الذين فرَّ العديد منهم باتجاه بلاده تحت وقع ضربات الجيش العربي السوري، يكون بذلك قد أفصح عن أحلامه التي وئدت منذ زمن بعيد، هذا الخطاب لم يكن موجهاً إلى أي دولة غربية أو عربية، وإنما إلى الداخل التركي الذي بدأ يتململ من تصرفاته الحمقاء التي أوقعت في الأيام الماضية خسائر فادحة بالجيش التركي بطريقة تظهر إمكانية الجيش العربي السوري واستخدامه الأسلحة المناسبة ضد العدوان التركي.
لقد مارست تركيا طوال الحرب الكونية على سورية الخديعة المركبة مع كلّ من روسيا وإيران أثناء العمل بصيغة آستنة، ونكثت بتعهّداتها وأخلّت بالتزاماتها وعملت وفقاً لمشروع خاص لمنع عودة الأرض الى أصحابها، ولجعل الإرهابيين جيشاً خاصاً بها تستعمله حيث شاءت، ثم تتخذ من المنطقة باباً لتدخل منه إلى عمق الدولة السورية.
هذه المحاولات أمام التصدي السوري أسقطت الهيبة التركية التي ظنّت أن بإمكانها أن تمنع الجيش العربي السوري من التحرّك والعمل في الميدان لتحرير أرضه.
أما على الاتجاه السياسي فقد كانت خيبة تركيا بليغة بعد أن كانت روسيا تستجيب لها في كلّ مرة تطلب وقف إطلاق النار وتجميد العمليات، رفضت هذه المرة الطلب التركي لا بل ساهمت هي بطيرانها في مدّ الجيش العربي السوري بالدعم الناري المركّز وانكشفت الأوهام التي كانت تركيا والإرهابيّون يعوّلون عليها.
وهكذا فهمت تركيا أنّ صبر الروسي وسكوته على خداعها قد نفد وفرض عليها واقعاً جديداً يختلف عن كلّ ما سبقه. ويمكن القول الآن إنّ المشروع التركي في شمال غربي سورية في طريقه إلى الانهيار، بعد أن أخرجت حلب من الميدان وأفقدتها ورقة ضغط كبرى لتمرير المشروع، وبعد أن باتت القوات السورية على بعد 12 كلم من إدلب.
لقد أرادت تركيا في عدوانها الإرهابي على حلب ومحيطها شيئاً فحصدت خلافه، وباتت الصورة اليوم مختلفة كلياً، فلقد تغيرت مصطلحات وعناوين حيث لن يكون معنى بعد اليوم لعبارة مناطق (خفض التصعيد) أو (المنطقة منزوعة السلاح)، أو (نقاط المراقبة) التركية التي باتت محاصرة من قبل الجيش العربي السوري، وسيكون البحث عن الطريقة المناسبة لخروج نقاط المراقبة التركية الـ 12، والاتفاق على أسلوب مرن لسحب الـ 3500 عسكري الذين أدخلتهم تركيا خلال الأسبوعين الماضيين، على الطاولة لإيجاد تفاهم عملي واقعي لمنع صدام الجيشين السوري والتركي، وقد تعود الحياة إلى اتفاق أضنة 1998.
وهكذا نستطيع القول إنّ عملية (الأمن لحلب وطرقها) حققت أهدافها وأثبتت أن قرار سورية الاستراتيجي هو قرار للتنفيذ، وإذا أبدت سورية مرونة في الميدان، فإنّ ذلك لا يؤثر على الطبيعة النهائية للقرار، كما أكدت أنّ المشروع التركي لإدلب هو مشروع عبثيّ غير قابل للحياة وأنّ مَن يعتمد المرتزقة الإرهابيين جيشاً يتجرّع المرارة والخيبة والخسارة نتيجة.
لقد فهم أردوغان من روسيا أنه لم يعد هناك مجال للتلاعب وأن كل ما يفعله لم يعد ينطلي عليها وهذا ما ورد في كل التصريحات الصادرة عن مسؤولين روس فإما أن يلتزم بما اتفق عليه وإما فليواجه مصيره.
في كل الأحوال ومهما حاول أردوغان التحايل، فلقد استطاعت سورية أن تقول له: كش سلطان
وإن غداً لناظره قريب...