطق الشمالية من مالي تشكل الاكثر من قوات الجيش الليبي ابان حكم القذافي وعندما تم استبعاد هذا الاخير عن السلطة في طرابلس عاد هؤلاء الى مناطقهم وقد ارغموا على تلك العودة في معظم الاحيان اثر تعرضهم وهم الأفارقة من اصحاب البشرة السمراء للأذى خلال مرحلة ما بعد القذافي وهي حقيقة تجاهلتها وسائل الاعلام الفرنسية بشكل عام ومع تدفق الاسلحة من مخازن القذافي الى خارج ليبيا جراء اوضاع البلاد المتردية في الداخل ونتيجة حرب شوارع مستمرة هناك حملت قبائل الطوارق السلاح وقد فسح امامها المجال لتحقيق حلم لطالما راودها في تقرير مصيرها بنفسها.
وسرعان ما مهد مجلس الامن الطريق امام استخدام القوة العسكرية في عدد من المواقع في مالي جارة ليبيا من خلال موافقة اعضائه بالإجماع على تلك المبادرة الشهر الماضي في حين دعت مجموعة معالجة الازمات الدولية لإيجاد حل دبلوماسي لمشكلات مالي بغية الاحتفاظ على استقرار اوضاع تلك المنطقة موضحة كيف يمكن ان يؤدي التدخل الاجنبي العسكري هناك الى تنامي صراع عرقي بين القوات المتناحرة في هذا البلد .
كذلك حذرت منطقة العفو الدولية من ان يتمخض هذا التدخل الغربي المسلح عن اتساع نطاق انتهاكات حقوق الانسان في مالي لاسيما وانه تم الوقوف على مثل تلك الانتهاكات في الماضي خلال الصراع الدائر في هذا البلد .
وكان البروفسور بول روجر المتخصص في الدراسات السلمية في جامعة براد فورد قد بين ان الحروب تظهر كيف ان اندلاعها قد يسير في اتجاه ينذر بالخطر لان نتائجها ستكون مدمرة وفي أحول كثيرة ستعمل تلك الحروب على تعزيز مواقع تلك الحركات التي عقد ممولوها ورعاتها العزم على مواجهتها .
وما لا يمكن تصوره كيف سيحقق هذا التدخل الغربي الاهداف التي يرمي اليها من خلال دعمه لحكومة تلك البلاد وإقامة جيش وطني قوي الشكيمة لكن ماذا بعد ؟
يرى المراقبون ان الحرب في ليبيا هي حرب حققت النجاح المطلوب منها بينما تورطنا نحن الان في انعكاساتها الكارثية اذ لا تزال القوات العسكرية الغربية تلك التابعة للناتو وسواها غارقة في حرب لا نعرف نهايتها وقد ساهمت معاركها في الماضي في زعزعة الاستقرار في باكستان وافغانستان مستخدمة طائرات دون طيار مما ادى الى مقتل مئات المدنيين واطلاق العنان لانتشار مزيد من الفوضى في البلدين المذكورين .
ويتابع كاتب هذا المقال قائلاً: ان ثمن التدخل العسكري الغربي تتجاهله وسائل اعلامنا ومع ذلك لا نزال ندفع ثمن هذا التدخل غالياً.
وفي هذا الصدد يؤكد البروفسور « بول روجر » ان الحرب التي تشن على مالي حالياً سيتم تصويرها على انها نموذج آخر من الهجوم على الاسلام .وسيمهد توفر وسائل اتصالات سريعة ومتعددة الطرق امام استثمار جماعات متطرفة تتواجد في منطقة غرب قارة افريقيا تلك الحرب المتفاقمة لفتح جبهة اخرى تناهض الاسلام والشعوب المسلمة والمسالمة. فسجل الغرب اسود لوقوفه ودعمه جماعات وحلفاء الجماعات الاكثر سوءاً فالغرب ابعد ما يكون عن قدرته في تفعيل قيم حقوق الانسان او تحقيقه الديمقراطية . لكن التداعيات السياسة وانعكاساتها على تلك الحرب ستكون كارثية في مالي فإلى جانب الفوضى التي عمت تلك المنطقة كما كان عليه الحال ابان الحرب على ليبيا رفعت القوات الفرنسية من درجة استعدادها لوضع الارهابيين كما تدعوهم باريس على قائمة اهدافها خشية تعرض فرنسا مع حلفائها الغربيين لهكذا ارهاب كما تقول .
ويختم جونز مقالته هذه التحقق مما تفعله حكومتنا باسمنا كغربيين فإذا لم نستخلص عبر تلك الدروس من تجربتنا في كل من العراق وافغانستان وليبيا فحالتنا ستكون ميؤوساً منها.