لم تعرف الأحزاب الإسرائيلية لهذه الحالة مثيلاً من قبل من حيث الزخم، وإن كانت مألوفة عن طريق الانشقاق الداخلي وضمن الدورة التشريعية الواحدة، بحيث سنت التشريعات التي تقنن هذه الظاهرة، ومنها منح الحق لنائب في الكنيست، على سبيل المثال أن يشكل بمفرده كتلة برلمانية مستقلة غير محسوبة على أي من الحزبين الكبيرين آنذاك وهما «العمل » و«الليكود».
كان الخط الفاصل في التآكل الداخلي في الأحزاب الإسرائيلية قد بدأ بعد انهيار «المعراخ» بعيد عام 1973 ليكون العام 1977 هو عام الانقلاب السياسي في «إسرائيل» حين تولى الليكود الحكم خلفاً للمعراخ الذي بات لاحقاً اسمه «العمل» وما لبث هذا الانقلاب أن أظهر تشرذماً في الأحزاب الدينية فكان الأمر إيذاناً بنشوء «شاس» مستقلة عن المفدال الذي يعتبر الحاضن السياسي للمتدينين الأشكناز (اليهود الغربيين)، فيما كانت «شاس» ملاذ المتدينين الشرقيين في ذلك الوقت اندثرت عن الخارطة السياسية أحزاب وخلقت أخرى إن في إطار ما عرف باليسار أو اليمين، فكان تسرميت، وهتحيا في اليمين و«ميرتس» في اليسار وهو ائتلاف أفراد تلاقت مصالحهم وأفكارهم، كان رواده أول من انشق عن «العمل» (الأحزاب الإسرائيلية- مؤسسة الأرض 1978).
وكانت أول محاولة تشريعية جادة للحد من ظاهرة التكاثر في الخريطة السياسية الحزبية الإسرائيلية، وهي تزدحم بـ 14 حزباً، هي قانون الانتخابات العامة الصادر عام 1992، وإن كانت فكرته قد أبصرت النور في أواخر العام 1978، لكن تطبيقه في انتخابات العام 1996 أظهر خطل الفكرة التي كانت تراود واضعي القانون، أملاً في أن تكون الساحة الحزبية مقتصرة على الحزبين الكبيرين: العمل والليكود، بمعنى أن يكون هناك حزب حاكم وآخر معارض (دليل «إسرائيل» العام 1997).
في الأشهر الماضية، وبعد أن هدأت ارتدادت زلزال حرب تموز 2006 باستقالة آخر رموزها ايهود أولمرت، شهدت الحياة السياسية في «إسرائيل» استقراراً، وإن جرت فيه رياح ساخنة وباردة أحدثت تيارات سياسية، صاعدة وهابطة، كان من الممكن وصفها بالرحيل السياسي بين الأحزاب الإسرائيلية، فكثيرون كانوا يحملون أمتعتهم متنقلين بين هذا الحزب وذاك أملاً في أن يكون ملاذاً يلائم لون جلده، لكن أكثر الحركات الانتهازية، وهي سمة سائدة في الأحزاب الإسرائيلية، كانت ملحوظة في الليكود الحزب المنتصر استطلاعياً، وهو مشهد مألوف قبل كل انتخابات تشريعية.
فبعد غياب دام ست سنوات عادت الحياة السياسية تدب في الليكود، فعاد إلى أحضانه أمراؤه السابقون: بيني بيغين الذي انشق عن الليكود في انتخابات العام 1999 احتجاجاً على المفاوضات مع منظمة التحرير الفلسطينية وتوقيع اتفاقية الخليل ( في عهد حكومة نتنياهو) ودان ميريدور الذي أحجم عن المشاركة في اللعبة السياسية، وإن قبل أن يكون حكماً في قضايا الطلبة الحكم آنذاك ومع ذلك فقد كان العائدون إلى الليكود كثراً حتى ازدحمت بهم الطريق وكان المنتسبون الجدد إليه كثر أيضاً، بينهم عسكريون من مستوى رئيس أركان سابق. فهل يتحمل الليكود انفجاراً يقوده أركانه العائدون؟ بقدر ما كان العائدون يشكلون تهديداً لأي تشكيل وزاري برئاسة نتنياهو في محاولة منهم لجره إلى «الحركة التنقيحية الصهيونية» التي وضع قواعدها جابوتنسكي وشعارها «للأردن ضفتان الغربية لنا والأخرى لنا» كان موشيه فايغلين قائد حركة «قيادة يهودية» مصدر قلق آخر متجدداً، لا سيما أن اتهامه بالضلوع في تدبير عملية اغتيال اسحق رابين، مازال حياً في الأذهان.
