|
قضّية ( الدعم) والحوار الموضوعي الغائب محطة والقول بأنها ليست ضرورية أو حتمية, بل انها متسرعة ويمكن أن تؤدي إلى نتائج مؤلمة جداً, وحتى كارثية, إضافة إلى دعوات متزايدة بضرورة التعمق بدراسة الآليات المقترحة والتدقيق الشديد بالاجراءات وأخذ النتائج كافة بالحسبان والتحسب. والمتتبع لأطروحات الفريق الحكومي صاحب فكرة تنفيذ إلغاء السعر المدعوم للمشتقات النفطية, وكذلك الردود المضادة لبعض الأكاديميين والباحثين الاقتصاديين والمثقفين, وبيانات الأحزاب .. يلاحظ أن الجانب الحكومي يركّز بقوة على الأبعاد والمعطيات الاقتصادية, كمسألة المقارنات السعرية ( بين المحلية والعالمية), وقضية الخسائر الهائلة التي تتعرض لها خزينة الدولة نتيجة للأسعار الحالية للمشتقات النفطية, حيث يؤكد - مثلاً - أن حجم الدعم للمازوت بلغ في عام 2006 وحده 190 ملياراً, وهو ما يساوي الموازنة الاستثمارية لهذا العام,بحيث أصبح الاستمرار في هذا الطريق شديد الخطورة على مجمل العملية التنموية. في حين يرى المعارضون لهذه الأطروحة أن الإصرار على زيادة أسعار المشتقات النفطية المحلية, إنما يأتي تلبية ( لوصفات) البنك الدولي, المعروف بدعواته الدائمة لتحرير التجارة, ورفع يدالحكومات عن الأسعار, والتوقف عن دعم الحاجات والسلع الاستهلاكية الأساسية, وإعادة هيكلة الاقتصادات الوطنية ( لتتكيف ) مع متطلبات التجارة العالمية القائمة, والهدف من ذلك كله الانخراط في اقتصاد السوق الحر والرأسمالية العالمية!! وإذا كانت الرؤيتان متباعدتين لتناقض منطلقاتهما الفكرية ومفاهيمهما الاقتصادية, وبالتالي الإيديولوجية والسياسية, سواء اعترف الجانبان بذلك أم لم يعترفا, فإننا نجد أنفسنا اليوم أمام حشد كبير من المصطلحات والتعبيرات والإيحاءات والايماءات, وصولاً إلى تبادل الاتهامات الصريحة والمبطنة بأشياء وخلفيات سياسية, والابتعاد الواضح وبصورة متسرعة عن الموضوعية والتوازن والحوار البنّاء والمثمر. لقد أشار السيد الرئيس بشار الأسد في مرات عديدة إلى مدى أهمية وحيوية النقاشات والحوارات الجارية في البلاد, بشأن أفضل السبل للاصلاح الاقتصادي والاداري, وتحقيق التنمية المطلوبة, لكنه طالب بالمقابل أن يقدّم أصحاب الأفكار والرؤى والمواقف المختلفة البدائل الواقعية وتصوراتهم للآليات التي يمكن اتباعها وتطبيقها. وفي هذا السياق يمكن القول إن أحداً لا يختلف - مثلاً - مع جوهر ماورد في ( النداء) الذي أصدرته مجموعة من المثقفين والسياسيين والأكاديميين والكتّاب بشأن مسألة ( إعادة توزيع الدعم), لكن ( النداء) خلا تقريباً من خيارات بديلة لما يطرحه الفريق الاقتصادي في الحكومة, واكتفى بالتأكيد القاطع » بأن رفع الدعم بأبعاده وتداعياته الاقتصادية - الاجتماعية.. يتناقض مع متطلبات الأمن الاجتماعي والاقتصادي الذي يُعدّ عماد الأمن الوطني). كما أن مؤيدي » إعادة توزيع الدعم لمستحقيه) لم يتمكنوا إلى الآن من إقناع الرأي العام بكيفية تنفيذ الأفكار والأهداف المرسومة لهذه الغاية, وهناك أسئلة كثيرة يطرحها الأكاديميون الرافضون, والمواطنون الذين انتابهم القلق والهواجس الكثيرة والمشروعة دون أن يتلقوا الإجابات الدقيقة والحاسمة والمقنعة, التي من شأنها إزالة الكم غير القليل من الشكوك والمخاوف والظنون, المتصلة بحياتهم اليومية ومعيشة أبنائهم. ولاشكّ أن تحسين الوضع المعيشي والمستوى الحياتي للمواطنين هو الهدف الدائم الذي تسعى إلىه القيادة السياسية, وهي المدركة بعمق لمدى دقة الظروف الراهنة ومدى خطورة وجدية التهديدات الصهيونية - الأمريكية, ومايحاك ضد هذا الوطن وصمود شعبه من مخططات ومؤامرات . ونستطيع الجزم بأن مسألة تحصين الجبهة الداخلية وقوتها تشكل محوراً استراتيجياً ارتكازياً في تفكير قيادتنا الواعية اليقظة, ولهذا من المؤكد أنها لن تسمح بأي أمر من شأنه استغلال الصعوبات أو الاجراءات التصحيحية ( لاقتصادنا الوطني) لإلحاق الضرر بهذه الجبهة, أو محاولة دفع الأمور والاستقطابات النقاشية والسجالية إلى مواضع ومنعطفات سلبية ضارة للوطن والمواطنين على حد سواء. وإذا كنا يجب أن نبني اقتصادنا اعتماداً على مواردنا وقدراتنا الذاتية, بهدف رفع المستوى المعيشي للناس والبحث عن أفضل الأساليب لاستيعاب القوى البشرية المنتجة, وامتصاص البطالة في مشروعات انتاجية حقيقية, وتحقيق أعلى درجات الصمود والجاهزية, فإن ذلك يحتم علينا جميعاً الانخراط في البحث الجدي والواقعي عن البدائل الممكنة لتحقيق تلك الاهداف, وعدم الاكتفاء بمعارضة ونقد وتسفيه كل مايصدر عن الفريق الاقتصادي الحكومي, وكأن القضية شخصية أو كيدية أو إعلامية لكسب الناس والرأي العام, دون تقديم الحلول أو الخيارات الواقعية, القابلة للتحقيق على أرض الواقع. ولهذا فإن المثقفين والمفكرين والخبراء والباحثين الاقتصاديين والاستراتيجيين والأحزاب والقوى الوطنية والتقدمية.. مدعوون جميعاً لإعانة الحكومة في سعيها لتصحيح عناصر الاختلال البنيوي والوظيفي والانتاجي في اقتصادنا, بحيث يصبح أكثر قدرة على تلبية متطلبات التنمية الاجتماعية الشاملة. ونقترح في هذا السياق أن تبادر قيادة الحزب والحكومة ( مجتمعتين أو منفردتين) بتشكيل فرق أو مجموعات فكرية وبحثية ( كما حصل في مرات عديدة ) بهدف دراسة هذه المسألة ومايتفرع عنها من قضايا ونتائج, بمشاركة مراكز الدراسات والبحوث الاستراتيجية وصحف الجبهة, والمفكرين, والأكاديميين, والباحثين الاقتصاديين والسياسيين, وأهل الخبرة والرأي من القطاعات والشرائح المختلفة. أما المطلوب من المفكرين والباحثين وأساتذة الاقتصاد ومنظريه, فهو أكبر بكثير مما قدِّم إلى الآن . إذ لايكفي الرفض السلبي,أو الترديد لمقولة الانحياز للفقراء والطبقات الشعبية الكادحة, وإنما لابد من طرح برامج وأفكار وآليات عملية تصلح لأن تكون بدائل حقيقية, تصبّ لمصلحة تلك الفئات والطبقات, التي تشكل الغالبية العظمى من مجتمعنا من جهة, وتعطي الحلول التصحيحية للبنى والهياكل المشوهة التي يعاني منها اقتصادنا الوطني من جهة أخرى. فالتنمية الاجتماعية الاقتصادية الشاملة لاتتحقق بالشعارات والاعتبارات الأخلاقية والعاطفية, بل بالحسابات الدقيقة والمكاشفة والواقعية المسؤولة, في إطار من الالتزام بقضايا الناس ومصالحهم, عبر مؤسسات التفكير الجماعي, التي تعمل من أجل البحث عن أفضل السبل والخيارات الإصلاحية والتنموية, دون تمترس مسبق وانحياز أحادي لهذه النظرية أو تلك, لهذا المصطلح أوذاك . فالعبرة ليست في التسميات القاموسية الأكاديمية, وإنما في الممارسة العملية, والقدرة على إعادة تشغيل آليات التنسيق والحوارات الإيجابية للوصول إلى اقتصاد قوي وتنمية شمولية متكاملة ومؤسسات إنتاجية متطورة. والضمان الوحيد لبلوغ ذلك كله, يتمثل كما نحسب بالإفادة القصوى من الطاقات البحثية والفكرية والعلمية والأكاديمية والإدارية الخبيرة بمختلف اختصاصاتها ومناهجها, وليس صحيحاً الاعتماد التام على اتجاه دون غيره أو مدرسة اقتصادية دون سواها, وإهمال أو تجاهل الأفكار والآراء والأطروحات المختلفة أو المغايرة, واستبعادها من المناقشة أو النظر إليها كتعبير عن تيار إيديولوجي سقط في الصراع التنافسي مع الليبرالية واقتصاد السوق, و »الرأسمالية المتجددة) »الظافرة)!!. فلن يكتب لأي توجه اقتصادي أو إصلاحي النجاح مالم يحظ بمشاركة شعبية واسعة وفاعلة, تبدأ من الأسرة وأصغر الوحدات الإدارية والإنتاجية, وصولاً إلى أعلى المستويات لتصب في اتخاذ القرار في قمة المجتمع, مع اشراك حقيقي وجدّي ومؤسساتي للمفكرين والباحثين والخبراء والأكاديميين والمتخصصين وأحزاب الجبهة .. في دراسة جميع المسائل والمشاريع الإصلاحية والتنموية في البلاد. إذ نعتقد جازمين أن أحداً لا يمكنه الزعم أنّ لديه الإجابات الجاهزة ,والحلول الدقيقة والمؤكدة والناجعة للقضايا والأمور المتصلة بتطوير قطاعات الاقتصاد والإنتاج والإدارة, أو الإحاطة بجميع جوانبها وأبعادها وتفصيلاتها, واحتمالاتها الكثيرة والممكنة.
|