تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


جذور الأزمة في مالي

ايمانيتيه
ترجمة
الأربعاء 6-2-2013
ترجمة: سهيلة حمامة

في كتابه الأخير(*)، يحاول مارتين فيرليت، العالم الأنتروبولوجي إماطة اللثام عن المتغيرات والتحولات العميقة التي تسهم في إعادة تشكيل القارة الإفريقية، ينادي فيرليت أيضاً برد الاعتبار لدول القارة الرازحة جميعها تحت وطأة السياسات النقدية للصندوق الدولي..

« لومانيتيه» التقت مؤخراً بالعالم الأنتروبولوجي، للتداول معه في موضوع الأزمة في «مالي» تحديداً، وعن جذور هذه الأزمة وتداعياتها على الدول المحاذية لها، طرحت الصحيفة إياها أسئلة متعددة على ضيفها لم يبخل عليها بإجاباته وردوده الصريحة كما هو معروف عنه:‏

-كتابك مزدحم بمشاهد البؤس والفقر والتخلف والإفلاس الذي يضرب القارة الإفريقية برمتها، هل بالإمكان والحالة هذه الاستنتاج بأن الأزمة في مالي الغارقة أصلاً في الضعف والهشاشة إنما تعود في جزء كبير منها إلى الضغوطات الناجمة عن الضغوطات الشديدة التي يمارسها صندوق النقد الدولي على «مالي» والممثلة بفرض أحكام هيكلية عليها..‏

-بلى « مالي» دولة متصدعة ومفلسة تماماً، معظم مناطقها خاصة الشمالية منها قد أهملت وتركت نهباً للتخلف، ناهيك عن كونها مركزاً للصراعات المسلحة.. الأزمة المالية هي أزمة دولة تغوص في رمال متحركة وعرضة لانقلاب عسكري وانهيار بنيتها بسبب فشل جيشها الذريع في إعادة النظام إليها، ومع ذلك تتفشى الأزمة لتهدد الدول المحاذية «مالي» والتي تعاني من هشاشاة وضعف أكبر... يمكننا القول بأن أنشطة العصابات الإسلامية المسلحة، سقوط النظام الليبي، تنامي تجارة المخدرات غير المشروع، الاتجار غير المشروع بالرهائن ، كلها أمور تتضافر معاً لرسم قوس أزمة قاعدته في شمال« مالي» أرى أن الحلول العسكرية ليست سوى أنصاف حلول الشعب الجزائري أدرك الأمر جيداً، فراحت حكومتهم تجتهد لتلبية مطالب الطوارق«الأعضاء في الجبهة الوطنية لتحرير أزواد» في تحقيق النمو، وتشييد المدارس، والمراكز الصحية، والطرقات، والبنية التحتية والقليل القليل من الجامعات..‏

-هل تتوقع، في المدى المنظور، أن تسبب الأزمة المالية زعزعة الاستقرار في غرب القارة كما في شمالها؟‏

-المنطقة بكاملها لم تعرف الاستقرار سبيلاً إليها في يوم ما.. فالعنف دائر ومستمر ليستقر في هذه الآونة في نيجيريا، أيضاً، وربما تشهد هزات عنيفة جداً.. الأزمة المالية وتداعياتها الإقليمية الخطرة تعزى في الواقع إلى القضايا المؤسساتية العالقة، وضعف وهشاشة الدول الأفريقية كافة دون تنامي مسألة النمو عموماً على الرغم من تتالي الأوضاع المتفجرة هناك وماتفرزه من طروحات تشاؤمية غصّ كتابك بها، رغم بعض الدلالات والإشارات الإيجابية هنا وهناك والمتخفية في ظلال التحولات العميقة التي تعبر بها القارة، حالياً هلا تحدثنا عنها بشيء من التوضيح والتفصيل؟..‏

بدءاًمن اللحظة هذه ولستين سنة قادمة، سوف يكون هنالك في العالم إفريقي واحداً من أصل ثلاثة أشخاص.. إنه تحوّل ديمغرافي مهم وحافز مثير لكن قد تمّ هدره والعبث فيه بفعل ثقافة تربوية هشة ومغلوطة، وضعف الأنظمة الصحية، وغياب سياسة تأهيل العمل، وأما القضايا الرئيسة، تبقى تلك القضايا الخاصة بالنمّو والدولة.. يجب أن يكون الإنسان مركز النمو والهدف الأسمى النموّ الاقتصادي لم يعد يمثل الأفق الوحيد: ينبغي وضع سياسات لتحقيق ازدهاره وتحفيز إبداعاته، مايقتضي تغييراً جذرياً في الآراء والرؤى.. لدي اعتقاد بوجود معطيات جديدة في القارة، في الوقت الحاضر، فالاستدانة لم تعد تلك المسألة التي ترخي بظلها الكثيف على القارة كما كان عليه الحال قبل سنين عديدة، ناهيك عن انخراط القارة، من جهة أخرى، بمسيرة نمو بلغت نسبتها، قبل عشر سنين خلت، 6٪ إنها عوامل مهمة من شأنها خلق إمكانيات نمو جديدة، فضلاً عن ابتكار سياسات أخرى قد تساهم في تحديد أهداف ومحاور مهمة.. أول هذه المحاور أو الأهداف هي:‏

