تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


المعاهد الموسيقية.. أنغام حزينة!!

شؤون ثقا فية
الاثنين 3/9/2007
آنا عزيز الخضر

تغيب المعايير الجمالية والحقيقية عن موسيقانا الحالية وتفتقر غالبية الألحان والأغاني إلى الأساس السليم حيث تغيب الملامح المميزة لصالح الفن الهابط التجاري فوصلت الموسيقا إلى حالة من التردي تتطلب فيها الرد الحقيقي عبر مجموعة معطيات

أولها الاعتماد على مؤسسات تعنى بدراسة الموسيقا الراقية التي تمثل البديل الحقيقي في كل الاتجاهات وتأتي المعاهد الموسيقية في سورية بمنهاجها وأنشطتها واستمراريتها كأحد المحاولات الإيجابية في هذا الاتجاه فماذا عن واقعها ومعوقات فعاليتها.‏

سألنا القائمين على إدارتها ومدرسيها , أساتذتها وخريجها, فظهرت المشكلات المادية والإدارية والقانونية في كل المناسبات وهم يطالبون بحلها فصعوبات عديدة تقف حائلاً دون عطاءاتهم التي لم تتوقف رغم الظروف المعيقة‏

معهد ل(4) ملايين في دمشق‏

صعوبات في كل الاتجاهات‏

عن هذا تحدث مدير معهد / صلحي الوادي/ الأستاذ / جوان قرجولي/ فقال: بداية لا بد من القول بأن المعاهد الموسيقية في سورية والتي تعلم الموسيقيا بشكلها الإحترافي تعد على أصابع اليد الواحدة, المعهد العالي للموسيقا- معهد صلحي الوادي- المعهد العربي للموسيقا بحلب- حيث تتعدد أهداف هذه المعاهد على قلتها والتي تبدأ بالناحية التربوية والثقافية ولا تنتهي عند الجانب الحضاري للفن والموسيقا تلك التي تعتبر واجهة حضارية لأي بلد , إذ تملك قوة تأثيرية ووقعاً خاصاً أكثر من أي مجال آخر من هنا يجب أن نهتم بالتعليم الأكاديمي الفني بكل اختصاصاته وبالموسيقا بشكل خاص والتي تعاني الإهمال عندنا إذ لا بد من لفت النظر إلى ضرورة وجود معهد على الأقل في كل محافظة على نفس سوية معهد صلحي الوادي للموسيقا ومن جهة أخرى يجب تواجد معاهد أخرى في دمشق حيث يبلغ عدد سكانها 4 ملايين يعتمدون على معهد واحد رغم إنها تحتاج لأكثر من خمسة معاهد فمثلاً معهدنا يستوعب 230 طالباً ونحن نستقبل 527 طالباً ولا بد من التأكيد بأنه ورغم أهمية ما يصنعه معهد صلحي الوادي من تخريج طلاب موسيقا فردوين بالخبرة العلمية والأكاديمية وأجيال ومدرسين وفرق موسيقية جادة عالية المستوى إلا أنه هناك معوقات تتربص بعمل المعهد وأنشطته وإبداعاته أولها بناء المعهد غير المخصص للموسيقا وهو بناء سكني تم استئجاره منذ 46 سنة , فالمعهد ليس مؤهلاً لأن يكون معهداً تدريسياً وعلى سبيل المثال عندما أمطرت في الشتاء الماضي امتلأ / القبو/ المفترض أن يكون قاعة حفلات بالماء إلى حد استنفر فيه الجميع لمدة ثلاث ساعات حتى لا تتلف أجهزة/ البيانو/ التي يصل سعر الواحد منها إلى ثلاثة ملايين ليرة سورية , ولم تمر مناسبة إلا وذكرنا ما يحصل في معهدنا الذي يصمد ويقوم بدوره الثقافي والعلمي رغم الصعوبات إذ نعمل بأقصى طاقتنا لكن المشكلات تبقى عقبة كبيرة بالنسبة إلينا وبصراحة تامة لولا الالتزام الأخلاقي للمدرسين معنا لفرغ المعهد منهم وهل يعقل أن أجر المدرس في معهدنا إلى وقتنا الحالي هو 75 ل.س للدرس, وأقول : بأن المعهد الذي يقدم الكثير لا يوجد فيه لا نظام مالي ولا إداري ولا ميزانية , فلا هو مديرية رئيسية في وزارة الثقافة ولا يتبع أي مديرية أخرى , وقد قدمنا مؤخراً مشروعاً متكاملاً إلى وزارة الثقافة لتصحيح هذا الوضع بأكمله ونأمل الوصول إلى حل كل تلك المشكلات‏

قوانين تتطلب إعادة نظر‏

ظروف العمل في المجال الموسيقي وفي المعاهد الموسيقية وخارجها تضيق بخناقها على الموسيقيين الملتزمين وإبداعاتهم وتمنع عطاء الموسيقى كي يعيش قي حالة من الروتين الذي يحول الفنان إلى مجرد موظف وقد أكدت هذه المقولة آراء عديدة لموسيقيين خريجين وأساتذة في المعاهد منها كان رأي الأستاذ/ نوار خوري/ رئيس قسم النظريات في المعهد العالي للموسيقا فقال: الإختصاص الموسيقي حالة نوعية لأنها حالة تآلف فريد بين الموهبة والدراسة العلمية فنحن نعمل في مجال صعب يحتاج إلى العمل والتفرغ وهذا التفرغ له انعكاسات كبيرة فإما أن أعزف موسيقا هابطة خلف الراقصات حتى استطيع أن اؤمن مستوى معاشياً مقبولاً لأسرتي أو أتابع من خلال الموسيقا الكلاسيكية الراقية وبقطع الأنفس أحصل على متطلبات الحياة إذا أجرينا مقارنة على العائد المادي فإن ما نحصل عليه أقل من 10% ما يحصلون عليه أساتذة الموسيقى في كل أنحاء العالم في الوقت الذي نحتاج فيه للتفرغ الكامل للعمل الموسيقى حتى نطور من أنفسنا, معادلة صعب التحكم بها مما يمنع الكثيرين من الإبداع والعطاء لأننا نعمل بكل طاقتنا أساتذة وطلاب , وعندما نرى المقابل زهيد اًجداً يتحول الإبداع إلى حالة من الروتين ولا بد من الذكر بأن القوانين التي تحكمنا قديمة ويتوجب إعادة النظر فيها ودراستها من جديد‏

الإعلام بعيد‏

عن دعم الموسيقا الجادة‏

تتطلب السويه الموسيقية ورواج الهابط منها معطيات مختلفة لخلق جو صحي كفيل بإرساء المعايير الصحيحة واستنفار الطاقات لكن الواقع يناقض ذلك بشكل مطلق حول ذلك تحدث الأستاذ / فادي عطيه/ رئيس قسم الغناء في معهد صلحي الوادي فقال: الموسيقا الكلاسيكية التي نعلمها في المعهد ليست ردة فعل على تلك الموجة الهابطة بل هي الأقدم وما نراه من تسطيح يظهر على أن الموسيقا تبدو مشابهة لكل ما يحصل على كرتنا من تغليب العلاقات المادية‏

والخواء الانساني وسيطرة القيم الاستهلاكية في كل شيء والرد بالنسبة للموسيقا هو المحافظة عليها ودعمها كي تتمكن من سد الثغرات التي تحاول أن تعصف بكل ما هو راق إن كان مفاهيم أو فنون أو موسيقا أو رموز أوكل التراكمات التي وصلتنا نتيجة اصطفاءات انسانية نوعية, وإذا ما أردنا أن ندعم الموسيقا الراقية يجب أن ندعم الموسيقيين القائمين عليها وندعم المؤسسات الموسيقية النوعية, إذ لدينا أكثر من 1000 فرقة موسيقية يصل الجاد منها إلى 30 فرقة فقط وهذا ما يلزم دعمها معنويات ومادياً إلى جانب المؤسسات التي تشرف عليها دون أن ننسى البنى التحتية اللازمة هذا عدا صعوبة ظروف التدريس والذي أقلها تنسيق التدريب في المعهد مع قيلولة جيرانه من السكان ثم افتقارنا للأدوات الحديثة فأحدث طاولة للطلاب تعود إلى 46 عاما خلت, إنه أمر مستهجن أن يحصل ذلك في مؤسسة محترمة لها تاريخها فهو الذي أسس للمعهد العالي للموسيقا وخرج إلى النور بكل الفرق الجادة من /السمفونية/ إلى فرقة الموسيقا العربية وغيرها وإذا ما سئلت عن تمسك الأجيال الجديدة بما هو دارج لا أستغرب لأنه هناك غياب للبديل الحقيقي وغياب للمعطيات التي تأخذ بيده إلى الفعالية الحقيقية على أرض الواقع.‏

ومن جهة أخرى لانجد في وسائل الإعلام ما يحقق التوعية حول الموسيقا الكلاسيكية وما يخرج من برامج موسيقية إلى النور كفيلة بخراب الموسيقا وغيرها مثلاً /ستار أكاديمي/ من أسوأ البرامج الموسيقية فلماذا لايكون هناك ما يوازيه يتحدث عن الموسيقا بشكل صحيح وجاد وتكون تكلفته المادية أقل بكثير , لأن الرد الحقيقي على مانراه يكون عبر مشروع مؤسساتي متكامل تدعمه وسائل الإعلام بكافة أساليبها إضافة إلى المؤسسات المعنية بهذا الشأن.‏

الموسيقي يعيش واقعاً مضنياً‏

أحد خريجي المعهد العالي للموسيقا ورئيس /قسم الوتريات في معهد صلحي الوادي/ عاش تجارب تدريسية ومهنية في مجال الموسيقا فتحدث عن وجهة نظره حول واقع الانسان الموسيقي فقال الأستاذ/ شادي العلي/ مبيناً صعوبات كثيرة تعترض حياة الموسيقي: يساهم المعهد العالي من خلال الدراسة الأكاديمية التي يقدمها للطلبة في نشر الموسيقا الكلاسيكية إلى جانب الموسيقا الشرقية الكلاسيكية هادفاً لتطوير الذوق العام ونشر هذه الموسيقا الراقية وقد أفرز إلى جانب معهد صلحي الوادي فرقا موسيقية كثيرة كان لها حضور عالمي ومحلي وبالطبع لم يكن ما أنجزناه سهلاً , فجمهورنا غير معتاد على سماع هذا النوع من الموسيقا إن صح القول فهناك فئة قليلة تهتم بها لكن إصرار المعهد على أداء دوره الفني والحضاري وإصرار العازفين على الاستمرارية في الفرقة /السمفونية/ وغيرها جعل جمهورنا يحب هذا النوع من الموسيقا ويقبل بحماس على حضور الحفلات , فالمعاهد الموسيقية عملت على المحافظة على نظافة الذوق وحمايته من التشوه الذي أصاب الموسيقا في المراحل الأخيرة وكان له الدور الأكيد في تأهيل الأجيال لحفظ هذه الموسيقا بالشكل الصحيح والصحي , أما بالنسبة للعوائق التي تقف في وجه الموسيقي في بلادنا ,أظن أولها الجانب المادي فالوضع المعيشي للموسيقي مضن ومترد فهو لايستطيع أن يقوم بإبراز جمالية الموسيقا والعمل على تطويرها بالشكل المطلوب , فأنا مثلاً واحد من الكثيرين الذين تخرجوا من المعهد العالي للموسيقا وعملوا في الفرقة /السمفونية/ الوطنية لكنني مضطر كسائر الخريجين العمل في عدة فرق خارج نطاق المعهد العالي وأقصد الفرق الخاصة لتأمين مستلزمات الحياة مما يجعل الموسيقا مورد رزق أكثر من كونها فناً يرتقي بالروح وذلك يبعد الموسيقي عن الإبداع لصالح مشاغل الحياة.‏

كنز يجب التمسك به‏

رغم كل تلك الصعوبات فهناك أعمال وأنشطة وفرق وحفلات مستمرة تقيمها تلك المعاهد المصرة على تقديم الفن الجيد وأداء دورها الحقيقي في رفع الذائقة الفنية لدى الجمهور وكانت الفرق العديدة التي أفرزتها المعاهد الموسيقية كثيرة بدءاً من /السمفونية الوطنية/ إلى فرقة الموسيقا العربية- فرقة/ ردريغو/ نهاوند/ وغيرها من الفرق ,التقينا مع مايسترو فرقة /نهاوند/ التابعة لمعهد/ شبيبة الأسد/ فتحدث عنها قائلاً: تهدف الفرقة إلى إحياء الفلكلور السوري بما فيه من الأغاني الشعبية وصولاً إلى الموشحات والألحان الشرقية, إذ تعنى التجربة بالموسيقا العربية حيث يتم تناول اللحن العربي/الميلودرامي/ التراثي مع مرافقة موسيقية تضفي جمالية وعذوبة على السمع بهدف رفع مستوى الذائقة الجمالية, ونسعى من خلال الفرقة القيام بمهمتنا لإقناع العالم بأنه لدينا موسيقا تعتبر كنزاً حقيقياً وموسيقا جادة وملتزمة يجب التمسك بها , إذ لاتقل أهمية وشأناً عن الموسيقا العالمية حيث تمتلك الطابع الخاص والقيمة الأصيلة أما الفرقة لديها الكثير من المشاريع والخطط لتطوير العمل الذي يجمع بين الموسيقا الغنائية والآلية.‏

لهامهام وطنية‏

أما الأستاذ /هيثم أمين/ مدير معهد /شبيبة الأسد/تحدث عن دور المعاهد الموسيقية عموماً ومعهد شبيبة الأسد بشكل خاص, مؤكداً على أن الموسيقا ترتبط بالهوية الوطنية كونها أحد النتاجات الثقافية فقال: يهدف المعهد إلى تدريب الأطفال في سن مبكرة حيث للمعهد أهدافه التربوية والفنية وتهيئتهم لمتابعة الدراسة في المعهد العالي للموسيقا .وأذكر هنا أن للمعهد شروطاً انتقائية تختار الموهبة الحقيقية ثم تصقلها بالدراسة العلمية حيث تعتبر الموسيقا بشكلها الراقي أحد المنجزات الثقافية التي تعبر عن الروح الجماعية وثقافتها وهويتها وسعي الكيان الصهيوني إلى اللعب على التراث الفلسطيني وسرقته ثم نسبه للإسرائيليين إلا دليل على أهمية الموسيقا كفن يساهم في بلورة الهوية وهذا ما يدعونا جميعاً المحافظة على هذا الركن المهم من ثقافتنا بتراثها وتفاصيلها وبكافة الوسائل الشفهية والكتابية وضرورة ترسيخها عند أجيالنا لذلك فإن المؤسسات الموسيقية الأكاديمية لها دور وطني ويتوجب دعمها بكافة السبل للقيام بمهمتها.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية