لست هنا في وارد عقد مقارنة بين القطاعين لأن الأب يعتبر دوماً التضحية جزءاً من واجباته تجاه أبنائه، أما الآخر فيجزم بأن الربح حق مكتسب لقاء استثماراته، ولا يجوز لأحد مشاركته رأس ماله، حقيقة نعيها ونلتمس الأعذار والمبررات للمؤمنين بها، لكن على من يتنطح للقيام بأدوار فضفاضة عليه أن يلتزم بألف بائها كحد أدنى خاصة ما يتعلق منها بالقطاعين الصحي والتربوي اللذين استقطبا كثيراً من الطامحين لمزيد من الأرباح الفلكية المضمونة.
فالمؤسسات التعليمية استطاعت استقطاب شريحة لا بأس بها من أبناء أسرنا السورية، ولكل مبرراته لكنها لم تستطع أن تكبح جماح رغبتها بإفراغ جيوب تلك الأسر تحت بنود أقساط تبدأ ولا تنتهي، وإن اعترض إحداها ظرف طارئ سيحول دون استيفاء تلك الأقساط عندها تحجب ابتسامات المجاملة، وعبارات الملاطفة، ويبقى الكلام للغة المال فقط مؤيداً عند اللزوم بقرارات وزارية خرقها ممنوع، علماً أنها ليست نصاً قرآنياً أو حديثاً نبوياً أي تعديلها أو حتى تجاوزها أمر ممكن بل واجب، كحالنا اليوم مع أسر اضطرت لمغادرة محافظاتها إلى أخرى تحت ضغط تبعات الأزمة ليأتي رد تلك المدارس رفض منح ذوي الطلبة أضابير أبنائهم قبل تسديد كامل قسط فصل دراسي لم يلتحقوا به.
والمفارقة بهذا القطاع الذي لا يفرط بحقه مع كامل أرباحه استباحته لحقوق آخرين يعملون لديه وليس معه لأنه لا يؤمن بالمشاركة، وشاهدنا من ذات القطاع لكن لمرحلة التعليم الجامعي الذي قدمت الدولة ما قدمته من تسهيلات لافتتاح جامعات تكون رديفاً لنظيراتها الحكومية غير أن الواقع لم يأت ملبياً للطموح خاصة في مرحلتنا هذه التي يعاني فيها الطلاب ومدرسوهم معاً من جور بعض الجامعات سواء لجهة المقرات المختارة كبديل عن مواقعها الأساسية دون مراعاة توفر مقومات استمرار العملية التعليمية بالشكل المطلوب والمنسجم مع حجم الأقساط المقتطعة، أو لجهة براءة ذمتها تجاه كوادر تدريسية لم تتغيب يوماً عن القاعات الدرسية طوال عامي الأزمة، رغم مفاجآت الطرقات ومخاطرها، لتكون المكافأة تقديراً لجهودهم تأخير أجورهم حيناً ومنحهم إياها بالقطارة أحياناً أخرى والذريعة عدم توفر السيولة، وكأنهم يتعاملون مع أحد تجار سوق الهال لا مع مؤسسة تعليمية أبرموا معها عقوداً نظامية احترامها واجب، والالزام بتطبيقها يقتضي الحزم والحسم مع من يتذكر حقوقه ويتذاكى على حقوق الآخرين في ظرف يظنه الأمثل للتشاطر والتطاول، فهل من مقوم للأمور ومنصف للمظلوم؟