فالأب المنكوب, الذي أتى إلينا حينئذ شاكياً لم يستوعب ماحصل.. فأن يموت أطفاله الثلاثة أمام عينيه لعدم توفر الحاضنة, شيء لايقبله منطق ولا يدخل في إطار المعقول.. وكم تملكني الخوف, عندما صارحني الطبيب بحاجة ابنتي المولودة حديثاً إلى حاضنة وسرعان ماتبادر إلى ذهني تلك الحادثة المشؤومة فوجدتني أسأل الطبيب بوجل: وهل هي متوفرة?! فنظر إلي مستغرباً السؤال, وأحالني إلى قسم الحواضن في مشفى تشرين, لأرى بأم عيني الشيء الذي اعتقدت أنه أندر من لبن العصفور, وذلك بالطبع من تأثير الحادثة التي حققت بها بنفسي, وسبق أن نشرت وقائعها ..
أمام ذلك القسم أنا تحررت باللاوعي من سوداوية تلك الحادثة, والأمر بعيد عن الدعاية والإعلان لأن القسم كما لاحظت لم يكن يحمل لافتة تدل على وجوده, ورغم ذلك وجدت نفسي أنتقل تلقائياً وبمنتهى السلاسة والتنظيم من غرفة استقبال الأهل, إلى غرفة قبول واستقبال المرضى إلى غرفة العناية الخاصة, ومن ثم قسم الحواضن والعناية المشددة.. تسع عشرة حاضنة, وغواصتان ( وحدتا معالجة ضوئية مكثفة, وفريق عمل متكامل يعمل بصمت ليل نهار ). هذا هو باختصار قسم الحواضن في مشفى تشرين, فالكادر بدا مؤهلاً لممارسة أسلوب جديد في المعالجة يغني عن تغيير دم الطفل, إلا فيما قل وندر.. فقد قيض لي أن أزورهم بحكم مواعيد رضاعة ابنتي على مدار 24 ساعة (كل ثلاث ساعات مرة ) ولم أجد ملاحظة أوجهها لأحدهم, ولم أحتج لالتماس توصية أو دعم من أحد..
هل هي معجزة?!..
أبداً.. إنما كان كل شيء يسير بعلم ومراقبة وتحليل.. وقد لايدرك أبعاد هذا الإنجاز, إلا من دفع تكاليف معالجة الأطفال في حواضن مشافي القطاع الخاص.. والتي تجاوزت حسب ماذكر لي أحدهم (200) ألف ليرة سورية ورغم فداحة هذا المبلغ الذي حسبنا فيه الكثير من المبالغة إلا أن هذا يدفعنا للقول أخيراً:
إن في زيادة عدد الحواضن حياة المزيد من الأطفال.
فهل يبقى هذا الإنجاز حكراً لمشفى تشرين أم يتسع طيف التجربة بذات الزخم والدعم لتشمل المزيد من مشافي القطاع العام بما فيها مشفى الأطفال?!