تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


هل صداقاتهم.. خالصة لوجه المشاعر الإبداعية؟..

ثقافة
الأربعاء 6-2-2013
هفاف ميهوب

«إن أسعد ظروف حياتي, هي التي مكَّنتني من مقابلة «شيللر» لقد خلق لي شباباً جديداً وأرجعني مرة أخرى إلى الشِّعر, بعد أن كنتُ قد ابتعدتُ عنه»..

لأنها جملة قالها «غوته» أديب وشاعر ألمانيا العظيم, وعن صداقته ب «شيللر» الشاعر الألماني العظيم أيضاً, لابدَّ من التساؤل عن السِّر الذي تحملهُ علاقة الصداقة بين المبدعين, والتي غالباً ما تكون طبيعية, وبما فيها من عمق الأسرار وغرائب التفاصيل, ورغم تعدّد الاختلافات والفروق بينهم وسواء الجسدية أو النفسية.‏

«غوته وشيللر»..‏

أصدقاء.. وصولاً إلى مقبرة الأمراء‏

لقد جمعت الصداقة ما بين هذين الشاعرين صدفة, وبعد محاضرة كان «غوته» يستمع إليها. ذلك أنهما تحادثا لتبدأ بعدها عرى الصداقة تتوطَّد بينهما, وبطريقة وصفها «غوته»:‏

«يبدو لي وكأننا سنكون مرغمين على متابعة طريقنا في المستقبل, جنباً إلى جنب, بعد هذا اللقاء غير المتوقع»..‏

إنه اللقاء القدري الذي ومثلما أضاء حياة وفكر «غوته» أضاء أيضاً حياة وفكر «شيللر» ولأن كلاً منهما بدأ يعرض نتاجه على الآخر, بل و يحدثِّه بكلِّ ما يُقلقه أو يشغله..‏

هكذا ورويداً رويداً, بدأت صداقتهما بالتطور وبشكلٍ لم يكن له نظير في تاريخ الأدب بأكله, ورغم فرق العمر بينهما. حيث كان «غوته» في الخامسة والأربعين, وكان «شيللر» في الخامسة والثلاثين. وكان «غوته» ربيب نعمةٍ وحليف غنى, و»شيللر» ابن فقرٍ وبؤسٍ وحرمانٍ وكفاح.. أيضاً كان «غوته» قوي البنية وواقعياً يعيش الحقائق ويقدِّس الجمال ويعمل في النهار, أما «شيللر» فنحيلٌ ومنعزلٌ ولا يجيد الإبداع إلا في الظلام.‏

رغم كل هذه الفروق, كانت صداقتهما أروع من كلِّ ما أبدعاه, وكان كل منهما يرى الآخر بعينِ المعجب بمزاياه وموهبته, والمستوعب لفكره وإنتاجه وحكمته, بل كانت أجمل ما امتلكا طيلة حياتهما, وإلى الدرجة التي جعت «غوته» وبعد أن سمع بوفاة «شيللر» يبكي بمرارةٍ ويرفض الخروج من غرفته, ليكتب بعدها:‏

«لقد فقدتُ نصف وجودي, ولستُ أجدُ شيئاً أدوِّنه في مذكراتي, وإنما تشير الصفحات البيضاء إلى فراغ حياتي»..‏

بيدَ أن تلك الصداقة أبتْ إلا أن تُخضع الموت لمتانتها, وبعد موت «غوته» الذي أقيم له ضريحٌ بجانب ضريح صديقه, وضمن مقبرةٍ أطلق عليها «مقبرة الأمراء» التي تحولت بعدها إلى مقبرة «غوتة وشيللر»..‏

«تولستوي وتشيخوف»..‏

صداقةٌ.. تطيحُ بالثراء وتعانقُ الإنسانية‏

ننتقل إلى أديبين آخرين جمعتهما صداقة عميقة عمقَ إبداعهما وإنسانية مشاعرهما.. تلك المشاعر التي توحدت في دفاعها عن الفقراء والمظلومين والبسطاء والمحرومين.. إنهما أديبا روسيا الأشهر من أن يُعرَّفا «تولستوي» و«تشيخوف»..‏

بدأت صداقتهما, مذ اكتشف «تولستوي» بأن «تشيخوف» قد خلق أشكالاً أدبية جديدة, عجز النقد عن تحديدها, ليضعه بعدها في المكان الذي يستحق, وليصبح الصديق الذي قال عنه:‏

«واحدٌ من أفضلِ أصدقائي «أنطون تشيخوف» وهو أيضاً, كاتب مسرحي روسيٌ كبير, وعلى الرغمِ من أنه معروفٌ بأعماله المسرحية, ولكن تشكَّلت فيما بيننا صداقةٌ وكنا نناقش أمور الكتابة»..‏

نعم.. هكذا رأى «تولستوي» صديقه «تشيخوف» الذي أعتبرهُ وبالإضافة إلى ما يملك من إبداعٍ, شخصاً فاتناً, متواضعاً, لطيفاً, صادقاً وإنسانياً..‏

كل هذا, قوَّى علاقة الصداقة التي جمعتهما, ورغم الفروق التي بينهما والتي منها كون «تولستوي» المتصوِّف والحالم بحياةٍ مثالية, ينحدر من أسرة أرستقراطية و«تشيخوف» من عامة الشعب, بل ابن فلاحين أرقاء ومن أشهر أدباء الواقعية..‏

لاشك أن أكثر ما جمع هذين الأديبين كأصدقاء, نفور «تولستوي» من بيئته الأرستقراطية الفاسدة وانغماسه ببيئةِ «تشيخوف» وبفقرائها وأوجاعهم وأحلامهم, وهو ما أكدته مديرة متحف «تشيخوف» بقولها:‏

«إن الصداقة جمعت بين تولستوي وتشيخوف, وكان يجمعهما همٌّ واحد هو الانتصار للفقراء والبسطاء من الناس»..‏

«فرلين ورامبو»..‏

هي أكثرُ من صداقة... ولكن!!‏

من المعروف بأن الصداقة الغريبة والقوية التي جمعت بين هذين الشاعرين, لم تكن خالصة لوجهِ ما أبدعا به من دواوينٍ شعرية, وهو ما فضحته الرسائل التي أرسلها «رامبو» لصديقه «فرلين» الذي انقاد له حدَ انغماسهما في عوالمٍ شاذة وثملة وهستيرية, وبما كان سبباً في انهيار حياة «فرلين» مع زوجته وأسرته. ذلك أن «رامبو» لم يتورع في واحدة من رسائله, عن الإشارة بصراحة إلى تفاصيل علاقتهما المريبة, بل عن تعلقهما ببعض, وبطريقةٍ جعلته يُرسل إليه بعد مشاجرة غادر»فرلين» بعدها إلى عائلته:‏

«عد إليَّ يا صديقي.. يا صديقي الوحيد.. إنني أعدك بأن أكون إنساناً صالحاً»..‏

أما عن بداية تلك الصداقة, فكانت بعد أن قام «رامبو» الذي كان من أسرةٍ أرستقراطية, بهجرِ والدته التي فرضت عليه بعد أن طلقها والده, تربيتها الصارمة والدينية.. تلك التربية التي كانت سبباً في هروبه وتشرّده, وإلى أن وصل باريس, التي سرعان ما تعرَّف إلى أرقى أوساطها الأدبية, ليتعرف ضمنها على «فرلين» الشاعر السكّير والشاذ, والذي لازمه حدَّ هروبهِ وتشرّده معه, وفي رحلاتٍ عديدة قضياها بمجونٍ ومغامراتٍ وشجاراتٍ, انتهت بفراقٍ حطَّم «راميو» الذي لم يعد يُشفى من عللهِ وغيبوبته الهسترية.‏

حتماً لا يمكن اعتبار علاقة الصداقة التي جمعت بين هذين الشاعرين, كعلاقات الصداقة التي جمعت بين غيرهم، وسواء من لم نذكرهم أو حتى من ذكرناهم وعكست علاقتهم الصداقة الحقيقية.. نعم, لا يمكن اعتبارها كذلك لطالما, تركت علاقتهما من الأثر ما لاحقهما بعد موتهما, وبالشكوكٍ والدراساتٍ العديدة التي لازالت مثارَ اهتمام أصحابَ الأقلامِ النهمة لإثارةِ ما يُضاف إلى الكتابات الفضائحية..‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية