وذلك لأنها ليست مكشوفة – كما حدث في البلدان العربية التي عصفت بها الأحداث – بل فرضت خصوصيتها, وقدّمت نموذجها الذي لم يكن مؤهّباً لاستقبال ما حصل في غيرها من بلدان العرب, فالنظم التي سرعان ما تمّت عملية تقويضها رغم عمالتها للغرب الأمروصهيوني تمّت المجازفة فيها لكون القادمين سيتحولون إلى خدمٍ أكثر طاعة وامتثالية من النظم التي تم تدميرها.
وما نراه حتى اللحظة كيف أن إعادة التأسيس للنظام المطلوب تواجه معارك وطنية من الشعب العربي الذي اتضحت له الحقائق المستورة وما جرى تحت الطاولة وأظهروه باسم الربيع والدمقرطة والحرية وحقوق الإنسان. وما يتمظهر الآن من تحولات ذات طابع نسقي داخلي أو إقليمي أو دولي يشعرنا بأن المنظومات التي تتشكل راهناً تمثل الراجع السياسي والوطني الطبيعي للمدخلات الوطنية التي قدّمها شعب سورية المتمتع بآفاق موضوعية في فهم ما جرى ويجري من حوله.
والذي له عراقة في تجربته التاريخية من قديم الزمان حتى التاريخ الحديث في التصدي للقومية الطورانية التي استهدفت تتريك العرب, وعثمنتهم رغم لغة قرآنهم وقداستهما معاً. وبناء عليه فإن الإيقاع السوري يفرض نفسه في مجالات التصدي لمن تسرّب من خارج الحدود, وزعزع الأمن الداخلي, وعطل الحياة الوطنية التي كانت تُحسد عليها بلدنا, ولمن تحالف على سورية في الإطار الإقليمي, وكذلك الدولي, ومنه فالسنتان اللتان مرتا على شعبنا قد منحتاه في العقل التاريخي خبرات مهمة حيث تعطلت معها أشكال وصور الميديا الإعلامية التي كانت مستهدفة هذا العقل التاريخي للسوريين ليخترقوهم, ويفتّتوا وحدتهم الجيوتاريخية, وينسفوا السيكولوجية السورية ذات الأبعاد الأخلاقية, والإنسانية, والمجتمعية حتى لا تتواصل بين الناس في بلدنا قيم المواطنة في الوطن الواحد, وقيم المثل العليا في المجتمع الواحد, وقيم السياسة والمشروع الواحد لوطن الجميع, نعم هذا ما استهدفوه حتى يفرضوا تداعيات من نماذج ما يرغبون فيه تضيع معها ملامح من عاشوا على هذه الأرض منذ عشرة آلاف عام, وقدّموا للبشرية أول أبجدية لها.وإذا ما استدرك عقلاء الوطن ما الذي استهدفوه؟ وماذا صنعوا في تقطيع أوصال وطننا الغالي, وتجويع مواطنيه؟ وتدمير أسباب الحياة لن يقبلوا بغير الحوار هدفاً, وبغير العملية الوطنية السياسية طريقاً, وبغير استعادة قيم العيش المشترك منهجاً, وبذلك ستفتح الآفاق نحو طاولة الحوار الوطني على أساس من الشراكة الكاملة الحقوق وخاصة أن المواطن الوطني السوري حين وجد أن حُمّى الغطرسة الصهيونية قد أصابت جنرالات العنصرية في إسرائيل بضغطٍ عالٍ من الحقد فهاجمت جمرايا ومركز البحوث العلمية المقام من أجل تقوية الوطن, وتنميته؛ نعم حين هاجمت إسرائيل واخترقت السيادة الوطنية كشفت عن الملف الذي كان التستر عليه مطلوباً طالما أن الشعب السوري بوهمهم لا يمتلك زمام المبادرة في الأحداث التي خُطِّطَ لها من قبل الأمروصهاينة وأدواتهم أن تدمر الدولة والمجتمع والوطن بآن معاً.
أما حين أصبح زمام المبادرة بيد الشعب وجيشه – كما أكد وزير الدفاع السوري- فلا بد أن تحاول إسرائيل بأي محاولة عدوانية تعيد فيها المعنويات للذين لم يعد لديهم القدرة على مواجهة شعب متماسك بوطنيته, وأخلاقياته, ومبادئه, وبهذا التماسك صارت سورية على جدول كل مؤتمر دولي في العالم كما حدث هذا الأسبوع في مؤتمر الأمن الدولي بمدينة ميونيخ الألمانية حيث التقى على هامش المؤتمر رئيس خارجية روسيا لافروف, وبايدن نائب الرئيس الأميركي, ومما تحدث به لافروف يشير إلى أن تبرير الإرهاب من أجل إسقاط أنظمة شرعية هذا أمر مرفوض, ويجب معالجة الأزمات في الدول المعنية عبر الحوار الشامل وبعيداً عن الإملاءات الخارجية, والعقوبات, وأكد لافروف على خرق أمريكا والأطراف التي توافقت على ما سمي (اتفاق جنيف) لما اتفق عليه مما عرقل الحل السياسي في سورية حتى اليوم, ودعا الجميع إلى رفض مقولة المعايير المزدوجة في التعامل مع الإرهاب الذي نسانده في مكان من العالم, وندعي مقاومته في مكان آخر.وإذا اعتبرنا أن انعقاد مؤتمر ميونيخ التاسع والأربعين للأمن قد فضح سياسات الغرب الأمروصهيوني حيث أعلن فيه ممثل روسيا لافروف عن رفض سيكولوجيا الحرب الباردة حتى تتم رؤية العالم كما هو عليه باعتبار أن زعزعة أمن العالم واستقراره تحت حجة تغيير الأنظمة بالربيع المزعوم لا بد أن تطال موجاته التي تخلق عدم الاستقرار في كل نقطة من هذا العالم.
وما فضحه المؤتمر هو السياسة المزدوجة لأميركا التي لا تريد من خلالها استقرار العالم طالما أنها لم تعد قادرة على التحكم فيه كما كانت عليه, ولذلك لم يعد لها هدف سوى حماية إسرائيل وجعلها القوة الأعظم في المجال المتوسطي الآسيوي والإفريقي, وبه فلا بد من نسف القوة المتنامية لسورية, ثم تدمير الجمهورية الإيرانية بذريعة النووي, وتفتيت المنطقة بعنوان الشرق الأوسط الجديد, وهذا الحال لم يعد تخميناً في السياسة والاستراتيجية بل لا بد لكل وطني مخلص من أن يقرأ ما فعلته إسرائيل على ضوء المتحولات المركّبة التي ذكرناها, والتي ليست في صالحها. وهذا ما يدعونا إلى طاولة الحوار الوطني بدون شروط تعيق افتتاحها, ويدعونا إلى وقف كل ما يمنع من إعادة الأمن والاستقرار ومواصلة الحياة الوطنية المتناغمة في مشروع وطني يصنعه الجميع, ويدافعون عنه, والسوريون قادرون على ذلك بسيادة واستقلال كاملين.