تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الإخفاق الدراسي.. مسؤولية لا ينبغي التنصّل منها

مجتمع
الجمعة 19-12-2008 م
أنيسة أبو غليون

ربما يكون التفوق فطرة يولد عليها الإنسان، وربما يكون وليداً لجهود شاقة من الأسرة والمدرسة أو الطالب نفسه، وقد يكون كل ذلك في الوقت نفسه وهو بلا شك هبة من الخالق تفرض علينا تعهدها بالرعاية والاهتمام منذ الأيام الأولى لظهور علاماتها على الطفل،

تنمية لقدراته وصقلاً لمهاراته وإبداعاته في سبيل تكوين شخصية متكاملة، وهي مسؤولية كبيرة تتحملها الأسرة والمدرسة والمجتمع في آن واحد وبنفس الأهمية، والواقع يقول إن كثيراً من النماذج المبشرة يتم إهمالها نتيجة الجهل أو التجاهل، وحرمانها من فرصة عمرها في التألق والانطلاق نحو النور، ونحن الآن نحاول تسليط الضوء على استكشاف جوانب في حياة كل متفوق ومعرفة مدى توفر الظروف التي تدفعه للنجاح أو أنه يعاني من ظروف أخرى تجذبه للوراء، وما نوعية المشكلات التي تواجههم وتقف عائقاً كبيراً دون تفوق بعضهم.‏

إلهام حسن اللداع طالبة - ثاني إعدادي تعليم أساسي تقول: لابد للمتفوق من بيئة ترعاه فهو كالزهرة التي ينبغي أن تجد التربة المناسبة للنمو والتفتح وهي مسؤولية تقع على الطالب والأسرة والمجتمع، فأسرتي ترعاني وتوفر لي كل ما يلزم فهم حريصون على تلبية جميع متطلباتي الدراسية إضافة لمتابعة والدتي بالمنزل واتصال والدي المستمر بالمدرسة وبإدارتها لمتابعة مستواي ما كان يجعلني أصر على أن أكون عند حسن ظنهما بي، وهذا ما أحصده في نهاية كل عام.‏

رمزي الخالد سادس ابتدائي، تعليم أساسي متفوق على مستوى مدرسته وحاصل على المركز الأول في مادة الرياضيات يقول: منذ كنت في الصف الأول وأنا مولع بمادة الرياضيات والحساب، ولم أكن أدري سر انجذابي الفطري للدراسة بشكل عام ولمادة الرياضيات بشكل خاص، ولاحظ ذلك والداي وأخذا يهتمان بي كثيراً ويشجعاني على الاستمرار بالتفوق ومعلماتي لم يبخلن علي بأي شيء في سبيل حفاظي على تفوقي.‏

عيسى الحلاق طالب ثانوي يقول: للأسف على الرغم من عدم وجود حدود لطموحي إلا أنني أشعر بقوة غريبة تجذبني إلى الوراء، وقد يكون منبع ذلك الخلافات الأسرية التي تحيط بي في المنزل، فوالداي في شجار دائم، وقد تحول سلوك كل إخوتي أيضاً إلى العنف والمشاكسة، ما انعكس على ردود أفعالي، فأصبحت عصبياً وأميل إلى الانفراد وألجأ لكتبي الدراسية ربما أنسى الجو المتوتر المحيط بي، فعلى الرغم من حبي للعلم أجد نفسي كثير الشرود فإما أن أذهب في عالم خيالي رومانسي وأحلام يقظة لا تنتهي وإما أن أفكر في الصراعات بين والديي، كنت أتمنى لو تركا مشكلاتهما جانباً وراحا يبحثان عن مشكلاتنا نحن، فما أحوجنا إليهما وإلى رعايتهما، فالتربية ليست المأكل والملبس فقط... وأمام كل ذلك كيف لي أن أتفوق بدراستي بل كيف لي أن أستمر بمتابعة تحصيلي العلمي أمام هذا الواقع المرير الذي أعيشه.‏

منصور الزغبي طالب معهد متوسط: منذ كنت صغيراً لاحظ الكثيرون تفوقي ولكن لم أحظ بالاهتمام والمساعدة، فقد كانت إمكانات أسرتي المادية سيئة، ما جعلني أشعر بالدونية وسط أصدقائي في المدرسة، وهذا وّلد الحسرة بداخلي، وعندما أصبحت في مرحلة المراهقة قلدت والدي في التدخين والسهر، وتعرفت أيضاً على رفقاء السوء الذين أبعدوني عن الدراسة، ما جعل مجموعي في امتحان الشهادة الثانوية منخفضاً، لذا التحقت بالمعهد المتوسط، وحين صحوت من الصدمة قررت التفوق في المعهد وحصلت بالفعل على درجات عالية،لكنني أظل نادماً على إهمالي في الصغر وأعتب على والدي لإهمالهما، لي وتركي دون رقابة وتوجيه فالتربية ليست توفير مادة فقط، لكن يتعين على الوالدين ملاحظة أبنائهما عن كثب وانقاذهم من الانهيار وقت اللزوم، وينبغي تقويمهم أولاً بأول والعناية بمواهبهم وتفوقهم وعدم تركهم نهباً لرفقاء السوء والقدوة السيئة.‏

مريم ارناؤوط طالبة جامعية تقول: على الجميع أن يهتموا برعاية التفوق منذ الطفولة، وفي كافة مراحله، لأن معظم العلماء العرب الذين هاجروا إلى الغرب ونبغوا هناك...نبغوا لمجرد توفر الجو الملائم لابداعهم، إضافة للإمكانات المادية والتقنية لتطبيق أفكارهم، بينما لا يزال يعاني الكثيرون من الإهمال وعدم توفر الرعاية والاهتمام في أغلب البلدان العربية النامية التي لاتهتم كثيراً بأمر علمائها باعتبار ذلك يتطلب اعتمادات مالية ضخمة يعتبرونها مهدورة دون فائدة، فلولا رعاية أسرتي اللامتناهية لما تفوقت في الشهادة الثانوية، كما أن والديي لم يبخلا بتهيئة الجو الملائم لي للدراسة، وكانا دائماً ينصحاني بالراحة وعدم إهمال حق جسدي على اصطحابي بنزهات ترفيهية ولم يتوقفا يوماً عن بث الثقة بنفسي ودعمي معنوياً ومادياً للحفاظ على تفوقي المستمر.‏

وحول ذلك يؤكد المختصون أن التفوق إبداع متجدد في مجال أو مجالات عدة يستمد مستلزماته من البيئة التي ينمو فيها، لأن البيئة التربوية والثقافية والتعليمية في البيئة وفي المدرسة تزود بالأسلحة اللازمة لخوض غمار ميدان الإبداع والتفوق، بيئة تحتاج إلى رعاية خاصة جداً، هذه البيئة التي تعتمد الحوار والمناقشة وإبداء الرأي وقبول الرأي الآخر وبناء الشخصية المتوازنة، أي كيف يتعلم التلميذ وكيف يفكر من أجل الانطلاق في طريق البحث والتدقيق والاستنتاج والملاحظة والتجربة، وطبعاً هذه البيئة التي تعمل على تأمين مقومات التفوق ولاسيما البيئة الأسرية التي تعمل في سبيل انضاج الصغار بتأمين احتياجاتهم. ولكن ما الحل إذا كانت أسرة المتفوق لاتملك عمليات التحريض وتوليد الأفكار؟ هنا يأتي دور المدرسة ويجب أن تأخذ دورها بصفتها التربوية والإبداعية ولاسيما أن غالبية مناهج التعليم باتت تعتمد عملية الانتقال من التعليم إلى التعلم ومن المعلومات النظرية إلى التطبيقات العملية، إلى جانب إعداد المعلم المؤهل ذي الكفاءات المطلوبة لمتابعة الموهوبين، وهكذا نصل إلى المتفوق العلمي والتربوي الذي ينهض بوطنه علمياً وثقافياً, ابتداء من حضانته حتى رجولته عملاً بالمقولة التربوية: لايكون الإنسان في رجولته رجلاً حقاً إلا إذا كان في طفولته طفلاً حقاً.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية