تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


دبلوماسية الليمونة المعصورة

شؤون سياسية
الاثنين 3/9/2007
توفيق جراد

لن تسلم منهم ولو اتبعت ملتهم, وإن أمنت لهم فهم في ريب منك حتى تزول, وهم في سعي دائم لسبر أغوار مايدور في ذهنك وعيار هذا السبر القتل المستهدف الذي يمارسونه يومياً بحق شعبك, وإن أبديت تذمراً من سلوكهم قالوا: إنك في موضع الشك عندهم. هذا مايمكن به إيجاز تجربة أي قائد فلسطيني ألزمته الظروف بالتعامل معهم.

فبعد أن وقعت السلطة الفلسطينية على اتفاق أوسلو حتى يومنا طرحت الصحافة الإسرائيلية سؤالاً مركزياً وإن ضمناً: هل يثق الإسرائيليون برئيس السلطة الفلسطينية? هذا مايفهم من تصريح أدلى به مصدر رفيع المستوى في مكتب رئيس الحكومة ايهود أولمرت قال فيه: ( يوجد تفاهم في مكتب أولمرت على أن اسرائيل في شرك بالنسبة لشرعية عباس بين الجمهور الفلسطيني, إذ طالما جرى اعتبار الرئيس الفلسطيني أنه يعمل باسم إسرائيل من أجل مكافحة الإرهاب ) ( وهو مصطلح يقصد به هنا حركة حماس والمنظمات التي مازالت ترى في المقاومة سبيلاً لاستعادة الحقوق الفلسطينية ), وشدد المصدر على أن ( التحدي المركزي في المحادثات مع الفلسطينيين ليس اتفاق المبادىء, بل قدرة عباس على السيطرة الحقيقية على الأرض والوصول إلى وضع يكون فيه لقواته احتكار استخدام القوة ).‏

الشك البادي من التصريح الصادر في ختام مداولات جرت في إطار مجلس الأمن القومي الإسرائيلي يذكرنا بما سبق لرئيس الحكومة السابق أرئيل شارون أن قاله ذات مرة بشأن عباس إنه ( لم ينبت الشعر على جلده بعد ) في تعبير قصد به أمرين: الأول أن السيد عباس ليس موضع ثقة بالنسبة للمستوى السياسي في اسرائيل. وبناء عليه, وهذا ثانياً, فإن السيد عباس (لايعتبر في نظرهم شريكاً يمكن التفاوض معه), رغم مفاوضات أوسلو.‏

تفسير هذا التناقض البادي في المواقف الإسرائيلية يكمن في أنه يتم التعامل مع أي مفاوض فلسطيني وفق ( دبلوماسية الليمونة المعصورة ), كلما عصرته, أي ضغطت عليه قدم المزيد وإذا توقف عن ذلك فإنه لايعتبر طرفاً يمكن التفاوض معه.‏

وهذه الدبلوماسية هناك أكثر من مثال عليها في المفاوضات مع اسرائيل ففي قضية القدس وكما تقول هآرتس: فإن نقطة الانطلاق في هذا المجال ينبغي أن تكون المفاوضات التي يتعين أن تشمل ( القدس) من حيث إن قضيتها ( قضية أديان ) وليست ( قضية مدينة واقعة تحت الاحتلال ). يبعث هذا القول في الذاكرة, ما سبق لوزير الخارجية الأميركي الأسبق جيمس بيكر, أن قاله, وهو يناقش في الكونغرس عام 1992 مسألة تقديم ضمانات قروض بقيمة عشرة مليارات دولار لاستيعاب القادمين الجدد من يهود الاتحاد السوفييتي السابق, وبلهجة منبرة accentuated » إن القدس مدينة محتلة ينطبق عليها ماينطبق على الضفة الغربية من قرارات وأولها القرار /242/. ولأنها »مدينة أديان) فإن المقترح الإسرائيلي, في ثوبه الجديد, يرى وفي إطار الحل الدائم » أن تدير كل ديانة أماكنها المقدسة ), وهواقتراح ينسف من الجذور ماورد في قرار تقسيم فلسطين أن تكون القدس ذات وضع خاص corpus separatum وتديره هيئة دولية لها مجلس خاص, مدته عشر سنوات, وقد ألغي هذا البند من قرار التقسيم »عرفاً) عندما تم اللجوء إلى الاتفاقات الثنائية التي نظمت وصول اليهود إلى أماكن عبادتهم (حائط المبكى ) في البلدة القديمة من القدس.‏

أما قضية اللاجئين فإن المقترح يتحدث عن »إمكان) أن تعترف اسرائيل بمسؤولية ما عن معاناة اللاجئين, إلا أن عودتهم ستكون إلى الدولة الفلسطينية المزمع إنشاؤها أو توطينهم في البلاد التي هم فيها, وهي فكرة لم تغادر كونهم مواطنين ب » حق الولادة ) في هذه البلاد. أما الحدود فهي حسب المقترح الاسرائيلي, حدود جدار الفصل الذي أقامته اسرائيل في الضفة الغربية مع تعديلات وصفت بأنها »تجميلية) cosmetic. وهذا يذكرنا باقتراح الرئيس الأميركي جيمي كارتر في آذار عام 1977 الذي رأى فيه أن ترابط قوات إسرائيلية فيما وراء خطوط عام 1967 لضمان أمن اسرائيل, بمعنى أنه يتعين على المفاوض العربي عموماً والفلسطيني خصوصاً أن يقبل بطروحات الأمن الإسرائيلي حتى يكون موضع ثقة, وإلا فإنه لن ينال الرضى.‏

وتفرد الخطة الإسرائيلية حيزاً ل » الممر الآمن ) الذي يعرف ب »ممر ترقوميا) ( جوار الخليل ) ويربط بين الضفة الغربية وقطاع غزة. وحسب الخطة الإسرائيلية تكون السيطرة على أن الممر الآمن بيد الفلسطينيين إلا أن الأرض المقام عليها تبقى تحت السيادة الإسرائيلية, على أن يقترن البدء بتفعيل الممر بعودة السلطة الفلسطينية لتكون صاحبة الشأن في قطاع غزة, وحسب التقديرات فإن إجراء من هذا النوع سيساهم في تأليب الرأي العام في القطاع ضد سلطة حماس. المقترح الوارد آنفاً يجسد نموذجاً لآراء واتجاهات فكرية طرحت على الساحة السياسية في الكيان الإسرائيلي وظفت ماحصل في غزة وفي الضفة الغربية بما يصب في خدمة المصالح والأهداف الصهيونية الثابتة وهي تفتيت وتجزئة قضية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.‏

< باحث فلسطيني‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية