لكنها وبعد مرور خمسة وستين عاماً من عمر هذا الصراع صار من حقنا أن نبادر إلى ابتكار رد جدي مع هذا العدوان يتناسب مع قدراتنا أولاً ومع الجرح الذي مسّ كرامتنا ثانياً، مع يقيننا بأننا نملك القدرة الكافية للرد والردع، وأن كرامة السوريين يجب أن تعلو فوق كل اعتبار عندما يتعلق الأمر بأمنهم الوطني، فمن زمن متطوعي جيش الإنقاذ في أواخر أربعينيات القرن الماضي إلى وقتنا الحاضر مروراً بكل الخيبات والانتصارات التي تحفل بها سجلات تاريخنا الحديث منذ ذلك الزمن أعطى السوريون لهذا الصراع ومعاركه المتوالية ما لم يعطه العرب مجتمعين، فمنهم الشهداء ومنهم الجرحى والمقعدون ومنهم كفاف حياتهم، والكثير من أحلامهم التي أهدروا شموعها في معارك الشرف والعز التي ألهبت جنوب سورية دفاعاً عن حق مغتصب تواطأت عليه الأمم وابتلعته مافيات القانون الدولي وحادت عنه كل قوانين العدل التي توافق عليها البشر للحفاظ على سلام هذا الكوكب الأرضي وأمنه!
مازال السوريون قادرين على العطاء وهم في عز محنتهم ومازالوا وهم يواجهون موج اختلافهم على تفاصيل حياتهم السياسية متفقين على الاعتزاز بكرامتهم والتثبت بهويتهم المقاومة التي أنشأتهم على البذل والتضحية في سبيل المبادئ وأمام العدوان الصهيوني لن تجد فيهم من يخفض الجبين أو يخطئ الخيار إلا قلة تلوثت عقد لها بثقافة المال النفطي وراهنت على الشيطان لتعميم الخراب والقتل في وطن الحضارة والتاريخ، أما السوريون فهم في المكان الذي لم يبارحوه معتصمون بصبرهم وصمودهم يحملون على أكتافهم أعباء تاريخهم ومشقة الدفاع عنه أشهى إليهم من كل ثروات العرب وكنوز مشايخها الأميين المهووسين بأوهام العظمة الزائفة، ولأن السوريين مازالوا يغرسون أقدامهم في تراب هذه الأرض الصلبة فأنت تراهم اليوم في عز محنتهم يعصبون جراحهم وينطلقون إلى الرد على العدوان الصهيوني الذي استهدف مركزاً علمياً على كتف عاصمتهم كانت تطبخ فيه معادلات قوة وطنهم ونهضته بأيد سورية خالصة أثبتت مهارتها وتفوقها في ميدان العلم الحديث!
لا يطلب السوريون الرد على العدوان من قبيل المجازفة فهم يعرفون قدرات دولتهم التي تراكمت مع السنين وبلغت حدود الاكتفاء بما يحفظ كرامة الوطن وسيادته ويعرفون كفاءة جيشهم الذي يذهل العالم في كل اختبار وهو في حربه على الإرهاب يجدد عافيته وهو مازال قادراً على الرد بسلاح لم تلمسه يده بعد والسوريون يعرفون أيضاً أنهم وإن خذلهم كل العرب فهم درة عند المقاومة وقلب جبهتها تلك الجبهة التي تزداد قوتها وصلابتها أكثر مما يتصور الآخرون وعلى عاتقها تحمل مسؤولية بناء هذا الشرق من جديد على المثال الذي يطمح إليه أبناؤه لا كما يتوهمه المأجورون وأولياء أمرهم الحمقى وفي ضوء ذلك فالسوريون يلهجون بطلب الرد على العدوان في ضوء اليقين لا من باب المجازفة!