1- إعادة الاعتبار للدور الاقتصادي والاجتماعي المنظم للقارة.‏

2- توجيه دفة الاستثمار باتجاه الصناعات التنافسية.. تلك المسألة التنافسية سبق وأن فرضت بشكل حاسم في القارة التي شهدت صناعاتها هدماً ودماراً كثيفاً.‏

3- التوجه المباشر نحو تطوير الزراعة البيتية للفلاحين والقائمة على تربية أحواض السمك، مع التحكم بالضريبة العقارية، أو بالعكس، العمل على تصفية غير مشروطة للسياسات الزراعية الواقعة تحت إشراف البنك الدولي الذي يحاول على الدوام تحفيز ثقافة التوريد فقط دون الاهتمام على الإطلاق بمسألة الأمن الغذائي للقارة.‏

4- تأهيل العمل، وتدريب العاملين، مهنياً، وفي نهاية المطاف العمل على إحياء الاقتصاد الذي قد يحقق إفادة مهمة للشراكات بين الدول الصاعدة.. الصين، في الميدان، تقوم بدور غامض ملتبس حيث تعمد إلى هدم المؤسسات والمنشآت المحلية في القارة التي تنتج مواد استهلاكية ، لصالح المنتجات الصينية وتصريفها، إضافة لانطلاقة بكين في الانخراط بعمليات استثمار منتجة، في غانا، على سبيل المثال.‏

- هل تتمكن القارة من التحرر من اقتصاد استخراج المعادن الثمينة في جوف أرضها، بشكل مستنزف، وما شكل من عامل محفّز على سرقة ونهب هذه الثروات من قبل الشركات متعددة الجنسيات، وتعزيزها لنظام الإيرادات؟‏

-اقتصاد الإيراد إنما يعني التكديس دون إنتاج.. هو أسلوب للجذب واختلاس الأموال إما من خلال الأوساط الاتجارية التي تسعى لاستغلال العلاقات السياسية للمصالح الخاصة دون الاهتمام بأي اعتبار آخر، والاتجار غير المشروع بالرهائن.. من غير الممكن الخروج من أي نظام دون إعادة بناء نسيج صناعي جدير بهذا الاسم.. الشركات متعددة الجنسيات ليس لها مصلحة البتة بالشفافية طالما أن مستوى الإيرادات التي تستحوذ عليها لاأهمية لها.. ولم يعد لها حتى مصلحة بنمو الصناعات التحولية.. لكن المفارقة الكبرى أن نجد ضمن نطاق هذا النظام، قارة غنية بالمواد الأولية ومع ذلك تنحدر بقوة إلى هاوية الفقر والعوز..!! إفريقيا تتمتع باستثناء جيولوجي على مستوى العالم حيث تحتوي أراضيها على أهم مناجم المعادن والطاقات والموارد الطبيعية أهمها: الحديد، النحاس، النفط، اليورانيوم، الذهب ، الألماس، ونهبت وسلبت جميعها ليتم تصديرها خارج الحدود بدلاً من معالجتها وتحويلها في مكانها الأصلي....مسألة التنافس على هذه الثروات ساهمت بشكل كبير على تغذية الصراعات والحروب في القارة.. لوحظ، في كتابك، أنك تنادي بقرار إفريقي لحل الصراعات هناك، وذلك مايثابر عليه الاتحاد الإفريقي لكنه في هذا الوقت بالذات قد التزم الصمت التام حيال التدخلات الغربية الحالية في «مالي» تحديداً، كيف تنظر للأمربعينه..؟‏

ثمة بعض التقدم تم إنجازه في هذا المجال.. ففي مدينة الأميناس الصومالية كما في جنوب السودان، قامت القوات الإفريقية بدور مهم حيال مثل هذا الأمر.. بالتأكيد مامن هيئة أركان إفريقية، والجيوش غير مدربة أو مشكّلة أو مجهزة بشكل جيد وكما ينبغي.. بالطبع، هناك صعوبات جمة تعترض مسيرة تشكيل قوة إفريقية غربية، في مالي الأمر الذي يفسر احتلال القوات الفرنسية، اليوم مكان الصدارة وبشكل صادم، في القارة السمراء...‏

 أجرت الحوار: روزا موسوي‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية