وضم الاجتماع الجهات المعنية بقضايا السكن العشوائي في محافظتي دمشق وريف دمشق وعدداً من الوزارات,وتم خلال الاجتماع بحث مشروع تطوير وتنظيم بعض مناطق مدينة دمشق ومحيطها الحيوي.
ويهدف المشروع إلى إعادة تنظيم مناطق السكن العشوائي من النواحي العمرانية والجمالية, والآثار الايجابية التي تسهم في تطوير المرافق والبنى التحتية والخدمات الاقتصادية والاجتماعية.
وتم التأكيد على ضرورة تأمين مستلزمات نجاح هذا المشروع وتوفير البدائل والسكن التبادلي لشاغلي مناطق السكن العشوائي التي سيتم تطويرها والإعلان عنها بشكل مسبق قبل المباشرة بتنفيذ المشروع.
وقد تقرر في الاجتماع اعتماد ست مناطق للتطوير, وتكليف المؤسسة العامة للإسكان بالإشراف على تنفيذ هذا المشروع الحيوي الهام و اتخاذ الإجراءات والترتيبات الفنية والإدارية اللازمة لذلك وذلك بالتنسيق بين محافظتي دمشق وريف دمشق والجهات العامة ذات العلاقة,وعرض خطة عملها التنظيمية والاجتماعية لاستكمال مناقشتها واتخاذ القرارات اللازمة لها في اجتماع قادم خلال أربعة أشهر.
مشروع وطني كبير
مشروع تطوير مناطق السكن العشوائي هو مشروع وطني يحتاج إلى تضافر جهود الجميع ومشاركة كافة الجهات المعنية بالمسألة من وزارات وإدارات وهيئات وبلديات ومحافظات وشركات مختصة, وكل الجهات لأن القضية تتعلق بمصالح ملايين الناس الذين يقطنون في مناطق السكن العشوائي.
ويعتبر المشروع رائداً في هذا المجال وعلى مدى نجاحه سيتقرر المضي في هذه الخطوة, أي أنه سيكون مشروعاً تجريبياً, بعد أن يتم اتخاذ سلسلة من الإجراءات التنظيمية والقانونية ليبصر المشروع النور, لأن المسألة تتعلق بمصلحة الناس وحقوقهم وضمان هذه الحقوق ومراعاة الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والتنظيمية, وبالدرجة الأولى إعادة إسكان الناس في نفس المنطقة التي يعيشون فيها.
مصادر محافظة دمشق تشير إلى أن أولى مناطق السكن العشوائي التي سيتم تطويرها هي المنطقة الواقعة على المحور الجنوبي لدمشق والممتدة من العقدة الأولى عند البانوراما في حرستا, وصولاً إلى العقدة الخامسة على طريق مطار دمشق الدولي والبالغة مساحتها 504 هكتارات.
وستتم عملية تنظيم هذا المحور بثلاث مراحل وتتضمن ست شرائح بمساحات مختلفة لتكون بمجموعها مشروعاً رائداً, وهو المشروع التجريبي الأول في مجال معالجة قضايا السكن العشوائي في دمشق وريفها,وذلك بعد أن يتم انجاز الدراسات لهذه المنطقة خلال أربعة أشهر, يبدأ بعدها التنفيذ على أرض الواقع.
وقد تم اختيار هذه المنطقة للبدء بها, لأنها تعد مدخلاً رئيسياً لمدينة دمشق وكذلك قربها من الربط الطرقي, إضافة إلى إمكانية تأمين الأرض التبادلية, ووجود أراض لا توجد فيها مخالفات, وبالتالي إمكانية إقامة الأبنية في هذه الأراضي تمهيداً لإعادة تنظيمها.
إشكالية السكن العشوائي والحاجة إلى إمكانات كبيرة
في الاجتماع الذي تم في العاشر من شباط الماضي برئاسة السيد رئيس مجلس الوزراء, تم تكليف المؤسسة العامة للإسكان لمعالجة المشكلة مع إمكانية الدخول في شراكات لفرض التنفيذ أو التمويل لأجزاء من المشروع في حدود الأنظمة والقوانين النافذة, على أن تبقى علاقة المواطنين مباشرة مع المؤسسة العامة للإسكان دون سواها من الأطراف الأخرى حفاظاً على حقوق المواطنين.
ومن حيث المبدأ فإن الفكرة صحيحة, لكن هل تستطيع المؤسسة العامة للإسكان تحمل هذه المسؤولية الكبيرة, وهل إمكاناتها الفنية والمادية وكوادرها وعمالها يتيح تنفيذ مثل هكذا مشروع?!
صحيح أن البداية ستكون من خلال مشروع تجريبي يتوقف على نجاحه الاستمرار في تنفيذ مشاريع جديدة وتطبيق التجربة على بقية مناطق السكن العشوائي في محافظتي دمشق وريف دمشق وحتى في بقية المحافظات السورية!!
فالسكن العشوائي وكما هو معروف يعتبر أحد أهم المشكلات التي تواجه الحكومة, خاصة بعد أن تم إهمال هذه المشكلات وتفاقمت وكبرت مع الأيام.
وتشير الإحصاءات إلى أن عدد المساكن المخالفة قد بلغ نحو 1,2 مليون مسكن عشوائي تحتاج إلى أكثر من 1200 مليار ليرة لمعالجتها.
وحسب احصاءات المكتب المركزي للإحصاء,تصل نسبة السكن العشوائي في سورية إلى 50% من السكن الإجمالي على مستوى البلاد, في حين وصلت نسبة سكان المخالفات إلى 45% من سكان دمشق, و 35% من سكان حلب و 42% من سكان حمص.
وقد شهدت مناطق السكن العشوائي نمواً سريعاً دون أن تخضع لأي نوع من المعايير الفنية و الخدمية والصحية, وهي تشكل إرباكاً حقيقياً لشبكات المياه والكهرباء والهاتف والنقل والتعليم وغيرها!!.
وتعود أسباب المشكلة لعدة أمور, منها النمو السكاني المتسارع وزيادة الطلب على السكن وقصور برامج التنمية والتخطيط الاقتصادي على تلبية حاجات النمو السكاني وارتفاع نسبة البطالة والهجرة الداخلية من الريف إلى المدينة وفتوة المجتمع السوري وارتفاع حدة الفقر لدى الغالبية العظمى من المجتمع وانخفاض معدل النمو الاقتصادي, وارتفاع أسعار مواد البناء, وكذلك إهمال الأرياف وتركز المشاريع والخدمات في المدن الكبرى, وغير ذلك من الأسباب!!.
مصلحة القاطنين أولاً?!
لقد تعودنا عند تنظيم أي منطقة وتطويرها أن نرى الجميع يقفون في صف واحد والقاطنين وأصحاب المساكن و الشاغلين في صف آخر, فدائماً كانت السلطات المحلية من محافظة ووحدات إدارية وبلديات تضع مصلحة القاطنين في آخر سلم الأولويات, وتكون مصلحة المتعهدين وممولي مشاريع البناء هي الغالبة, أما في حالة مناطق السكن العشوائي, فإن العلاقة ستكون فقط ما بين المؤسسة العامة للإسكان والقاطنين,وعلى المؤسسة أن ترعى حقوق هؤلاء, فهي ممثلهم لدى كافة الجهات الأخرى, إدارية, بلدية, عقارية,إسكان, مالية,إدارة محلية, وغيرها.
ونتمنى أن يتم الإقلاع بالمشروع التجريبي الأول, وأن ينجح هذا المشروع المنتظر وأن تكون النتيجة لمصلحة القاطنين لا أن يكون المشروع لتحقيق مصالح جهات أخرى عينها على مناطق المخالفات, خاصة القريبة منها والملاصقة للمدينة وفي مواقع استراتيجية يجعل منها التنظيم والتطوير المنتظر مناطق عقارية مرغوبة للسكن و الاستثمار التجاري!!
ونتمنى أن يصدر المزيد من التوضيحات والضمانات والتعليمات التنفيذية التي تحصن القاطنين وتمنع عنهم أي استغلال أو مضاربات أو تمرير صفقات أوغير ذلك, وأن يظل الهدف من المشروع,البداية وما سيتبعه من مشاريع هو تنظيم مناطق السكن العشوائي وتطويرها وخلق أحياء وضواح سكنية حضارية ومتطورة تتوفر فيها البنى التحتية المتطورة والخدمات على تنوعها, وبالتالي خلق مجتمعات جديدة تتمتع بكافة المقومات الاقتصادية والاجتماعية.
ولا بد والحالة هكذا من تأمين مستلزمات المشروع ونجاحه ولا يجوز التراجع بما تم إعلانه في اجتماع العاشر من شباط, أي إقامته أبنية برجية في نفس مناطق السكن العشوائي, ومن ثم نقل القاطنين إليها, وأن يحس المواطن بأن وضعه الجديد أفضل من السابق وأنه انتقل إلى مسكن صحي حديث تتوفر فيه كافة الشروط إضافة إلى توفر الخدمات الجيدة والبيئة الصحية الجيدة.
وقد أشار السيد رئيس مجلس الوزراء المهندس محمد ناجي عطري في الاجتماع الذي ترأسه لمعالجة قضايا السكن العشوائي, أشار إلى أن أهمية المشروع المقترح,على صعيد إعادة تنظيم مناطق السكن العشوائي من الناحية العمرانية والجمالية, وما سيكون له من آثار إيجابية تسهم في تطوير مرافقها وبناها التحتية وخدماتها الاجتماعية والاقتصادية.
وإذا ما قدر لهذا المشروع النجاح, فإنه سيساهم في التطوير الاقتصادي و الاجتماعي والثقافي وفي كافة المناحي ويقود إلى نهضة عمرانية وجمالية وتطور خدمي وبيئي في هذه المناطق.
المشروع لابد لإنجاحه من التنسيق الكامل والجدي بين محافظتي دمشق وريف دمشق وخاصة في المناطق الواقعة على الحدود الإدارية بين المحافظتين,لأن التكامل بين المحافظين لا بد منه وهو موجود في كافة المجالات وقد كانتا محافظة واحدة, وهناك تداخل في الحدود الإدارية والخدمات و غيرها.
وقد تم اختيار 28 منطقة متداخلة تبلغ مساحتها الكلية نحو 2356 هكتاراً منها 1400 هكتار ضمن المناطق الإدارية لدمشق و 956 هكتاراً ضمن المناطق الإدارية لريف دمشق.
والمنطقة التي لحظت في الدراسة تبلغ مساحتها 504 هكتارات, , مقسمة على ثلاث مناطق.
وتضم دمشق ومحيطها الحيوي المتداخل مع ريف دمشق ما لا يقل عن 28 منطقة سكن عشوائي وفق التقسيمات المعتمدة لدى وزارة الإدارة المحلية, تتوزع على ما لا يقل عن 36 منطقة وفق التقسيم الإداري المعتمد في إنجاز التعداد العام لعام 2004 ويقدر عدد مناطق السكن العشوائي والمخالفات في سورية بما لا يقل عن 130 منطقة.
ومن خلال مؤشر عمر المساكن في العشوائيات, يمكن استنتاج أن 55% من هذه المساكن شيدت في الفترة من 1965- ,,1990 في مقابل 37% تقريباً شيدت بعد عام 1990 وهذا يدل على التوسع السريع لهذه المناطق في ظل غياب المعالجات الجدية والبدائل المناسبة.
أخيراً نتمنى أن تتمكن المؤسسة العامة للإسكان من التصدي لهذا المشروع الوطني الكبير وأن يبتعد تنفيذه عن المضاربات وشركات الاستثمار العقارية التي يسيل لعابها, كما ذكر هذا المشروع, لأنها ليست بعيدة عن أجوائه, كما نتمنى أن تكون الغاية الأساسية هي مصلحة القاطنين أولاً وأخيراً.