المترجم صلاح نيازي يؤكد في مقدمته لترجمته الجديدة لهاملت أن المترجمان العربيان -السابقان- (جبرا والقط) لم يأخذا بيد أحد, تجاهلا تقنيات شكسبير,
في التأليف المسرحي وفي القول الشعري, ويرى أن اجتهادات جبرا على وجه الخصوص, مثيرة للاستغراب, مثيرة للحيرة, وأنه ربما اعتمد على معرفته الأدبية للغة الانكليزية وتصورها كافية لتعريب شكسبير, لو استشار المصادر الانكليزية المتخصصة لجاءت ترجمته أكثر قبولاً.
ويعتبر صلاح نيازي أن اللغة الأدبية وحدها مضللة في ترجمة شكسبير, لأنه شاعر مفاهيم, وكلمات مصطلحات. ولا عجب إن صدر كتاب كبير عن دار بنغوين بعنوان (ألفاظ شكسبير).
باللغة الأدبية تلك راح (القط وجبرا) يترجمان هاملت كلمات وجملاً منفصلة, وليس تأليفاً سمفونياً, تكمل آلاته بعضها بعضاً. على سبيل المثال, لم يلتفت المترجمان إلى أهمية تكرار الكلمات والصور وما دلالاتها.
ما يفعله شكسبير في هذه التقنية, أنه يضع كلمة مصطلحاً على لسان أحد الأبطال, تعود الكلمة والمصطلح على لسانه أو على لسان بطل آخر, في مشهد آخر, وكأنها صدى, ولكنه سرعان ما يصبح صوتاً ذا دلالة مختلفة, بهذه الطريقة يبدو النص متواشجاً عضوياً وينمو نمواً داخلياً.
ويؤكد صلاح نيازي أنه لم يلتفت بعض المترجمين العرب إلى تقنية تكرار الكلمات. والأغرب أنهم ترجموا حتى الكلمات المعادة بكلمات هي غير ما ترجموها في المرات السابقة.
ومن الأمثلة التي يسوقها المترجم على مفارقات الترجمات العربية المقطع التالي من هاملت: (هاتوا مسحاة وفأساً, كفنوا الآن حطامي, واحفروا لي في التراب, حفرة فيها سلامي) يذكر أنه ليس في النص الإنكليزي فعل أمر, بينما الترجمة العربية تضمنت ثلاثة أفعال بصيغة الأمر: (هاتوا وكفنوا واحفروا).
ربما من نافلة القول إن مسرحية هاملت هي عدة مسرحيات في مسرحية واحدة, ومشاهدها متداخلة, الحياة كلها تمثيل بتمثيل. نحن لسنا نحن, وإنما ممثلون نؤدي أدواراً, وأمواتنا من أكثر الممثلين تأثيراً. يتناوب على إخراج فصول هاملت من داخلها مخرجون أساسيون ثلاثة:
كان المخرج الأول في بداية المسرحية, يولونيوس مستشار الملك, وهو أكبر شخصية فارغة في تاريخ البلاغة العقيمة. كان هو الذي يدير دفة الإخراج, وطوع يديه في التمثيل: الملك والملكة وابنته أوفيليا.
المخرج الثاني: هو هاملت نفسه. وقد أثبت خلال المسرحية أنه جمع إلى دور الإخراج: التمثيل والتأليف, أي أنه يؤلف, ثم يخرج ما يؤلف, وبعدئذ يمثل ما يخرج. هاملت -كما لا يخفى- هو ابن الملك القتيل.
المخرج الثالث: هو عمه الملك كلوديوس الذي قتل شقيقه, واغتصب عرشه وزوجته أي أم هاملت.أما المخرج الرابع: هو الأقوى والأهم, واللامرئي, فهو الموت الذي اتخذ في هذه المسرحية دورين أساسيين هما: أولاً بسخرية من الإنسان متمثلاً بالجمجمة والدودة, وثانياً القصاص العادل, وكأنما تقمص دور العدالة الإلهية على الأرض.
من الشخصيات الأخرى المنفوخة بالتورمات البلاغية شخصية تدعى أوسرك وهو أحد أفراد الحاشية في البلاط. أرسله الملك ليتفاوض مع هاملت لترتيب مبارزة مع لرتيس شقيق أوفيليا. في هذه المبارزة يكون الملك قد جهز (لرتيس) بسيف مسموم. وأعد لهاملت كأساً مملوءة سماً. هكذا يكون الملك قد اتخد الآن دور المخرج, وبيده مصائر الأبطال, ولا سيما مصير هاملت. ويذكر لنا بالأدلة كيف أن ترجمتي (جبرا والقط) جاءت كلمات مثقلة بقاموسيتها, وجملاً منقطعة عما قبلها وعما بعدها, فأصبحت مثل أشجار صغيرة مثمرة في أصص ثمارها لا تصلح للأكل.
تراجيديا هاملت واحدة من أهم مسرحيات شكسبير.
كتبت في عام 1600 أو 1602 وهي من أكثر المسرحيات تمثيلاً وانتاجاً وطباعة فهي من كلاسيكيات الأدب العالمي, وفيها جاءت العبارة الشهيرة ,والسؤال الذي يناجي فيه هاملت نفسه قائلا: أكون أو لا أكون.
هاملت, أمير الدانمارك الذي يظهر له شبح أبيه الملك (اسمه هاملت أيضاً) في ليلة ويطلب منه الانتقام لمقتله, وينجح هاملت في نهاية الأمر بعد تصفية العائلة في سلسلة تراجيدية من الأحداث ويصاب هو نفسه بجرح قاتل من سيف مسموم.
تكمن مشكلته في التأكد من حقيقة الشبح, هل هو أبوه بالفعل أم هو شيطان ماكر تهيأ له في صورة أبيه, ومن حقيقة مصرع أبيه على يد عمه (كلوديوس) الملك الحالي للدانمارك الذي تزوج أمه (جرترود) وهي الزيجة التي كانت تعتبر آثمة وغير شرعية في زمن شكسبير وتموت أوفيليا حزينة مثكولة بعد أن يصيبها الجنون بأن أغرقت نفسها بعد مصرع أبيها على يد هاملت بالخطأ بعد أن كان يتنصت متخفياً خلف ستار على حوار بين هاملت وأمه حول مقتل أبيه وزواجها الآثم من عمه الملك الحالي, ثم كان يريد أخو أوليفيا محاربة هاملت للانتقام منه لأجل أخته وأبيه فقاتلا أمام كلوديوس, ففرح وأمام الجميع فقام عمه بإعطاء كأس فيه مشروب لذيذ للفائز ووضع فيه السم لأنه يعرف أن هاملت سوف يفوز.
تموت جرترود(جزاء على علاقتها الآثمة) بعد أن شربت بالخطأ نبيذاً مسموماً وضع أساساً ليشربه هاملت فقام هاملت بعد فوزه تقبل عمه فقطع ذراعيه ووضع السم في فم عمه.
هاملت يجرحه لارتيس أثناء استراحة المبارزة بينهما غدراً لعلمه مسبقاً بأن السيف مسموم بحسب اتفاق كلوديوس مع لارتيس على تصفية هاملت نهائياً.
(بربك أرني ما الذي تريد أن تفعله, أتود أن تبكي, أتود أن تقاتل, أتود أن تمزق نفسك, أتود أن تشرب خلاً بنهم, أن تأكل تمساحاً? سأفعل ذلك, هل جئت إلى هنا لتئن, لتبزني بالقفز إلى قبرها? لتدفن حياً معها, وكذا سأفعل أنا).