أم أن ذلك يتماهى مع المكونات الأساسية القهرية والعنصرية والاستعمارية التي كانت في أساس قيام الولايات المتحدة الأمريكية؟ والتي ظلت ومازالت تحكم رؤيتها للشعوب الأخرى منذ تأسيسها وحتى الآن.
قراءة أولية بسيطة لتاريخ أمريكا تقول: إن 235 حرباً خارجية شنتها على شعوب العالم منذ اعلان استقلالها، عدا تلك الحروب الداخلية التي أخضعت بها كثيراً من المقاطعات والولايات الأمريكية ذاتها، واللافت للنظر أن أمريكا ما خاضت حرباً أو اعتداء على شعب من الشعوب إلا وكانت قادرة على تلفيق أسباب ومبررات كاذبة تتكيء عليها لتحقيق أهدافها، ومصالحها التي هي في تجدد دائم، وبوتائر متوالية، ومن حق أي متابع، أو قارئ للتاريخ أن يتساءل: هل هناك من دولة أو شعب في قارات العالم كلها لم يصطدم سياسياً أو عسكرياً أو حتى فكرياً مع منظري ومؤدلجي سياسات الولايات المتحدة ؟
ضمن هذا السياق احتل العراق بعد كذبة أسلحة الدمار الشامل، وبعد أن أكدت لجان التفتيش المختصة بطلان هذا الإدعاء وكانت التهمة الأمريكية الثانية جاهزة وهي تعامل العراق مع تنظيم القاعدة وبالتالي فإن النظام العراقي متهم بالإرهاب، وليس جديداً اتهام الآخرين بالإرهاب، فالقاموس الأمريكي قادر على ايجاد الأعداء في كل مكان وتحت أي حجة.
في عام 1984 نظم معهد (جوناثان) في واشنطن المؤتمر الثاني للارهاب الدولي ووقف/شولتز/ وزير خارجية الولايات المتحدة آنذاك في هذا المؤتمر وقال: «إن ماتعلمناه من الإرهاب، قبل كل شيء هو أنه عنف غير عشوائي وأنه موجه وله «هدف» وعندما حاول شولتز أن يفسر معنى التوجه أو دلالالة الهدف حدد الأمر بشكل قاطع قائلاً: الارهاب هو حدث يكون موجهاً عادة إلينا نحن الديمقراطيين ضد قيمنا الانسانية، وعلى الأغلب ضد مصالحنا الاستراتيجية، إننا يجب أن نتبع سياسة إيجابية دفاعية، ويجب أن نقوم بأعمال عسكرية ومباشرة عند الضرورة ضد مراكز الارهاب في العالم».
في خمسينيات وستينيات القرن المنصرم لم تكن مقولة الارهاب قد اختمرت في أذهان الساسة الامريكيين أثناء الحرب الباردة كانت الولايات المتحدة ترفع لافتة «محاربة الشيوعية» وتحت هذه اللافتة تصدت لكل الثورات التحررية في العالم الثالث، فباسم مناهضة الشيوعية اطيح بحكومة مصدق في ايران سنة 1953 عن طريق وكالة المخابرات المركزية، ودخلت القوات الأمريكية عام 1958 إلى لبنان واشعلت الحرب بين شطري كوريا عام 1950 وقد أمر الرئيس الأمريكي ترومان القوات الجوية والبحرية الأمريكية بتقديم غطاء جوي لدعم كوريا الجنوبية في الوقت الذي تكفل فيه الاسطول السابع بحماية «فرموزا»، ويجب أن نشير إلى أن البرلمان الأمريكي قد قابل الاقتراح بالقاء قنبلة ذرية على كوريا الشمالية بتصفيقات حارة، وانتهى الأمر بأمريكا إلى التدخل المباشر في الحرب الكورية وقد جاء هذا التدخل الأمريكي المباشر فرصة لتدمير المؤسسات الصناعية والمدن والقرى في كوريا وقتل مئات الآلاف من السكان، وهذا مارأيناه أيضاً في فيتنام ونيكاراغوا والصومال وغيرها من دول العالم، كل ذلك تحت عنوان التصدي للشيوعية.
إذاً لامقولة الإرهاب ولامحاربة الشيوعية هما الدافعان الأساسيان لكل الحروب الإجهاضية التي شنتها الولايات المتحدة على دول العالم، وهناك من يفسر شهوة الحرب والرغبة في قتل البشر تفسيراً سيكولوجياً، بمعنى أن العنف والقتل متأصلان في تكوين الشخصية الأمريكية. وما قتل الملايين من الهنود الحمر أصحاب الأرض الحقيقيون في أمريكا إلا دليلاً واضحاً على ذلك، يؤكد المؤرخ البريطاني «توينبي»: «أن الشعب الأمريكي يكاد يكون الشعب الوحيد في العالم الذي قفز من مرحلة التخلف إلى مرحلة الإنحطاط دون أن يمر بمرحلة الحضارة» وتعبير الانحطاط هنا يدل على انحطاط الأخلاق واتسام المجتمع الأمريكي بالنزعات الفردية الانعزالية، وشيوع اعمال العنف وسلوكيات الانحراف وفقدان التوازن الاجتماعي، وانحطاط السلوك السوي وجرائم الجنود الأمريكيين في سجن أبو غريب».