مع إعلان نتائج الانتخابات الداخلية في حزب «الليكود» لتشكيل قائمة مرشحي الحزب والتي سيخوض بها الانتخابات التشريعية في شباط القادم، فشل رئيس الليكود بنيامين نتنياهو في تشكيل قائمة «وسط يمين» إذ تبدو أنها قائمة من «اليمين المتطرف»، وكان من ملامح التطرف أن المشهورين بغلوائهم هم من تصدروا القائمة، أو شغلوا مواقع مضمونة، ويذكر أن الليكود «متطرف» يلبس قفازاً من حديد، مقارنة مع حزب العمل الذي يلبس قفازاً من حرير.
وكانت صحيفة هآرتس قد أشارت إلى أن مركزية نتنياهو في الليكود قد انهارت في أعقاب عدم انتخاب شخصيات رغب في انتخابها في أماكن متقدمة، مثل الناطقة العسكرية السابقة «ميري ريغيف» والجنرال الاحتياط عوزي دايان، وغيرهما آخرون. وفي المقابل احتل من كانوا يعرفون بـ «متمردي الليكود» الذين عارضوا الانسحاب من قطاع غزة في أيلول عام 2005 في إطار خطة فك الارتباط، أماكن متقدمة في القائمة مثل موشيه فايغلين، راعي الحركة الاستيطانية في الضفة الغربية.
وتشير أحداث استطلاعات الرأي (هآرتس و يديعوت أحرونوت 10/12/2008) إلى أن الليكود سيحصل في الانتخابات العامة القادمة على 36 مقعداً، متقدماً على كديما بنحو 9 مقاعد، تاركاً للعمل 12 مقعداً، ما يضغط على (كديما 28 مقعداً والعمل 12) التوصل لتفاهم يخولهما تشكيل الحكومة القادمة، وفي محاولة لترويج حزبه بين الجمهور الإسرائيلي قال بنيامين نتنياهو في خطاب بعد ظهور نتائج الانتخابات: هذه أفضل قائمة يمكن لأي حزب أن ينتخبها في «إسرائيل»، وذلك نكاية بمنافسيه حزبا كاديما والعمل، والثاني مهدد بالاندثار، إن بقي في الميدان وحيداً، حسب البروفسور «شلوموه زاند» المحاضر في كلية التاريخ في جامعة تل أبيب (هارتس 8/12/2008) وتؤكد معريف (1/12/2008) أن بقاءه في الساحة السياسية رهن بتحالفه مع «كاديما» وبإحساس منه أن الانتخابات جاءت بالليكود حاملاً بذور شقاق داخلي، قال نتنياهو: «منذ هذه اللحظة فإننا سنعمل بتعاون وسنوحد قوانا من أجل إعادة ما أسماه الأمل والأمن والاعتزاز إلى دولة «إسرائيل» في شباط القادم» والملاحظ أن نتنياهو استعمل الكثير من أدوات الشرط، ومن أحدثها في خطابه، الذي لم يساو شيئاً أمام «خطاب النصر» الذي ألقاه بعد انتخابات العام 1996 قوله: إذا عملنا سوية وتوحدنا فإننا سوف ننتصر، وهذه كلمات ظاهرها ينفي باطنها إذ لا عمل جماعياً في الصف الأول من الليكود ولا وحدة.
وقد شنت قيادات ليكودية سابقة هجوماً على التشكيل الجديد لليكود، فقال تساحي هنغفي الرئيس السابق لمركز الليكود: إن متمردي الليكود في عهد شارون لم يعودوا متمردين وهم ليسوا بالمسيطرين على الليكود، وكما تخلى شارون عن الليكود بعيد الخروج الإسرائيلي من قطاع غزة في أيلول العام 2005 وأسس «كديما» فإن زئيف بوييم من غلاة الليكود في عهد شارون توقع لنتنياهو أن ينشق عن حزبه ويؤسس حزباً جديداً تغلب عليه الوسطية.